نُـمُور الوَرَق لم تَعُد تُخيفنا

بقلم هنري زغيب*

مع كل مرحلة جديدة في ما نَـمُرُّ به من مظاهر وظواهر ومساخر، ينبثق قاموسٌ من الكلمات تَرُوج في الإِعلام وفي الناس.

من تلك أَخيرًا: التَنَمُّر، وهي ليست جديدة لكنَّها راجت في القطاع المدرسي وتوسَّعَت إِلى قطاعات أُخرى.

التَنَمُّر  (Intimidation – Bullying)تحديدًا: هو الكلام أَو التصرُّف بِفَوقية من جهةٍ تتسلَّط على أُخرى تفترضُها أَضعفَ منها. وهو ما أَخذْنا نعاينُه ونتابعه أَخيرًا من تَنَمُّرٍ في مجتمعنا، ويُسيْءُ عميقًا إِلى صورة مجتمعنا في الخارج، وتاليًا يعطي عن لبنان صورةً نمطية مشوَّهة ليست فيه ولم تكن يومًا فيه.

هذا التَنَمُّرُ هو التصرُّف السائد منذ بدء الأَزمة الأَخيرة.

منه ما شهدناه في الأُسبوع الفائت من تَنَمُّر بين مواطنين في السوپـرماركت بسبب كيس حليب.

ومنه تَنَمُّرُ فئة ضئيلة من الناس على كل الناس بحجة مركز سياسي أَو منصب إِداري أَو وظيفة عامة.

ومنه تَنَمُّرُ المصارف على المودِعين، وعدم مدِّهم بفتات ودائعهم بحجة الـ”هيركات” أَو “الكاپـيتال كونترول”.

ومنه تَنَمُّرُ التاجر على المستهلِك بأَسعار سوريالية والحجة الجاهزة: ارتفاع سعر الصرف بالعملة الخضراء علمًا أَن التاجر أَذكى من أَن يقعَ ضحيَّةَ الفخ فيكون خزَّن ما عنده فلا يُطْلع منه إِلى الرُفوف سوى كفافِ يومٍ لإِدراكه أَنْ في الغد سيَبيعها أَغلى بحجة ارتفاع الدولار بين يومٍ ويومٍ مع أَنه يكون سحبَها من مخازنه الخبيئة أَيام اشتراها بسعر أَقل.

ومنه تَنَمُّرُ بعض رجال الأَمن على المواطنين الثائرين جوعًا وفقرًا ويأْسًا ومطالَبَةً بلقمة الحرية، فيما دور رجال الأَمن حفْظ الأَمن لا ضرب شبَّان وصبايا وإِن يكُن بينهم أَحيانًا مدسوسون حقيرون.

منه تَنَمُّرُ الصمت الملتبس على أَهالي الضحايا والمنكوبين، فلا تحقيقَ معتِمًا يَبلغ فجره، ولا جوابَ عن سؤَال يَبلغ سائليه.

ومنه ما يَبلغنا أَحيانًا من تَنَمُّرٍ بين رجال الأَعمال أَو الطوائف أَو الجهات المعنية في سبيل تركيزٍ لشُؤُون مختلفة يضيق لذكرها المجال الآن.

وتطول اللائحة… تطول… وفي كلِّها تَنَمُّرٌ نتيجتُه صلَفُ المتَنَمِّرين وإِذلالُ الخاضعين للتَنَمُّر.

غير أَن التَنَمُّرَ الأَشرس يجيْءُ من أَهل السلطة على الشعب، بأَلف حُجَّة وسبب، فينتهكون نظامًا ودستورًا باتا بين أَيديهم وجْهة نظر أَو عرضة تفسير ما إِلَّا كي يكونا لصالحهم السياسي ومصلحتهم الانتخابية. فإِذا هم يتَنَمُّرون من مقاعد السلطة على مَن وَلَّوهم هذه السلطة وتلك المقاعد.

ولعلَّ هذا أَسوأُ التَنَمُّرِ من رجال سلطةٍ يُغالون ويوغلون في تَنَمُّرهم على الشعب، مدَّعين أَنهم أَكثرُ لبنانيةً من اللبنانيين، ويَعمَلون من أَجل اللبنانيين، يخاطبونهم من علٍ ويُمنِّنُونهم من كراسيهم ومناصبهم ومراكزهم السياسية في الحكْم أَو خارج الحكْم، ويغسلُون ضمائرهم من خطايا الخيانات والصفقات والسمسرات والتحويلات والتقصير والإِهمال.

غير أَنهم مخطِئُون. كثيرًا مخطِئُون، ويُغفِلون، أَو يتَغافَلُون، عن أَنهم اليوم منبُوذون مكروهُون مفضُوحون ساقطُون من حسابات الشعب الذي كشَف عوراتهم السياسية الرديئة الخبيئة الدنيئة، وينتظرُهم قريبًا كي يتَنَمُّرَ هو عليهم في يوم الحساب الانتخابي حين سَيُسْقِطُهم بقسوةٍ من صندوقة الاقتراع، ويومَها… سيكونُ التَنَمُّر وصريرُ الأَسنان.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى