لماذا لا يُريدُ أمراءُ الحربِ في اليمن السلام

يبدو أن المستقبل القريب في اليمن لا يشي بأي أمل بالنسبة إلى عودة الهدوء والإستقرار إلى البلاد، لأنه ليست هناك حوافز قد تُشجّع الحوثيين وتدفعهم للتوصّل إلى اتفاق سلام.

الرئيس جو بايدن: هل يستطيع إعادة السلام إلى اليمن؟

بقلم احمد ناجي*

تُمثّل سياسة الإدارة الأميركية الجديدة لإنهاء الحرب في اليمن علامة بارزة في الصراع المستمر منذ ست سنوات. أعلن الرئيس جو بايدن عن انتهاء الدعم الأميركي للعمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية، وعن دورٍ أميركي أكثر فاعلية في الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في البلاد. في ضوء ذلك، عَيَّنَ تيموثي ليندركينغ، نائب مساعد وزير الخارجية السابق، مبعوثاً خاصاً له إلى اليمن.

ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف ستتمكّن الولايات المتحدة من دفع جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) المدعومة من إيران، للدخول في اتفاق سلام. وهذا أيضاً تحدٍّ رئيس واجه وما زال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث، والذي سيستمر في إعاقة جهود السلام. إن أولوية الحوثيين اليوم تكمن في تحقيق المزيد من المكاسب، وليس الإنخراط في صفقات تقاسم السلطة. يبدو أن رغبة المجموعة المزعومة لصنع السلام ليست سوى خطوة تكتيكية.

الواقع أن الحوثيين استفادوا من تغييرات السياسة الأميركية بثلاث طرق. أولاً، يمثل هذا التغيير إنتصاراً للحوثيين من خلال تقويض مصالح خصومهم الرئيسيين. دخل التحالف الذي تقوده السعودية الحرب في العام 2015 مع عشر دول. اليوم، تجد الرياض نفسها وحيدة. ثانياً، سيستفيد الحوثيون من الديبلوماسية المرافقة للولايات المتحدة. يتزامن هذا مع التراجع عن تصنيف واشنطن للحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، لأن ذلك كان سيُعيق مهمة المبعوث الأميركي الخاص.

وثالثاً، من المرجح أن يقوم الحوثيون بتسريع وتيرة الحرب للإستفادة من حقيقة أن السعوديين سيُقَلّصون على الأرجح عملياتهم العسكرية بسبب تعليق الدعم الجوي الأميركي. سيخلق هذا الواقع حافزاً للحوثيين للتوسع في الداخل اليمني، في المناطق المتاخمة حيث تنتشر الجماعة الآن. وهذا يشمل الساحل الغربي لليمن ومأرب والجوف وشبوة، من بين مناطق أخرى. ومن الجدير بالذكر أنه بعد قرارات الولايات المتحدة، استأنف الحوثيون هجماتهم على محافظة مأرب، التي تستضيف أكثر من مليوني نازح داخلياً وحيث تتدهور حالة حقوق الإنسان. من المحتمل أن تواجه العديد من المناطق هجمات مماثلة للحوثيين في الأسابيع المقبلة.

هناك العديد من التحدّيات الرئيسة أمام التوصّل إلى اتفاق سلام. أولاً، ليس لدى الحوثيين دافعٌ للإنضمام إلى العملية السياسية وتقاسم السلطة مع الأحزاب اليمنية الأخرى، نظراً إلى أنّهم يُسيطرون اليوم على معظم المناطق في شمال اليمن. بناءً على رؤيتهم للحل، يحاول الحوثيون تقديم أنفسهم على أنهم الممثلون الوحيدون للبلاد. إنهم لا يريدون الإنخراط في عملية من شأنها أن تحرمهم من دور مُهَيمن في الشؤون اليمنية الداخلية.

وقد تعزّز هذا الإتجاه بالديناميكيات التي حدثت في السنوات القليلة الماضية، والتي كانت لمصلحة الحوثيين. إن التحالف المُناهض للحوثيين بشكل عام مُنقسم بشكل عميق، حيث يعمل أعضاؤه وحلفاؤه المحليون في كثير من الأحيان لأغراض وأهدافٍ مُتعارضة. وقد أدّى ذلك إلى إضعاف كبير، من بين أمور أخرى، للحكومة اليمنية المُعترَف بها دولياً للرئيس عبد ربه منصور هادي. وبالتالي، لم يكن لدى الحوثيين أي سبب لقبول الإتفاقات التي وقّعوا عليها في الماضي، مثل اتفاقية السلام والشراكة الوطنية في أيلول (سبتمبر) 2014. وقد تعزّز نهج الحوثيين من خلال القناعة الإيديولوجية بضرورة إعادة تأسيس الإمامة الزيدية التي تمّ استبدالها بجمهورية في العام 1962، وهذا يمنحهم حق حكم اليمن.

التحدّي الثاني هو القدرات العسكرية المُتنامية للحوثيين، والتي تجعل الجماعة أقل احتمالاً بكثير لتبنّي الحلول الوسط التي قد تنطوي عليها التسوية. لقد سمح استيلاء الحوثيين على مخزون الجيش اليمني في نهاية العام 2014 لهم بالإنخراط في عمل عسكري واسع النطاق. حقيقة أن إيران قد زوّدتهم أيضاً بأسلحة متطورة، وقدرة الحوثيين على التجنيد على نطاق واسع في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، عززتا فكرة أن الجماعة ليست لديها حاجة حقيقية إلى التنازل وتسليم أي شيء.

هناك أيضاً مشكلة هيكلية في حركة الحوثيين. إنها تعتبر نفسها كياناً عسكرياً وليس حركة سياسية. يبدو أن الحوثيين مُقتنعون بأن الأسلحة تُحقّق مكاسب أكبر من المفاوضات. قد يُثبت توازن القوى أنهم على حق. يبدو أنه لا توجد قوة في اليمن اليوم قادرة على ردع الحوثيين، حيث شجّعت السياسات التي تنتهجها السعودية والإمارات، وكذلك الإقتتال الداخلي بين الفصائل اليمنية، الجماعة على أن تكون طموحة. على سبيل المثال، كانت حكومة هادي المدعومة من السعودية على خلاف مرير مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، فيما بقي الحوثيون أقوياء ومُوَحَّدين. في مثل هذا السياق، ليس من المنطقي بالنسبة إلى المجموعة أن تواصل مفاوضات السلام عندما تستطيع ببساطة أن تُفرّق وتَسُد.

التحدّي الثالث هو أن أولئك الذين يريدون دفع الحوثيين إلى محادثات السلام لديهم وسائل قليلة للضغط عليهم من أجل ذلك. بصفتهم كياناً غير حكومي، فإن الحوثيين غير مُبالين بالعقوبات أو الإنتقادات الدولية. يُحاول المبعوث الأممي الخاص التحدّث إلى المسؤولين الإيرانيين والاستفادة من نفوذهم مع الحوثيين. ومع ذلك، فإن نفوذ طهران على الجماعة لا ينفصل عن مصالحها الأوسع في اليمن والمنطقة. لذلك، لا يمكن فصل ما هو مطلوب لإنهاء الصراع عن مسار المحادثات الأميركية-الإيرانية، إذا حدثت.

من المهم أيضاً التأكيد على أن الجناح الإيراني في حركة الحوثيين أصبح الجناح المُهَيمن بشكل متزايد في السنوات الثلاث الماضية. لذلك، من شبه المؤكد أن أيّ حل في اليمن سيكون مُرتَبطاً بأجندات إيران المُتعدّدة في المنطقة. ربما ليس من المستغرب أن مهمة إقناع الحوثيين بالتخلّي عن مسارهم العسكري والتفاوض على حلٍّ سياسي تُذكّرنا إلى حدٍّ ما بالجهود المبذولة لإقناع إيران بالتخلّي عن برنامجها النووي.

كل هذا لا يعني أن الحوثيين لن يشاركوا في محادثات سلام. بل على العكس من ذلك، قد يواصلون المفاوضات مع الحفاظ على زخم أعمالهم العسكرية على الأرض. كان هذا هو النهج الحوثي منذ العام 2014. بعد اتفاق ستوكهولم، الذي ساعد على احتواء المعارك في مدينة الحديدة الساحلية، إستمرّت المعارك في الإندلاع في شمال اليمن.

في إطار الرغبة في تشجيع الحوثيين على الانخراط في المفاوضات، تغاضى العديد من الفاعلين الدوليين عن هجماتهم المُمنهجة ضد خصومهم المحليين. ولكن بدلاً من تعزيز فرص التوصل إلى تسوية، أدّت هذه الإجراءات إلى تفاقم الوضع، ما أدّى إلى تفاقم الوضع الإنساني. في هذه البيئة تضاءلت إمكانية التوصّل إلى اتفاق سلام، الأمر الذي يجعل مهمة مبعوثَي الأمم المتحدة والولايات المتحدة صعبة للغاية.

  • أحمد ناجي هو باحث غير مقيم في مركز “مالكولم إتش كير” كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث تتركّز أبحاثه حول اليمن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @AhmedNagiYE

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى