العودة الأميركية إلى الإتفاق النووي الإيراني لن تكون سهلة أو سلسة

الرئيس جو بايدن: يريد العودة إلى الإتفاق الإيراني ولكن ليس بأي ثمن.

 

تكثر الأسئلة الآن حول الشكل الذي يُمكن أن يبدو عليه “طريق العودة الأميركية إلى الديبلوماسية” مع إيران من الناحية العملية. هل ستعرض واشنطن التراجع عن عقوبات عهد ترامب مُقابل امتثال إيران للقيود النووية التي تفرضها خطة العمل الشاملة المشتركة، واستخدام الإتفاق الحالي كأساسٍ لمتابعةِ مفاوضاتٍ أوسع؟

 

الرئيس حسن روحاني: المحادثات قد تصبح جدية بعد نهاية ولايته بعد 5 أشهر.

بقلم نيسان رفاتي*

في العقودِ الأربعة التي تَلَت الثورة الإسلامية الإيرانية، شهدت العلاقات بين طهران وواشنطن عداوةً عميقة قابَلَتها فتراتٌ وجيزة من التقارب والتعاون التكتيكي. وبينما تستقر إدارة أميركية جديدة في السلطة وتؤكّد نيّتها، على حدّ تعبير الرئيس جو بايدن، “تقديم مسارٍ موثوقٍ لطهران للعودة إلى الديبلوماسية”، قد تكون إحدى تلك الفترات تلوح في الأفق مرة أخرى.

إتّبعت إدارة باراك أوباما استراتيجية الإنخراط الديبلوماسي مع الجمهورية الإسلامية، وعُقِدَت مُحادثاتٍ مباشرة ومُتعدّدة الأطراف تُوِّجَت باتفاقٍ في العام 2015 للحدِّ من البرنامج النووي الإيراني، أو رسمياً خطة العمل الشاملة المشتركة. في ظل إدارة دونالد ترامب، تحوّل رقّاص الساعة أو البندول الاستراتيجي نحو نهجٍ عدائي، حدّدته إلى حدٍّ كبير سياسة “الضغط الأقصى” المُتمثّلة في تطبيق عقوبات أميركية شاملة من جانب واحد تهدف ظاهرياً إلى تحقيق اتفاقٍ مُحَسَّن ومُوَسَّع. زعمت إدارة ترامب أن هذا الترتيب الجديد لن يُعالِج مخاوف حظر الإنتشار فحسب، بل سيسعى أيضاً إلى الحدّ من برنامج إيران للصواريخ الباليستية وانتشار نفوذها الإقليمي. على الرغم من أن العقوبات المُوَسَّعة التي أُعيد فرضها أوجدَت ضغوطاً اقتصادية كبيرة على إيران، إلّا أنها لم تُسفِر عن أيِّ تنازلات لمطالب الولايات المتحدة، وهي قائمة من 12 نقطة وضعها وزير الخارجية مايك بومبيو في أيار (مايو) 2018. وبدلاً من ذلك، وسّعت طهران برنامجها النووي بتعارضٍ مع التزاماتها بموجب خطة العمل المشتركة الشاملة، واستمرّت في تطوير الصواريخ الباليستية واتخاذ موقف إقليمي أكثر عدوانية.

الآن، تكثر الأسئلة حول الشكل الذي يُمكن أن يبدو عليه “طريق العودة الأميركية إلى الديبلوماسية” مع إيران من الناحية العملية. هل ستعرض واشنطن التراجع عن عقوبات عهد ترامب مُقابل امتثال إيران للقيود النووية التي تفرضها خطة العمل الشاملة المشتركة، واستخدام الإتفاق الحالي كأساسٍ لمتابعةِ مفاوضاتٍ أوسع؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف سيكون سياق عودة الجانبَين إلى التزامات كلٍّ منهما بالإتفاق النووي – كتبادلٍ فوري لامتثال مقابل امتثال، أو كعودة مُتبادَلة تدريجية؟ بدلاً، هل سيتبع فريق بايدن نهجاً يحمل شروطاً أكثر، حيث يعرض تخفيفاً محدوداً للعقوبات مقابل تدابير مُتبادَلة من طهران، ولكن أيضاً رفع مطالب، مُقَدَّماً، تتجاوز شروط الإتفاق النووي نفسه؟ حتى لو أن مبدأ الإمتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة كان أمراً التزمت به سابقاً كلٌّ من الولايات المتحدة وإيران والأطراف الموقعة الأخرى على خطة العمل الشاملة المشتركة – فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وروسيا والصين – فمن غير المرجح أن يكون تحقيقه مُجَدّداً سهلاً، سلساً أو مُباشراً.

في الولايات المتحدة، لا يزال الإتفاق النووي موضع نزاعٍ مرير. يعتقد المُعارضون والمنتقدون أنه أعطى إيران الكثير ولم تُطالَب إلّا بالقليل في المقابل، سواء من حيث قيود حظر الانتشار النووي أو التنازلات بشأن السلوك غير النووي، وهو ما لم تتناوله خطة العمل الشاملة المشتركة. وحملة “الضغط الأقصى”، التي أطلقها ترامب، دفعت إيران إلى خرق بعض القيود الحالية للإتفاق النووي: فقد صعّدت معدلات تخصيب اليورانيوم وتخزينه بما يتجاوز كثيراً ما تسمح به خطة العمل الشاملة المشتركة، ما أدّى إلى تقليص الوقت الذي ستحتاجه إلى إنتاج ما يعادل قنبلة من المواد الإنشطارية. مع ذلك، من المحتمل أن تكون هناك معارضة كبيرة في واشنطن لعكس سياسة عقوبات الإدارة السابقة، خصوصاً إذا كان ذلك يعني فقط إحياء اتفاقٍ يعتقد المعارضون أنه كان مُعيباً بشكل لا يُمكن إصلاحه في المقام الأول.

هذه بالتأكيد هي القضية التي رفعها حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولا سيما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى البيت الأبيض: احتفظوا بالنهج القسري و”الضغط الأقصى”، بدلاً من التنازل الإقتصادي أو الديبلوماسي لطهران. وهذا يُسلّط الضوء على التحدّيات التي يواجهها بايدن، ليس فقط مع إيران. إن الجوانب التقنية لعكس سياسات إدارة ترامب، ولا سيما عقوباتها، تقع ضمن اختصاص بايدن، وهي عنصرٌ أساس لأيّ قرار تقبله طهران بشكل واقعي. لكن من المرجح أن تكون الرياح المُعاكسة السياسية والديبلوماسية كبيرة إذا اختارت إدارته متابعة إحياء كامل لخطة العمل المشتركة الشاملة مقابل تخفيف كامل أو حتى تدريجي للعقوبات.

هناك ديناميات مُعَقَّدة على الجانب الإيراني أيضاً. إزدادت انتهاكات طهران للإتفاق النووي في الأسابيع الأخيرة، مدفوعةً بتشريعٍ تم تمريره بعد أن اتّهمت إيران إسرائيل بقتل عالم نووي إيراني بارز في تشرين الثاني (نوفمبر). يميل البرلمان الإيراني لأن يكون لاعباً ثانوياً في قرارات السياسة الخارجية الرئيسة. لكن حقيقةَ أن هيئات الرقابة وتنسيق السياسات في هيكل السلطة الإيرانية صادقت بسرعة على مشروع قانونها بشأن “العمل الاستراتيجي لرفع العقوبات” – على عكس الإعتراضات المُتذَمّرة لإدارة الرئيس حسن روحاني – تعكس ثلاثة اتجاهات مُتقاربة في طهران. الأول هو لوم المحافظين والمُتشدّدين الإيرانيين على أن روحاني وفريقه، الذين تفاوضوا بنجاح على خطة العمل الشاملة المشتركة، كانوا بطيئين للغاية وحذرين للغاية في مواجهة إدارة ترامب وبذلوا الكثير من الجهد لإنقاذ الصفقة – والآن أصبحوا سريعين للغاية ومُصالِحيين للغاية في السعي إلى استعادتها. لكن من غير المرجح تلبية مطالب البعض في طهران بأن تُقدّم الولايات المتحدة تعويضات عن الأضرار المالية الناجمة عن عقوباتها، أو غيرها من الشروط لإعادة انخراط أميركا في خطة العمل الشاملة المشتركة.

الديناميكية الثانية هي رغبة البعض في إيران في إظهار أن لديها مجالاً لزيادة الضغط على أميركا من خلال تصعيد نشاطها النووي، وبالتالي التعجيل بأزمة منع انتشار جديدة تريد إدارة بايدن نزع فتيلها. تدقّ الساعة بالفعل بشأن تقييدٍ مُحتَمَل لوصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى المواقع النووية الإيرانية بموجب البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والذي من المُقرَّر تعليقه في وقتٍ لاحق من هذا الشهر، وفقاً لمشروع قانون البرلمان الإيراني الصادر في كانون الأول (ديسمبر)، إذا فشلت الحكومة  في تحقيق تخفيف كامل للعقوبات. ومع ذلك، فإن الإنخراط في سياسة حافة الهاوية النووية هي مناورة محفوفة بالمخاطر لأنها قد تزيد من تشدّد موقف واشنطن وتحوّل المرونة النسبية التي أظهرها المشاركون الآخرون في خطة العمل الشاملة المشتركة حتى الآن تجاه النشاط النووي الإيراني المتزايد على مدى العامين الماضيين، إلى تشدّد.

يتعلّق الإتجاه الثالث الذي يُغذّي عملية صنع القرار في إيران بالسياسات الداخلية للبلاد قبل الانتخابات الرئاسية في حزيران (يونيو) المقبل، والتي لا يُمكن لروحاني، بعد أن قضى فترتين مُتتاليتين، خوضها. قد يكون المحافظون والفصائل المُتشدّدة يُهيِّئون أنفسهم لما سيكون، من وجهة نظرهم، موقفاً مُربحاً. إذا فشلت الحكومة الحالية في تحقيق عوائد ملموسة من مساعيها الديبلوماسية – بعد تحقيق ثلاثة انتصارات متتالية في استطلاعات الرأي الوطنية للمعسكر السياسي الذي يُعتبَر عموماً براغماتياً أو إصلاحياً من الناحية الإيرانية، حتى حدوث انتكاسة الانتخابات البرلمانية في شباط (فبراير) الماضي – فإن منتقديها سيُطالبون بالتبرير والإثبات. ولكن إذا كان هناك انفراج مع واشنطن وبدأ تخفيف العقوبات في الظهور، فقد يكون الرأي المحافظ والمتشدد هو أن الدفع بالملف النووي هو الذي أدّى إلى تحقيقه. يمكن أن تتقارب الاتجاهات الثلاثة – الإنتقاد الحالي لاستجابة روحاني لـ “الضغط الأقصى”، والتنافس الفوري على النفوذ، والديناميكيات السياسية قبل الانتخابات في حزيران (يونيو) – للحدّ من مساحة المناورة للإدارة الحالية الإيرانية في مفاوضات مُتجدِّدة مع واشنطن.

يُمكن أن تقدم الأسابيع القليلة المقبلة مؤشرات مهمة حول كيفية تأثير هذه العوامل المختلفة والمصالح المتضاربة في المدى القريب إلى المتوسط. على الجانب الأميركي، من المرجح أن تستطلع إدارة بايدن حلفاءها – أولئك الذين يدعمون خطة العمل الشاملة المشتركة وأولئك الذين لا يدعمونها – بينما تُعِدُّ استراتيجيتها لإعادة الإنخراط والمشاركة. إن إجراء بناء الثقة تجاه إيران، مثل الإشارة إلى الموافقة على طلب قرض بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي طلبته إيران في العام الماضي للمساعدة على التصدّي لوباء كوفيد -19، سيكون علامة مهمة على نيّتها. يمكن لطهران، من جانبها، العمل على حلّ مصير الرعايا الأميركيين وغيرهم من الأجانب المُحتَجَزين في إيران كبادرةٍ متبادلة تضع نغمة إيجابية للحوار بين الجانبين.

إن مثل هذه التحرّكات لن تكون بمثابة نهاية لعملية ديبلوماسية ولا حتى بداية نهايتها. لكنها ستُشير إلى بداية تأرجح عقارب الساعة أو البندول نحو قدر من المشاركة البناءة على الجبهة النووية – وربما أبعد من ذلك.

  • نيسان رَفاتي هو باحث ومُحَلّل الشؤون الإيرانية الأول في مجموعة الأزمات الدولية، وهي منظمة مستقلة لمنع الصراعات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى