فلتتحقق العدالة: ينبغي احترام حقوق ملكية المرأة للأرض في العالم العربي

التمييز ضد النساء بالنسبة إلى ملكية الموارد له آثار بعيدة المدى في حياتهن وأسرهن ومجتمعهن. لا بدّ من محاربة هذه الممارسة الرجعية لضمان حياة كريمة للجميع.

المرأة في العالم العربي: تزرع ولا تملك!

بقلم أمل قنديل*

تُعَدُّ مُلكية الموارد الإقتصادية جزءاً لا يتجزّأ من الممارسة الفاعلة وضمان الأمن البشري اللازم للعيش في مأمن من الخوف والعوز والإهانة. في المجتمعات الزراعية، تُعتَبر الأرض ومواردها الطبيعية وسيلة للرفاهية المالية والجسدية والنفسية. ومع ذلك، في نصف العالم، تُعتبر ملكية الأراضي الآمنة بعيدة المنال بالنسبة إلى معظم النساء. في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، هناك فجوة كبيرة بين الجنسين في حيازة الأراضي الزراعية، بما فيها حيث الزراعة هي مصدر حيوي لكسب العيش. في مصر والمغرب والسودان وتونس والأردن، فإن معظم النساء، بغض النظر عن تعليمهن أو وضعهن الاجتماعي والاقتصادي، لا يملكن أرضاً. غالباً ما تكون عدم المساواة بين الجنسين مُتجَذِّرة في الأعراف الثقافية التي تسمح وتؤدي إلى تفاقم أنماط التمييز ضد المرأة داخل الأسرة وفي المعاملات الاقتصادية. هذه المواقف التمييزية تتفوّق على الإعتبارات الإنسانية والأخلاقية، وتخلق وتُعزّز عدم المساواة. إن التمييز ضد النساء بالنسبة إلى ملكية الموارد له آثار بعيدة المدى في حياتهن وأُسَرهنّ ومجتمعهن. لا بد من محاربة هذه الممارسة الرجعية لضمان حياة كريمة للجميع.

ملكية الإناث للأراضي في المنطقة

الزراعة هي مصدرٌ أساس لكسب الرزق لملايين الناس، وخصوصاً النساء، في مصر والسودان والمغرب وتونس. يعيش أكثر من نصف السكان في مصر في الريف. كما يقطن ثلثا سكان السودان وثلث سكان كلّ من المغرب وتونس في المناطق الريفية. وتدرّ الزراعة حوالي عُشر الناتج المحلي الإجمالي في مصر والمغرب وتونس وثلثي الناتج المحلي الإجمالي في السودان. ويعمل في الزراعة ثلث النساء العاملات في مصر، وأكثر من النصف في المغرب والسودان، والعُشر في تونس.

في هذه البلدان، تُؤمّن ملكية الأراضي الدخل والغذاء والمأوى والوصول إلى القروض. إن تأمين هذه الموارد يدعم نتائج صحية وتعليمية أفضل ويُحسّن الأمن البشري. ومع ذلك، فإن الغالبية في هذه البلدان – نصف السكان – لا تملك أرضاً. في مصر، إحدى أقدم الدول الزراعية في العالم، تشكل النساء حوالي 5 في المئة فقط من جميع مُلّاك الأراضي الزراعية. في المغرب وتونس والأردن، تبلغ نسبة النساء 4.4 و6.4 و3.4 في المئة فقط من إجمالي مُلّاك الأراضي، على التوالي. بل إن نسبة الإناث من مُلّاك الأراضي أقل، لأن المُلكية ليست سوى شكل واحد من أشكال حيازة الأرض.

في هذه البلدان، تعمل ملايين النساء في الأراضي الزراعية. ومع ذلك، وكما يشير معدل انعدام ملكية الأرض بين النساء، فإنهن يعملن في أرض ليست ملكهن. بدلاً، يتم توظيفهن عادةً كعمالة موسمية بدون دخل ثابت. إن الأمن البشري يتعرّض لخطرٍ شديد في ظل ترتيبات العمل غير الرسمية هذه.

من دون الوصول إلى أراضٍ مملوكة، تكون ملايين النساء أقل قدرة على تأمين سُبُل عيشهن بشكل مستقل. ونتيجة لذلك، قد يقع العديد منهن في براثن الفقر وانعدام الأمن.

إن غالبية فقراء العالم هي في الواقع من النساء، ويعيش معظمهن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضاً في المناطق الريفية. في مصر والمغرب، يؤثر الفقر في النساء أكثر من الرجال. بالإضافة إلى ذلك، يعيش ثلثا الفقراء في مصر وما يقرب من أربعة أخماس في المغرب في المناطق الريفية. في السودان، ينتشر الفقر في المناطق الريفية أكثر بثلاث مرات منه في المناطق الحضرية.

الهروب من الفقر، في بلدانٍ مثل مصر والمغرب والسودان، من دون الوصول إلى أصول الموارد الطبيعية أمراً صعباً للغاية بسبب دورها المركزي في الاقتصادات الريفية. إن النساء على وجه الخصوص هن الأقل قدرة على الوصول إلى مصادر بديلة لكسب الرزق بسبب المعايير التقييدية الأخرى القائمة على الجنس والممارسات التمييزية، ونقص خيارات العمل الريفية المناسبة، ومسؤوليات رعاية الطفل أو رعاية الأسرة. بالنسبة إلى العديد من النساء، ولا سيما ذوات الدخل المنخفض منهن والريفيات، تُشكّل الأمّية عقبة أخرى أمام تأمين سُبُل عَيشٍ مُستقلّة. في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن فجوة معرفة القراءة والكتابة القائمة على الجنس (ذكر أم أنثى) هي الأوسع في المغرب، ومُعدّل الإلمام بالقراءة والكتابة الإجمالي للإناث هو الأدنى في السودان. وكان من نتائج ذلك انخفاض شديد في معدل المشاركة في القوى العاملة بين النساء – وهو أحد مقاييس افتقار المرأة إلى الوصول إلى مصادر دخل مستقلة. عندما تكون ملكية الأراضي محمية في الواقع، فإنها تُوفّر حاجزاً ضد الفقر وانعدام الأمن.

الواقع أن التمييز ضد المرأة الذي يحرمها من حقوق ملكية الأرض يمنع الملايين من تحقيق نتائج إيجابية في الحياة. إن تضاؤل وكالة المرأة وأمنها يزيد من تعرضها للإستغلال. في أكثر أشكاله تطرفاً، يُوَفِّرُ الضعف ظروفاً مواتية للإتجار بالبشر، ومعظم ضحاياه من النساء. إن الفقر والتهميش والمعايير التمييزية القائمة على الجنس تُعَدُّ مزيجاً ساماً يجرّ النساء وأسرهن ومجتمعاتهن إلى الأسفل. إنه يُقيّدهم جميعاً ويحرمهم من فرص التقدّم والتطور البشري.

إن المبادئ الإسلامية، وهي مصدر الفقه والتشريع في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تدعم حقوق الأرض للنساء والأطفال والأقليات والفئات الأخرى التي يُحتمل أن تكون مُهمَّشة. في مصر والمغرب والأردن ودول عربية أخرى، تُكرّس قوانين الدولة حقوق الملكية للمرأة. لكن ما يحدث على الأرض مُختلفٌ.

في الممارسة العملية، ملكية الإناث للأرض ليست محدودة فحسب، بل هي أيضاً غير مستقرة. غالباً ما تتغاضى الأعراف المُجتمعية عن حرمان النساء من الأراضي والممتلكات الأخرى، ما يؤدي إلى انتهاكات سرّية أو علنية لحقوقهن. يجوز للرجال إجبار النساء على التنازل عن أرضهن أو ممتلكات أخرى، أو حيازتها والتصرف بها من دون علمهن. يحدث هذا غالباً بموافقة قريبات أخريات، خصوصاً إذا كن أُمّيات أو يفتقرن إلى الفهم الكامل للحقوق القانونية، أو إذا كانت القواعد التمييزية عميقة الجذور لدرجة أنه من العبث أو الخطير التنديد بها.

تسجيل الأرض: من عقبة إلى حل

يُعدُّ تسجيل العقارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عملية صعبة بشكل عام. وتُضاعف إجراءاته الشاقة والمُكلفة التحدّيات التي تواجهها النساء، لا سيما الفقيرات والأمّيات منهن، عند محاولتهن الحصول على سندات ملكية. في ظل هذه الظروف، يُمكن للممارسات المُجتمعية التمييزية أن تُجرّد النساء بسهولة من أرضهن، ومعها، وكالتهن وآفاقهن وحلمهن حتى بأمنٍ مالي متواضع.

عندما تتفوّق المعايير الثقافية على القوانين المعمول بها وتضرّ بملايين النساء من خلال تجريدهن من ممتلكاتهن، يصبح التدخّل الحكيم في السياسة العامة ضرورياً. يجب أن تعترف هذه التدخلات بالممارسات التي تُجرّد المرأة كشكل من أشكال الإنتهاك الإقتصادي والفساد وتستهدف نقاط الضعف في الأنظمة القائمة. يتمثّل جزءٌ من الحل في تطوير سجل للأراضي يمكن الوصول إليه على نطاق واسع يُمكنه تخزين المعلومات حول حقوق الأراضي والمعاملات. يمكن أن يؤثر هذا بشكل إيجابي في حياة الملايين.

أشكال الإنتهاك الاقتصادي التي، في ازدراء للنقاط المرجعية القانونية، تُجرّد النساء من حقوقهن يمكن أن يتم استباقها من خلال سجل الأراضي الذي من شأنه أن يجعل حقوق ملكية الأراضي والملكية أكثر شفافية. يمكن لسجلات الملكية الخاصة التي ينبغي الوصول إليها على نطاق واسع، والتي يتم فيها الاحتفاظ بسجلات مفتوحة لجميع المعاملات ويمكن استردادها بسرعة، تأمين الحقوق بشكل أفضل. مع معاملات يسهل اكتشافها وتعقّبها، تكون الأنشطة الاحتيالية أكثر خطورة. وقد تم تطوير أشكال مختلفة من هذه الأنظمة في بلدان متنوعة مثل كندا – موطن أول سجل عام إلكتروني في العالم- كما في موريشيوس والهند.

يمكن إدخال سجل عام إلكتروني من خلال المكاتب الحكومية المتخصصة. ينبغي أن يكون هذا النظام لامركزياً ومُتاحاً للجمهور بشكل مفتوح مع تطوير وتحسين البنية التحتية اللازمة. كما يجب تبسيط عملية التسجيل لتكون شاملة. وعلى الدول ممارسة المراقبة وإجراء العناية الواجبة الواسعة النطاق لتجنّب إضفاء الشرعية على ممتلكات مملوكة بشكل غير قانوني. ويجب مراجعة السجلات الإلكترونية بانتظام لمنع العبث والإحتيال.

ستُحقّق حماية حقوق جميع المواطنين في تأمين الأراضي وغيرها من الممتلكات فوائد هائلة، بما فيها الحد من الفقر في المناطق الريفية وبين النساء، وعلاقات أكثر عدلاً بين الجنسين، وازدهار أشمل، وتنمية مستدامة أوسع. هذه النتائج الصحّية من شأنها أن تشفي المجتمعات وتدفع البلدان إلى الأمام.

  • أمل قنديل هي باحثة وخبيرة تُقدّم المشورة للحكومات والكيانات الدولية والخاصة حول السياسة الاقتصادية والعامة. ركز عملها على الاقتصاد السياسي والتنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولا سيما على العلاقة بين أمن موارد المياه العذبة، وتغير المناخ ، والأمن الغذائي، والتنمية الزراعية / الريفية المُستدامة، فضلاً عن دور المرأة في التنمية. وهي أيضاً كاتبة في هذه القضايا في مجلس الأطلسي. عملت سابقاً كمستشارة سياسية لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بشأن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. الآراء الواردة في هذا المقال هي خاصة بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى