هل يؤدي الوباء إلى انتشارٍ واسعِ النطاق لتقاسُمِ الكهرباء في العالم العربي؟

تسارعت التحركات لإنشاء السوق العربية المُشتركة للكهرباء استجابةً للوباء، وتهدف المبادرة إلى زيادة تجارة الكهرباء من 2٪ إلى 40٪ بحلول العام 2035. ويوفر التكامل الأكبر فرصاً كبيرة للطاقة المتجددة والاستثمار الخاص، كما يمكن أن تكون هذه السوق مُكوّناً حاسماً في تعافي البلدان من كوفيد-19.

الطاقة المتجددة ستتعزز من خلال إنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء

بقلم محمد سليم*

أدّت جائحة كورونا إلى زيادة عالمية في التعاون الإقليمي والترابط كوسيلة للإنتعاش الاقتصادي. وكجزءٍ من هذا الإتجاه، تحرّكت دول العالم العربي أخيراً لتوسيع التعاون بينها في ما يتعلق بإمدادات الكهرباء.

في منتصف العام 2020، بعد فترة وجيزة من اندلاع كوفيد-19، حقّق المجلس الوزاري العربي للكهرباء، وهو هيئة مرتبطة بجامعة الدول العربية، تقدّماً كبيراً في خطط إنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء. ووافق المجلس خلال المباحثات على عملية التصديق على الاتفاقات القانونية والإتفاقات الخاصة بهذه السوق، الأمر الذي مهد الطريق أمام الدول العربية لتوقيع اتفاقات مشاركة الكهرباء المُلزِمة هذا العام.

تهدف السوق العربية المشتركة للكهرباء إلى إحداث ثورة في قطاع الكهرباء في الشرق الأوسط، مع خطط لزيادة تجارة الكهرباء عبر الحدود من المستوى الحالي البالغ 2٪ إلى حوالي 40٪ بحلول العام 2035.

في حين أن جائحة كوفيد-19 سرّعت التقدم، فإن خطط السوق العربية المشتركة للكهرباء كانت في الأفق منذ العام 2017، عندما تم توقيع مذكرة تفاهم بين 16 دولة، وهي الجزائر والبحرين ومصر والعراق والأردن والكويت وليبيا والمغرب وسلطنة عُمان وفلسطين وقطر والسعودية والسودان واتحاد جزر القمر والإمارات واليمن.

حدث مَعلمٌ رئيس في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، مع المؤتمر العربي الأول لتجارة الطاقة، الذي عُقد في القاهرة بدعوة من جامعة الدول العربية ومجموعة البنك الدولي والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

ناقشت وفود من الدول العربية بقيادة وزراء الطاقة، أفضل نهجٍ لتعميق وتوسيع التعاون الإقليمي في مجال إمدادات الطاقة. وحدد إعلانٌ صدر في نهاية المؤتمر خططًا لمرحلة انتقالية أولى تمتد من 2019 إلى 2024.

خلال هذه الفترة، سيتم إنشاء أمانة عامة للسوق العربية المشتركة وتصميم  مخطط لهيكل سوق إقليمية. ومن المقرر أيضاً إطلاق آلية تسعير تجريبية لتجارة الكهرباء التجارية عبر الحدود.

فوائد زيادة الإندماج

حتى قبل كوفيد-19، كانت هناك حجّة اقتصادية قوية لتعزيز تكامل التجارة التجارية الإقليمية في الكهرباء.

بالإضافة إلى زيادة كفاءة وشفافية السوق، شعر الكثيرون أن سوقاً عربية مشتركة للكهرباء ستعمل على زيادة تكامل السوق على نطاق أوسع ودفع التنمية المُستدامة. ويمكن أن يؤدي التكامل المتزايد لأنظمة الطاقة إلى فتح العديد من اقتصاديات الحجم وتوفير التكاليف للمشاركين الفرديين في السوق. كما يمكن أن يساعد ذلك الحكومات على خفض الدعم وزيادة مشاركة القطاع الخاص في صناعة المرافق.

على سبيل المثال، في العام 2019، قدّر البنك الدولي أن القيمة المُشترَكة المُحتَمَلة لتجارة الكهرباء في المنطقة بين العامين 2020 و2030 ستبلغ 12 مليار دولار. ومع ذلك، أشار البنك إلى أن المُدّخرات الإجمالية يمكن أن تصل إلى 44 مليار دولار إذا تمّ إدخال المزيد من أنظمة الطاقة المُثلى، واستبدال الوقود السائل الباهظ بمصادر أخرى أكثر فعالية من حيث التكلفة لتوليد الطاقة.

علاوة على ذلك، أصبحت الشبكات الفردية داخل نظامٍ مُتكاملٍ أكثر موثوقية، مدعومة باستخدامٍ أكثر كفاءة لاحتياطات السعة والتزويد المضمون.

وستكون أيضاً فرصة لصافي منتجي الطاقة لبيع فائضهم إلى جيرانهم. هذا أمرٌ أساس في مناطق -مثل العالم العربي الأوسع- حيث موارد الطاقة غير متوازنة. إضافة إلى ذلك، من المأمول أن تسمح السوق العربية المشتركة للكهرباء للأعضاء في النهاية بتوسيع الصادرات إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية.

من الناحية البيئية، كلّما كانت الشبكة أكثر تكاملاً، زادت الطاقة المُتجدّدة التي يمكنها استخدامها. وبالتالي تتماشى السوق العربية المشتركة للكهرباء مع أهداف الطاقة المتجددة المحلية والإقليمية والعالمية.

التكامل لدفع الانتعاش

جلب كوفيد-19 مزايا مُحتَمَلة للسوق العربية المشتركة للكهرباء إلى تركيزٍ أكثر حدّة.

كانت اضطرابات سلسلة التوريد العالمية وتقلب أسعار النفط عاملَين فقط من العوامل التي سلّطت الضوء على أهمية تعزيز التكامل الإقليمي. وفي الوقت نفسه، تُعد الكهرباء الموثوقة ضرورية للانتعاش الصناعي والاقتصادي والتعافي من كوفيد-19. إن النمو السكاني السريع يعني أنه سيكون هناك طلبٌ متزايد باستمرار في جميع أنحاء المنطقة.

علاوة على ذلك، تتوافق السوق العربية المشتركة للكهرباء أيضاً مع خطط العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لما يسمى بالتعافي الأخضر.

من بين رواد الطاقة النظيفة في المنطقة، المغرب، الذي ولّد حوالي 35٪ من احتياجاته من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة قبل الوباء بفضل سلسلة من مشاريع الطاقة الشمسية واسعة النطاق. ويهدف المغرب إلى زيادة هذه الحصة إلى 50٪ بحلول العام 2030، ويأمل أن يصبح مدعوماً بنسبة 100٪ من مصادر الطاقة المتجددة بحلول العام 2050.

لا تزال المنطقة تتمتع بالكثير من الإمكانات غير المُستغَلَّة في ما يتعلق بمصادر الطاقة المتجددة، وسيؤدي الوصول إلى سوق أوسع للطاقة المتجددة إلى دفع نمو هذا القطاع الرئيس.

من الأمثلة البارزة على دولة تتطلع إلى التوسّع في هذا المجال هي المملكة العربية السعودية، التي حدّدت أهدافاً طموحة للطاقة المتجددة في ضوء الوباء.

وبينما شكّلت مصادر الطاقة المتجددة 0.05٪ فقط من إنتاج الكهرباء في المملكة في العام 2018، حدّدت الحكومة في كانون الثاني (يناير) هدفاً مُعدَّلاً بنسبة 50٪ بحلول العام 2030، على أن يتم تحقيقه من خلال الإطلاق الشامل للمشاريع الجديدة.

وفي مكافأة أخرى، ستمنح السوق العربية المشتركة للكهرباء الدول الأعضاء فرصةً للإستفادة من بعض البنية التحتية للربط الكهربائي العابر للحدود التي موّلها الصندوق العربي على مدى العقود الماضية، فضلاً عن الروابط التي أقامتها دول مجلس التعاون الخليجي.

من المُحتمل أن يكون الحجم الإجمالي للسوق العربية المشتركة للكهرباء حوالي 300 جيغاواط، مما يجعلها الثانية في العالم بعد “الشبكة الأوروبية لمُشغّلي أنظمة النقل” (European Network of Transmission System Operators).

بالطبع، يتطلب تحقيق هذا الهدف قدراً كبيراً من الالتزام والاستثمار. بينما لا يزال يتعيّن اتخاذ العديد من الخطوات الرئيسة قبل انطلاق السوق العربية المشتركة للكهرباء، فإن تجارب العام الفائت، جنباً إلى جنب مع الوعي بالتحديات المقبلة، من المرجح أن يكون لها تأثير في تعزيز الإرادة السياسية وضمان أن تكون العملية سريعة التنفيذ.

  • محمد سليم، صحافي من أسرة “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى