حين يعيش شعبٌ على العدّادات… توقّعوا الأسوأ

بقلم البروفسور بيار الخوري*

بلدٌ يعيشُ على العدادات…

عدّادُ الإصابات اليومية بكورونا في لبنان والعالم ليس استثناءً.

تعالوا نحصي معاً تلك العدّادات القاتلة:

عدّادُ الموت جرّاء كورونا، وهو مُنفصلٌ عن عدّاد الوباء؛

عدّادُ عدد أسِرّة المستشفيات المُتَوَفِّرة وآخرٌ لغرف العناية الفائقة وأجهزة التنفس؛

عدّادُ الأدوية المقطوعة بكافة أنواعها؛

عدّادُ عدد مرّات الإقفال بسبب كورونا، وعدّاد الفشل في وقف تمدّد كورونا؛

عدّادُ تصريحات تحويل المسؤولية الى الشعب ” الغبي” بتمدّد كورونا؛

عدّادُ هجرة العائلات والشباب والكفاءات خصوصاً في قطاعَي الصحة والتعليم العالي؛

عدّادَان مُستجدّان هما سعر المحروقات الذي ارتفع 14% “على السكت”، وعدّاد ربطة الخبز التي ارتفع ثمنها 50% بين المزح والجد؛

عدّادُ التضخّم وارتفاع الأسعار المُؤسَّس على قانون القلّة وتفلّت طَمَع المُحتكرين؛

عدّادُ سعر صرف الدولار في السوق السوداء الذي يقترب رويداً رويداً من المستوى التاريخي الأعلى عند 10,000 ليرة على وقع تطور العدّادات الأخرى؛

عدّادُ الجريمة المُنظَّمة التي تتنامى كل يوم وبطرقٍ مُصوَّرة تُعرَضُ على وسائل التواصل الإجتماعي بشكل يومي، ويشاهدها الجميع إلا…المخافر؛

عدّادُ لقاءات بعبدا المُرجّح أن تُستأنف عاجلاً ام آجلاً معطوفاً على عدد الأيام بلا حكومة؛

عدّادُ الأيام المُتبَقّية للرئيس دونالد ترامب في البيت الابيض، والسباق بين تلك الأيام وعزل الرئيس ومخاوف جنون اللحظة الأخيرة الذي يُرجّح أن لا يستثني لبنان فعل او ردّ فعل.

لا ننسى أن اللبنانيين أساساً قد عانوا على مدى 45 عاماً من الخوف من العدّاد. ليس في تاريخنا المذكور تكرار ايجابي للرقم، بل إن الرقم بحد ذاته هو “كليشيه” سلبي: 15 عاماً من الحرب، 30 عاماً من التهوّر المالي، 70 عاماً على مأساة فلسطين، وأرقام الدين العام التي تقفز سنة بعد سنة، وقس على ذلك… لا نعرف شيئاً عن 20 عاماً من الإنجازات” مثلاً.

تدعو الأرقام الناس واللبنانيين للتشاؤم أو الخوف من أرقامٍ مُعيّنة (كرقم 13، خصوصاً 13 نيسان و13 تشرين) او سنوات مُعيّنة كسنة 2000 أو 2020.

اللبنانيون جميعاً يُعانون اليوم من الأريثموفوبيا، وهو رهاب الأرقام. لا يرغب الناس سماع أي رقمٍ جديد، فتاريخهم مليء بالأرقام غير المُفرِحة التي زادت كورونا في رهابها رهاباً. لدى جائحة كورونا رهابٌ خاص معروف بالرهاب التاجي، ولكن سلوك اللبنانيين يشي بأن الأريثموفوبيا هي أكثر قوة في نظام ردود الأفعال عند اللبنانيين. حين يستمر الأب في القول لابنه أنّه فاشل في الرياضيات، سيتحوّل الولد الى فاشل في كل شيء، وكنوع من الدفاع عن الذات يفتخر بعدم فهمه للأرقام.

هل مرَّ يومٌ منذ بداية الأزمة في لبنان إلّا وطالعتنا وسائل الإعلام والمسؤولون عن السياسات العامة بتوبيخات نارية للشعب اللبناني “المستهتر” و”الغبي” و”البهيم”، وهذه تعابير سمعناها تكراراً وبشكل يومي. إن هذا السلوك التوبيخي يزيد من رهاب الأرقام لأن هذا الرهاب يؤدي الى الإنفصال عن الواقع، والشعور بالتخدّر، أو الإرتباك، أو عدم القدرة على فهم نظامه السلوكي.

يُمكِن ان يُفَسَّر ذلك (رُغم حاجته إلى التدقيق العلمي) السلوك المُتفلِّت للبنانيين في التعامل مع تفشّي كورونا. قد يكون هذا التعامل تعبيراً عن اضطرابات سلوكية جماعية. وقد يكون الشعب اللبناني قد بلغ مستوىً جذرياً من الإنفصال عن الإدراك الإجتماعي للأحداث والسلوكيات.

لا أتوقّع أن ينضبط المواطنين استجابة لسياسة الحجر، فالمشكلة أكبر من فكرة الإلتزام/التفلت.

بعد فترة ما سترحل كورونا (أقلّه نأمل ذلك)، لكن تحالف الرهاب الجماعي مع شعور ما بعد الصدمة لدى اللبنانيين يُنذر بخطرٍ عظيم.

  • البروفسور بيار الخوري هو أكاديمي لبناني وكاتب في الإقتصاد السياسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى