القمع السعودي يُقوّي المعارضة في الخارج ويُعزّز دورها!

يبدو أن القمع المتزايد لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي يُمارسه مع حاشيته في المملكة العربية السعودية بدأ يُشجّع ويُجرّئ المعارضة في الخارج ويخلق المزيد من التحدّيات للزعيم الصاعد.

المعارضة مضاوي الرشيد: هناك تواصل سري مع معارضين سعوديين في الداخل.

بقلم نبيل نويرة*

فيما تتّخذ القيادة السعودية إجراءات عدوانية بشكل متزايد ضد المعارضة داخل وخارج البلاد، فإن المُنشَقّين في الخارج يُضاعفون تورّطهم وتواصلهم مع المنظمات والمؤسسات الدولية. على الرغم من خلفياتها المتنوعة، فقد وجدت شخصيات هذه المعارضة أرضيةً مُشتركة في الإتحاد ضد استبداد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ويُمثّل زخمها المتزايد في الخارج تحدّياً آخر للأمير الشاب لأنها تُقدّم خطاباً مُضاداً للحكومة على المستوى الدولي.

مع صعود الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى العرش في كانون الثاني (يناير) 2015، بدأ نجله الأمير محمد تعزيز سلطته بطريقة غير مسبوقة – بتهميش الشخصيات الملكية القوية واحتكار القرار، وإسكات أصوات المعارضة بما فيها أصوات النشطاء البارزين وعلماء الدين وكبار أعضاء العائلة المالكة، وحتى الشخصيات المُعارِضة في الخارج.

قبل العام 2015، كان النشطاء السعوديون صامتين بالنسبة إلى انتقادهم للحكومة وإصلاحاتها المقترحة. مع تقييد مساحة الحريات، كان لا يزال يُسمح للبعض بنشر انتقاداته في الصحف المحلية. وقد أوضح الدكتور عبد الله العودة، الأستاذ المساعد الزائر في جامعة جورج واشنطن، أنه “قبل العام 2015، كنّا أحياناً نُصعّد وأحياناً نوقف التصعيد. لقد كان الأمر شدَّ حبلٍ مع الحكومة”. ومن الأمثلة على الجهود السابقة هو إنشاء لجنة الدفاع عن الحقوق المشروعة في العام 1993، والتي قوبلت باعتقال ثمانية عشر عضواً مؤسّساً. لكن الملك الراحل فهد بن عبد العزيز أمر بالإفراج عن معظمهم في غضون شهر من اعتقالهم.

ومع ذلك، منذ وصوله إلى السلطة، أغلق الأمير محمد بن سلمان جميع السبل الضئيلة المُتبقية للمعارضة. لقد أدّى نهجه العدواني للغاية إلى زيادة ملحوظة في معارضي النظام في الخارج. تضاعف عدد طالبي اللجوء السعوديين ثلاث مرات في العام 2017 مُقارنةً بالعام 2012، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، بدافعٍ إلى حدّ كبير من الصمت الداخلي للقمع المتزايد. وهذا الأمر لا يشمل أولئك الذين هم في المنفى الذاتي ولم يتقدّموا بطلب رسمي للجوء. لقد نجا هذا الشتات السعودي الجديد من البيئة الجديدة لعدم التسامح المطلق مع أي نقد. ويعكس هذا الواقع الجديد، يشير الدكتور العودة، إلى وجود المئات من السعوديين في المؤتمر الدولي للمعارضة السعودية في العام 2018، بينما اجتذبت السنوات السابقة العشرات فقط من الحضور.

حتى مع هروب المعارضة السعودية من المملكة بمستويات قياسية، حاولت الحكومة ملاحقة أفرادها خارج الحدود. المثال الأكثر شهرة هو القتل الوحشي للمعارض السعودي جمال خاشقجي. وقد تعرّض آخرون للترهيب والتنمّر في محاولة لإسكاتهم. لكن على الرغم من المحاولات المتزايدة لإسكات الانتقادات وأي معارضة، أصبحت شخصيات المعارضة في الخارج أكثر نشاطاً وأكثر مهارة في إسماع أصواتها – للوصول إلى الجماهير داخل المملكة. ويؤكد الدكتور سعد الفقيه، أحد المعارضين السعوديين البارزين في لندن، أن “تصرفات محمد بن سلمان حوّلت أولئك الذين كانوا في المنطقة الرمادية إلى المعارضة، وزادت من قوّة المعارضة”. يُمكن للعديد من المعارضين السعوديين المغتربين التواصل مع الشباب في المملكة من خلال ظهورهم الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي. إن الآلاف من المعارضين السعوديين يشاهدون على قنوات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تعرض نقاشات حول السياسة السعودية، ويقال إن ما يقرب من 75 في المئة من المشاهدات تأتي من داخل المملكة. ويُدرك السعوديون في المنفى أهمية الحفاظ على قنوات اتصالٍ قوية مع الجماهير المحلية.

من ناحية أخرى، أظهر إنشاء حزب التجمع الوطني أخيراً في 23 أيلول (سبتمبر) 2020 جهوداً لتوحيد المعارضة في المنفى. يعمل هذا الحزب الجديد بنشاط على الضغط ضد الحكومة السعودية مع الدول الغربية، مُعبّراً عن مخاوفه بشأن وضع حقوق الإنسان داخل المملكة. كما أنشأ نشطاء المعارضة السعودية في الخارج قنوات اتصال جيدة مع المنظمات الدولية والمؤسسات الأكاديمية ووسائل الإعلام الكبرى للتعبير عن مخاوفهم وتحدّي الخطاب الذي تُروّج له الحكومة السعودية. يعتقد معارضو النظام أن المنظمات الدولية يمكن أن تساعدهم في زيادة الضغط على الحكومة السعودية وفضح أفعالها. ويتفهّم المنشقون السعوديون هَوَس الأمير محمد بن سلمان في تلميع صورته في الخارج كقائدٍ يمكنه إحداث تغيير إيجابي في المملكة، وبالتالي يحاولون الكشف عن العديد من الإنتهاكات التي ارتكبتها حكومته في الساحة الدولية.

ومع ذلك، على الرغم من قدراتها الفردية للحفاظ على قنوات الاتصال مع الجمهور المحلي بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، فإن التحدّي الخطير الذي يواجه شخصيات المعارضة وحزب التجمع الوطني هو حشد الدعم داخل المملكة، والتأثير على السعوديين في الداخل للتعبئة حول مهمتها. وعلى الرغم من أن السعوديين في المملكة يُمكنهم الآن الوصول بسهولة إلى خطاب حزب التجمع الوطني، الذي يروّج له عددٌ من المعارضين السعوديين في الخارج والمُتوفّر على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، فإنه من الصعب قياس مستوى الدعم الشعبي لهذا الخطاب. إن قياس الشرعية المحلية لحزب التجمع الوطني يُمثّل تحدّياً بشكل خاص في عهد محمد بن سلمان، عندما لا يستطيع السعوديون إظهار أي إجابة أو موافقة على خطاب المعارضة. أيضاً، حقيقة أن هؤلاء المنشقين ليسوا داخل البلاد، وفي بعض النواحي لا يعانون من مظالم الناس اليومية، يجعل خطابهم أقل جاذبية لكثيرين.

في حين أن المُعارضين السعوديين في الخارج قد لا يحققون التغييرات المرجوة داخل مملكة محمد بن سلمان بشكل مباشر، فإن قدرتهم المتزايدة على الضغط دولياً من أجل قضيتهم وإنشاء منصّة مُوحَّدة مثل حزب التجمع الوطني تخلق فرصةً لإنشاء قنوات رسمية مع المنظمات الدولية، وربما الحكومات. هذه النخبة من المُنشقّين السعوديين لديها فرصة واضحة للتعبير عن مخاوف الناس داخل المملكة على المسرح الدولي. وبينما لا ينبغي المبالغة في دور إدارة جو بايدن المقبلة في هذا الصدد، فمن المرجح أن يغتنم المعارضون السعوديون، الذين يقيم بعضهم في الولايات المتحدة، هذه الفرصة للضغط على الإدارة الأميركية الجديدة لرسم خطوط حمراء واضحة للحكومة السعودية. ومع ذلك، في الوقت الحالي، يواجه هؤلاء المنشقون تحديات كبيرة لحشد الشعب السعودي داخل المملكة حول قضيتهم.

  • نبيل نويرة هو مُحلل يمني مستقل يُركز على السياسة والعوامل الجيوسياسة لدول مجلس التعاون الخليجي واليمن. يمكن متابعته عبر تويترعلى: @NabeelNowairah.
  • هذا المقال يخص ويُمثّل كاتبه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى