جردة حساب لبنانية مع العام 2020

بقلم سليم سعيد مهنّا*

تعوّدنا أن نرى السلبيات في حياتنا ونُهمل الإيجابيات منها، حتى أصبح الامتعاض الدائم سمة حياتنا وأسلوب عيشنا، ننظر دائماً إلى المتاعب والمصاعب ونغرق في تفاصيلها ولا نرى من الحياة إلا جانبها المُظلم

هكذا مرّ العام 2020، وأكاد أجزم أن هكذا سيمرّ العام 2021 أيضاً، ما لم نُغيِّر ما في نفوسنا وأفكارنا من يأسٍ وخوفٍ وتذمّر، وما لم نُبدّل نظرتنا للحياة الى نظرة إيجابية نتلمّس بين ثنايا كل أزمة فيها فرصة للتقدّم والعمل والإنتاج.

عام الكورونا والتظاهرات والتجاذبات السياسية والحروب والانفجارات يطوي آخر صفحاته، ويرحل غير مأسوف عليه لدى معظم اللبنانيين، ولكن مهلاً أيها اللبنانيون دعونا ننظر الى الجوانب الإيجابية لهذا العام إنصافاً للحق ولعدالة الله التي لا تتوقف.

فعلى الصعيد السياسي تَكَشّفَ للقاصي والداني هشاشة نظامنا السياسي، وهبطت أسهم زعماء الطوائف ونظامهم الطائفي المقيت، تلك كانت أولى وأبرز بركات العام 2020 .

وعلى الصعيد الإقتصادي فعلى الرغم من انهيار سعر صرف الليرة فإن انتعاشاً مُحتمَلاً بدأ بعض ملامحه يلوح في أفق القطاع السياحي وقطاعَي الصناعة والزراعة ومعظم قطاعات المهن الحرة، لا سيما الحرفية واليدوية منها، بعد أن تسبب سعر الصرف المُرتفع وغير الواقعي لليرة بإحداث خللٍ بنيوي مُزمن في اقتصادنا، وفقدت السياحة قوّة جذبها، وتحوّل البلد من الإنتاج الى الاستيراد بشكل شبه كلي.

أما على الصعيد المالي فقد أوقف العام 2020 مسيرة تراكم الدين العام وتمويل عجز الموازنة العامة على حساب ودائع الناس في المصارف، وانتهت إلى غير رجعة سياسات التعمية عن الواقع المالي للدولة، وجرى الإقرار بعجز السياسات المُتعاقبة وفشلها، وبدأ البحث الجدّي في إيجاد الحلول وطلب الدعم من الجهات القادرة على المساعدة.

أما اجتماعياً، فإن فضائل العام المنصرم قد لا تنتهي إلى أجل طويل، بالنظر لما أحدثه من تغييرات في أنماط حياتنا التي تحوّلت مع الاستقرار الخادع لسعر صرف الليرة نحو الاستهلاك المُفرِط والبذخ، والتوجّه نحو طلب الوظائف الإدارية المُريحة، والإعتماد الكبير على اليد العاملة الأجنبية، وإهمال الأراضي الزراعية، واندثار الصناعة المحلية التي فقدت قدرتها على منافسة السلع المستَوردة بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج المحلي.

عامٌ مضى وستمضي أعوام أخرى “ولا يُغيّر الله ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم”. لقد طال انتظارنا عبثاً لخلاصٍ يأتي من الخارج، والحقيقة أن خلاصنا رهن عملنا وإرادتنا، فلننظر إلى امكاناتنا وعوامل قوّتنا بأمل واعتزاز، ولننظر إلى تجارب الشعوب ونستقي منها ما هو خيرٌ لنا وللأجيال المقبلة كي يكون لنا شرف الإنتماء لهذه البلاد العظيمة.

  • سليم سعيد مهنا هو مصرفي وخبير إقتصادي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى