هل يُمكِن أن تُنهي الإنتخابات الإنقسامَ الفلسطيني؟

مؤتمر الحوار الفلسطيني في القاهرة: هل يؤدي إلى الوحدة عبر الإنتخابات؟

 

بدأت في الثامن من شباط (فبراير) الجاري في القاهرة جلسات الحوار الوطني الفلسطيني بمشاركة 14 فصيلاً، على رأسها منظمة “فتح” وحركة “حماس”، لمناقشة ترتيبات تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية فلسطينية لأول مرة منذ 15 عاماً.

 

الرئيس محمود عباس: بريد قيادة شابة جديدة

بقلم داود كُتّاب*

لسنواتٍ جادل النقّاد بأن الإنتخابات الفلسطينية لا يُمكن أن تجري في الأراضي المحتلة حتى تكون هناك مصالحة بين الفصيلين المُتحارِبَين “فتح” و”حماس”. لقد أدّى الصراع بينهما إلى تشكيل حكومَتَين مُتوازيتَين، مع سيطرة منظمة “فتح” على الضفة الغربية وحركة “حماس” على قطاع غزة. أنتَجَ هذا الوضع قوانين مُوازية، والأهم من ذلك، وجود قوات أمنية مُوازية. وبينما لا تزال هذه الخلافات من دون حلّ، فإن الإنتخابات، التي كانت تُعتَبَر سابقاً مُستحيلة بدون مصالحة، تُستخدَم الآن لتحقيق المصالحة. في 11 كانون الثاني (يتاير)، أعلن مرسوم رئاسي فلسطيني عن إجراء انتخابات تشريعية في 22 أيار (مايو) تليها انتخابات رئاسية في 31 تموز (يوليو). وكانت آخر انتخابات أُجرِيَت في العام 2006، عندما انتخب الفلسطينيون المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد بغالبية لصالح “حماس”. تم تعليق الإنتخابات التي كان من المفترض إجراؤها في العام 2014 إلى أجل غير مُسمّى بسبب سيطرة “حماس” على جميع أدوات السلطة في غزة. كان الدافع الرئيس للإنتخابات المقبلة هو الإدارة الرئاسية الجديدة في الولايات المتحدة، والتي يرغب الفلسطينيون في تشكيل جبهة موحدة لهم في حالة جرت مفاوضات الوضع النهائي.

نهاية نزاع طويل؟

على الرغم من أن الخلاف بين الفصيلَين قد فشل في إنتاج فائز واضح وخاسر واضح، فقد أصبح واضحاً في العام الماضي أن “حماس” تراجعت أولاً.

إن استعداد “حماس” لتقديم تنازلات انعكست في قرار الحركة قبول الشروط التي وضعها الرئيس الفلسطيني محمود عباس للعملية الإنتخابية. وكان من شروط الرئيس عباس إجراء انتخابات تشريعية قبل الانتخابات الرئاسية ليتبنّى استراتيجية جديدة لحماية الرئاسة لنفسه أو لخليفته في حال تفوّقت “حماس” على “فتح” في الجولة الأولى من التصويت. وفي هذا المجال أرسل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنية، رسالة إلى الرئيس عباس يوافق فيها على إجراء انتخابات مُتتالية وليست مُتزامِنة.

يبدو أن قبول “حماس” للإنتخابات غير المُتزامِنة ناتجٌ عن قرار الحركة الإسلامية بعدم التنافس على رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية أو السيطرة عليها. أدركت قيادة “حماس” أنها لن تكون قادرة على قيادة المفاوضات الفلسطينية أو تولّي مسؤولية حكم فلسطين، خصوصاً وأن إيديولوجية الحركة غير مقبولة إقليمياً أو دولياً. مع عدم وجود مُرَشَّحٍ في السباق الرئاسي، كانت قيادة “حماس” غير مبالية في النهاية بتوقيت الإنتخابات الرئاسية.

شعرت “فتح”، وخصوصاً الأمين العام للمنظمة، جبريل الرجوب، أن ائتلافاً حاكماً سوف يُساعد على عملية إعادة التوحيد (التدريجية بالضرورة) من خلال تشكيل حكومة يدعمها الطرفان. على هذا النحو، لن تكون هناك حاجة إلى فائز وخاسر. وبدلاً من ذلك، ستكون المصالحة نتيجة طبيعية للعودة إلى حكومة واحدة بقوانين مُوَحّدة يتم تمريرها من قبل هيئة تشريعية واحدة في كل من غزة والضفة الغربية.

مع ضمان الرئاسة، أصبح من الواضح أن “فتح” ستصرّ أيضاً على اختيار رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي سيُصبح، بموجب القانون الأساسي الفلسطيني، رئيساً بالإنابة في حالة وفاة رئيس السلطة التنفيذية أو عجزه لفترة 60 يوماً، حتى إجراء الانتخابات الجديدة. علاوة على ذلك، أصبح من الواضح أيضاً أن مرشح “فتح” لا يمكن أن يصبح رئيساً للمجلس التشريعي إلّا إذا فازت “فتح” أيضاً بالغالبية في المجلس التشريعي. وبما أن كلاً من “فتح” و”حماس” قد خسرا التأييد الشعبي، فقد تم اقتراح فكرة القائمة المشتركة التي ضمنت ل”فتح” 10 مقاعد أكثر من “حماس” للمساعدة على منع تكرار المشاكل التي نتجت عن انتخابات 2006 – عندما فازت حماس بـ 75 من أصل 132 مقعداً وانتخب المجلس التشريعي، أحد أكثر أعضائه إيديولوجياً، عزيز الدويك، لمنصب رئاسته. وتشير التقارير إلى أن جبريل الرجوب، رجل “فتح” القوي، يتطلع إلى منصب المُتحدّث ليضع نفسه في الصدارة في فترة ما بعد محمود عباس.

تقاسم السلطة وقائمة مشتركة محتملة

إن احتمال وجود قائمة مُشتركة بين “فتح” و”حماس” هو نتيجة تغييرات في قانون الإنتخابات، الذي استبدل الدوائر الانتخابية بنظام التمثيل النسبي. ويُناسب التمثيل النسبي السياسة الفلسطينية لأنه يُجبر الفصائل على بناء تحالفات مع الحفاظ على هويتها الإيديولوجية. جادل خبراء الانتخابات بأنه لو حدث التمثيل النسبي في انتخابات العام 2006، لما تمكّنت “حماس” من الفوز بغالبية المقاعد في المجلس التشريعي.

في حين أن تقاسم السلطة وتشكيل تحالف أمران مُمكنان، إلّا أن فكرة القائمة المشتركة لم تتوافق مع كافة القادة السياسيين الحزبيين من كلا الجانبين. وقد ردّ عضو المجلس المركزي ل”فتح”، ناصر القدوة، على فكرة القائمة المشتركة بالقول إنه بينما يدعم الوحدة، بخاصة داخل منظمة التحرير الفلسطينية، فإنه يرفض فكرة القائمة المشتركة بين “فتح” و”حماس” “لأنها غير ديموقراطية، وتتجاهل ما حدث في الماضي والذي ليس مُمكناً سياسياً، وتنشر الانتهازية والمصالح الشخصية على حساب مصالح الشعب”.

القدوة، الذي كان شخصية هامشية في قيادة “فتح” لبعض الوقت، ليس أكبر مشكلة تواجه “فتح”، فهي عليها أن تجد حلولاً لقضية العضو المطرود محمد دحلان وأنصاره، خصوصاً في غزة، وكذلك قضية زعيم “فتح” المُعتَقل مروان البرغوثي. وقد بذلت “فتح” جهوداً للمصالحة مع بعض مناصري دحلان وإدراجهم على قائمة المنظمة، وأرسلت وفداً لزيارة مروان البرغوثي في ​​السجن على أمل الحصول على دعمه. ربما مقابل إدراجه وبعض أنصاره على قائمة “فتح”.

في 25 كانون الثاني (يناير) الفائت، عقدت اللجنة المركزية والمجلس الثوري في حركة “فتح” إجتماعاً حاسماً قيل إنه تضمّن تبادلات كلامية غاضبة وتهديدات. وتقول التقارير إن عباس أمر بأن لا يخوض أي عضو في اللجنة المركزية أو المجلس الثوري لحركة “فتح” أو سفراء ووزراء الانتخابات المقبلة. كما ورد أن عباس، البالغ من العمر 85 عاماً، قال أيضاً إنه لا يريد أن يخوض أي شخص يزيد عمره عن 50 عاماً في الانتخابات المقبلة من أجل إعطاء فرصة لقادةٍ جدد.

كانت المناقشات الأوّلية بين “فتح” و”حماس” هي أن الأولى ستحصل على 70 مقعداُ والثانية ستحصل على 60 مقعداً، ولكن تم تخفيض الأعداد لاحقًا إلى 60-50 لصالح “فتح” مع احتمال أن تقوم جميع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الأخرى بإنشاء قائمتها الخاصة لانتخابات المجلس التشريعي. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك امرأة واحدة على الأقل من بين المرشحين الثلاثة الأوائل في كل قائمة، وبعد تلك النقطة يجب أن تكون نسبة 25٪ على الأقل من المرشحين في القائمة من النساء. ويتوقع خبير استطلاعات الرأي خليل الشقاقي أن لا يحصل أنصار دحلان على أكثر من خمسة مقاعد من 132 عضواً في المجلس التشريعي.

وقد اجتمع أخيراً قادة جميع الفصائل في القاهرة من أجل إزالة الخلافات حول العملية الانتخابية. وكان أحد مجالات النقاش هو منع تدخل الجماعات المسلحة والفصائل السياسية، وخصوصاً في غزة. نظراً إلى وجود نظامين قانونيين متوازيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، يجب إنشاء محكمة انتخابات لضمان الشفافية والامتثال للإتفاقات المتعلقة بالعملية الانتخابية واحترام نتائج الانتخابات.

أسئلة عالقة

كل الإستعدادات القانونية واللوجستية للإنتخابات تتجاهل الفيل الموجود في الغرفة: ماذا تفعل بسلاح “حماس”. في حين تم تجنّب هذه القضية إلى حد كبير في المناقشات الحالية، فقد قيل إن مقاتلي وأسلحة “حماس” سيكونان بطريقة ما تحت المراقبة حتى الانتخابات، وأن هؤلاء المقاتلين سوف يتعهّدون بالولاء للسلطة الجديدة المُوَحَّدة بعد الانتخابات. وقد تمت مناقشة إمكانية استيعاب القوة التنفيذية ل”حماس” في قوة الأمن الوطني الفلسطيني كوسيلة لضمان قدرة الحكومة التي تم تشكيلها حديثًاً على فرض إرادتها على الأرض.

سؤالٌ آخر عالقٌ حول الانتخابات السرية لمكتب “حماس” السياسي. المرشحان الأوّلان هما الرئيسان الحالي والسابق للحركة. إسماعيل هنية، وهو أصلاً من غزة، يعيش في الخارج منذ أن أصبح رئيساً لحركة “حماس” في العام 2017 وسيتنافس مع زعيم “حماس” السابق خالد مشعل، الذي يعيش في قطر منذ العام 2012 ويرى البعض أن القيادة القطرية الداعمة للحركة تُفضّل الأخير.

يبدو أن تعهّد قطر بتقديم 360 مليون دولار لدعم “حماس” خلال العام 2021 هو بوليصة تأمين لمواصلة التحرّك نحو المصالحة. تأمل الدوحة أن تجلب المساعدة لغزة مزيداً من الاستقرار وبالتالي تُقلّل التعقيدات المحيطة بالإنتخابات. إذا سارت جولَتَي الانتخابات بسلاسة، يُمكن تشكيل مجلس وطني فلسطيني جديد بحلول نهاية آب (أغسطس) مع تعقيدات محدودة. وسيضع هذا الأمر اللمسة الأخيرة على الوحدة الوطنية الفلسطينية تحت قيادة واحدة مع تقاسم السلطة بين الفصيلين الفلسطينيين الرئيسيين.

قطر ليست الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتابع عن كثب الانتخابات الفلسطينية. أعرب القادة الإقليميون عن مخاوفهم بشأن العملية الانتخابية وإمكانية تحقيق نتائج مفاجئة. لذا تم إرسال رئيسَي المخابرات المصرية والأردنية إلى رام الله للقاء نظيرهم الفلسطيني. وقام الرئيس عبد الفتاح السيسي بزيارة مفاجئة إلى الأردن للقاء الملك عبد الله الثاني لمناقشة الموضوع ذاته.

بالنسبة إلى المراقبين الخارجيين والفلسطينيين أنفسهم، يبقى السؤال الكبير ما إذا كانت الحكومة المُوَحَّدة يمكن أن تظهر وتُنجز المهمة الصعبة المُتمثّلة في إنهاء الإنقسام. الطريق مليء بالألغام التي يمكن أن تنفجر بسهولة إذا اشتبه أيٌّ من الجانبين في عدم نزاهة الطرف الآخر. ومع ذلك، إذا أُجريت الإنتخابات بنجاح وظهرت حكومة ائتلافية، فإن المساهمين في هذا الإنجاز سيكونون في مقعد القيادة لمرحلة ما بعد عباس من الحكم الفلسطيني.

  • داود كُتّاب هو صحافي فلسطيني (أميركي الجنسية) حائز على جوائز عدة، وهو أستاذ سابق في الصحافة في جامعة برينستون الأميركية. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @daoudkuttab. الآراء الواردة في هذه المقالة تخص كاتبها وتُمثّله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى