فشل تمرّد ترامب وانتصرت الديموقراطية الأميركية

بقلم كابي طبراني*

إذا كانت الأحداث التي جرت في واشنطن، يوم الأربعاء الفائت، قد أظهرت شيئاً واحداً، فهو أن الكلمات لها قوة وتأثير. لقد استخدمها دونالد ترامب لتحريض الغوغاء، ثم هاجم هؤلاء الرعاع مبنى الكابيتول الأميركي لتعطيل عملية تصديق مجلسَي الكونغرس على نتائج الإنتخابات الرئاسية التي كانت تجري هناك. هذا التحريض من قبل ترامب – والمُتحدِّثين الذين سبقوه وتبعوه في تجمّعٍ حاشدٍ لأنصاره في وقت سابق من ذلك الأربعاء – لم يكن محجوباً، بل كان علنياً وواضحاً.

جاء ذلك بعد شهور من التحريض المُماثل، وحملة مُنَسَّقة من الأكاذيب والافتراءات التي سعت إلى استبدال حقيقة هزيمة ترامب بأوهام محمومة بالنصر المسروق. مع ترسيخ هذه التخيّلات بين القاعدة السياسية لترامب، تحوّل الإنزعاج الأوّلي المُحرِج الذي شعر به داعمو ترامب الجمهوريون في الكونغرس تدريجاً. سرعان ما أصبح ما بدأ كتساهلٍ مع الأنا الهشّة لترامب ونرجسيته إحتضاناً صادقاً لمحاولته قلب إرادة الشعب الأميركي والقوانين التي تحكم انتخاباته.

ما حدث هذا الأسبوع يُمثّل النتيجة المُحزنة والمُتَوَقَّعة لتلك الحملة. ولأن الكلمات لها قوة وتأثير، فمن المهم أن نُطلق على ما جرى الإسم الصحيح: تمرّد. بتعبير أدقّ، وأهم من ذلك كله، إنه تمرّد ترامب، فهو المسؤول عن تأجيجه وتوجيهه.

ولكن لأن الكلمات لها قوة وتأثير، فمن المهم أيضاً، عند إتخاذ الإجراء المناسب لما حدث يوم الأربعاء، عدم إعطاء تلك الأحداث معنى وقوة أكثر مما تستحق. لا شك أن اقتحام الغوغاء مبنى الكابيتول هو أمرٌ صادم ومُحرِج للغاية بالنسبة إلى غالبية الأميركيين.

لكن الرعاع الذين فعلوا ذلك يوم الأربعاء كانوا ضعفاء في الأساس. كان من الممكن، ويجب أن يكون، من السهل صدّهم من قبل شرطة الكابيتول. لقد أدى الفشل في القيام بذلك إلى تحويل ما بدا في البداية وكأنه تمثيلية كوميدية حيّة في “المول الوطني” (National Mall) إلى مشهد صادم احتل عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك، على الرغم من أن أعمال الغوغاء كانت تمرّداً، إلا أنها كانت قادرة على تحقيق شيئين فقط: التعطيل والتدنيس. كان الاضطراب قصير الأمد، ولم يستطع منع أعضاء الكونغرس من المصادقة على نتائج الانتخابات، ولن يمنع نقل السلطة إلى الرئيس المُنتَخب جو بايدن.

إن نية التدنيس وانتهاك الأعراف – كما يتجلّى في الصور التذكارية التي أخذها المتمرّدون لأنفسهم في قاعة مجلس الشيوخ وفي مختلف مكاتب الكونغرس، بالإضافة إلى التخريب والنهب اللذين قاموا بهما – ربما كان مُقلقاً، إن لم يكن أكثر من ذلك.

هنا، من المهم أن نتذكّر أن التدنيس، على الرغم من جرحه العميق، يُمكن أن يكون مُفيداً وبنّاءً أيضاً، إذا دفعت أميركا إلى إعادة التأكيد على قيمة وأهمية ما تمّ تدنيسه. وذلك لأن المذابح والمعابد ليست سوى صروح مادية، فإذا تم استثمارها بمعنى مقدس، فهذا يكون من خلال التأثير المتصاعد للمكاتب والطقوس التي تحدث داخلها. لكن من الخطأ الخلط بين أبّهة وظروف الإحتفال لما هو مُقدَّس في ذلك الإحتفال.

يمكن إعادة تكريس مبنى الكابيتول وستتم إعادة تكريسه من خلال وظيفة الإدارة الجمهورية وبعدها الديموقراطية. الواقع أنه عند انعقاد الجلسة المُشتركة مُجدّداً لفرز أصوات الهيئة الانتخابية رسمياً بعد الإضطراب، إتّخذ الكونغرس بالفعل الخطوة الأولى للقيام بذلك.

على الرغم من أن الغوغاء كان قادراً على التجوّل وتخريب قاعات وجدران مبنى الكابيتول، إلّا أنه كان وما زال غير مُهم لتهديد الجمهورية التي يرمز إليها المبنى. لا يمكن قول الشيء عينه لمَن غذّوا مظالم الغوغاء وحرضوه على العمل. إذا كان المُتمرّدون الذين اقتحموا مبنى الكابيتول سيُحاسَبون على القوانين التي انتهكوها، كما يجب أن يكون، فإن كل الممثلين المُنتَخَبين الذين حرّضوهم وشجّعوهم على القيام بذلك يجب أن يُحاسبوا كذلك – بدءاً من ترامب، الذي يجب إقالته من منصبه على الفور.

إن القول بأن الديموقراطية الأميركية يُمكنها الصمود وسوف تصمد أمام هذه المحاولة لتخريبها لا يعني تجاهل التهديدات التي تواجهها. ومن خلال الإعتراف بأن الديموقراطية الأميركية ليست مُعرَّضة للخطر، فإنه يتعيّن على المدافعين عنها أيضاً أن يدركوا أنها لم تعد معصومة من الخطأ الآن، ولم تكن كذلك. بالنسبة إلى الجزء الأكبر من تاريخ أميركا، استبعدت ديموقراطيتها أميركيين كثراً بقدر ما مثّلتهم.

لكن ذلك التاريخ هو أيضاً تاريخٌ من التحسين المستمر والإنصاف والتقدّم الذي، على الرغم من التفاوت والبطء الشديد وغير الكافي أبداً، فقد قدّم لكل جيل من الأميركيين تمثيلاً أكبر وأكثر شمولاً مما قدمه لأولئك الذين جاؤوا من قبل.

الأهم من ذلك، أثبتت الديموقراطية الأميركية دائماً أنها مَرنة. لكنها ستبقى كذلك فقط إذا كان هناك عددٌ كافٍ من الناس الذين يعتقدون أنه على الرغم من كل نقائصها وعيوبها الحقيقية، فإنها تستحق ليس فقط الدفاع عنها، ولكن أيضاً تحسينها. تُشير نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، بالإضافة إلى اكتساح الديموقراطيين لجولات الإعادة في مجلس الشيوخ في جورجيا التي أجريت هذا الأسبوع أيضاً، إلى أن هذا هو الحال.

بقدر ما كانت أحداث الأربعاء صادمة، يجب الإعتراف بها لما تمثّله حقاً: المحاولة الأخيرة اليائسة من قبل ترامب وغوغائه، خارج الكونغرس وداخله، لاستبدال الواقع بالخيال.

الكلمات لها قوة وتأثير. لقد فشل تمرّد ترامب، لكن الديموقراطية الأميركية صمدت ولم تفشل.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير “أسواق العرب”. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى