“سَفَر بَرلِك” طَوعيّ… ويَفرَغُ الوطن

لم يَنْفِهم سَــفَــر بَــرْلِــك فَـنَـفَـتْــهُـم دَولَتُهم.

 

بقلم هنري زغيب*

 

“… وماذا بعد”؟ يسأَل متقاعدٌ جالس على حافة خوفه من ضياع جنى عُمره مع ذوَبان الودائع في المصارف.

“إِلى أَين بَعد”؟ تسأَل أُمٌّ حاملةٌ قميصَ ولدها الذي نزل إِلى عمله في المرفإِ فأَنزله 4 آب في ركام الرماد.

“ما الفرق”؟ يسأَل شابٌّ تائه بين اليأْس من غَده والثورة على جزّاري الوطن، “هؤُلاء المتسلِّطون على رقبة الوطن بنظام ديمقراطي “توافقي”، ما الفرق بين نظامٍ على قياسهم، وأَيِّ نظام آخر شمولي توتاليتاري دكتاتوري أُوليغارشي سلطوي نازي فاشي”؟

“لماذا”؟ تسأَل فتاةٌ والدتَها صباحًا، “لماذا أَجابني أَبي اليوم أَن الرغيف حاليًا أَكثرُ إِلحاحًا من الكتاب”؟

“كيف”؟ يسأَل طالب جامعيٌّ معلِّمه في صف “زوم”، “كيف نترجم إِلى الفرنسية أَو الإِنكليزية عبارات “فخامة” الرئيس، و”دولة” الرئيس و”سعادة” النائب و”دولة” نائب الرئيس وسائر أَلقاب فضفاضة ليس لها بالأَجنبية سوى كلمة واحدة “مسيو” أَو “مستر”؟ وهل الأَلقاب تجعلهم مهمِّين ومسؤُولين إِذا هُم عقيمو حكْمٍ تافهون؟

“شو يعني”؟ يسأَل مواطنٌ عاديٌّ جارَه المستزلم لزعيم سياسي، “شو يعني الأَقوى في طائفته؟ ولماذا لا يكون البديل: الأَرقى والأَنقى في طائفته”؟

“ما الفرق”، يسأَل ثائرٌ لم يَحجُره كورونا عن التعبير، “ما الفرق بين الخيانة العظمى وما نَشهده اليوم من سلوك مسؤُولين يعمِّقون يوميًّا جراح الوطن بإِهمالهم وصَمَم ضمائرهم وإِيغالهم في تنفيذ مآربهم ومصالحهم وتحسين نسلهم الانتخابي”؟

“لا خوف”، يعلِّق طبيب يكاد ينهار إِرهاقًا من دوامه في المستشفى بين الفجر والفجر، “لا خوف من دوام الكورونا. جائحة وتزول، أَيًّا يطُلْ دوامُها بيننا ستزول، بالوقاية تزول، باللَقاح تزول، وتزول بالعلاج الناجع. ولكن بأَيِّ علاجٍ وأَيِّ لَقاحٍ وأَيِّ وقايةٍ تزول طبقة سياسية تُمسِك بخناق الوطن منذ عقود، وتَشُدُّ وثاقه إِلى ميثاقها هي لا ميثاق الوطن”؟

ويسأَل سائل من الغَيب، أَصابه الموت خَطَأً في تظاهرة غاضبة: “حتى جلودُ التماسيح تَخترقُها أَسلحة حادة. من أَيِّ نوعٍ فولاذيٍّ جلودُ ضمائر سياسيين فاجرين محتلِّين الوطن جيلًا بعد جيل، كرسيًّا بعد كرسيّ، وارثًا سياسيًّا من مُوَرِّث وارث؟

من فواجع ظلْم العسكر العثماني أَيام 1914، عدا الموت جوعًا في الشوارع بعينَين مفتوحتَين ومفجوعتَين، مصيبةُ سَوْق الشباب إِلى المنفى في سفَر برلك، حتى فرَغَ الوطن من ربيع شبابه. وها نشهد اليوم ظلْم طبقة حاكمة تنكِّل بمستقبل شبابنا فلا يجدون أَجوبةً عن أَسئلتهم ويختارون طوعيًا سفَر برلك فيهاجرون ناشدين أَيَّ وطنٍ آخر تحكُمه دولةٌ لا طغمةٌ سياسية تتوارث حكْمه عن سماسرة يحترفون تجارة الشعوب.

أَسئلةٌ… أَسئلة… يبتعد عنها زمن الجواب ويقترب منها زمن الغضَب والتغيُّر.

وإِذا في التاريخ نماذجُ حكَّام حكَموا وتحكَّموا واستحكموا قاهرين شعوبَهم، ففي التاريخ أَيضًا نماذجُ أُخرى لمصير حكَّامٍ انتهى بهم صَلَفهم البطَّاش إِلى إِحدى نهايتَين: مقصلة ماري أَنطوانيت أَو رصاصة تشاوشسكو.

 

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا المقال في “أَسواق العرب” تَوَازيًا مع صُدُوره في جريدة “النهار” – بيروت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى