يغيب قمَرُ الميلاد فتُشرق شمسُ اللوحة

بقلم هنري زغيب*

ليس الميلاد يومًا ينقضي بل زمنٌ يمتَدّ. وفي الامتداد بين غروبه وشُروق السنة الجديدة، تبقى أَصداؤُه ساطعةَ الملامح.

إِذا كانت تقاليدُه الآنيّة تمضي مع انقضائه، فليس أَنقى من الفن يُبْقيها في ذاكرة الزمن.

من روائع الأَعمال التشكيلية حول الميلاد أَختارُ اليوم باقةً بريشات كبارٍ خالدين.

الاكتتاب في بيت لحم

هي لوحة لافتة للرسام والحفَّار الهولنديّ ﭘـيتر بْرُوغِل (1525-1569) وضعَها سنة 1566 مستوحيًا الإِصحاحَ الثاني في إِنجيل لوقا: “… في تلك الأَيام صدَر أَمر أُغُسطس قيصر بالاكتتاب (إِحصاء سكاني) فتَوجَّه الجميعُ ليُكتَتَبوا كلٌّ في مدينته. غادر يوسف مدينةَ الناصرة في الجليل وصعد إِلى بيت لحم في اليهودية، ومعه مريم امرأَتُه المخطوبة وهي حبلى. وفيما هما هناك تـمَّت أَيامُها لتَلِد، فوَلَدت ابنها البكر في مذودٍ إِذ لم يجِدَا موضعًا في فندق ولا كان لهما مبيتٌ في منزل”. استوحى بْروغِل للَّوحة مدينته الفلمنكية بْريدا تحت الثلج، راسمًا مريم على حمارٍ يرافقه ثور، ويوسف خلفها حاملًا منشار النجار، وهما واقفان في صف طويل ينتظران دورهما في الاكتتاب.

اللوحة اليوم موجودة في المتحف الملكي للفنون (بروكسل).

جيوڤـاني أَنجيليكو: “بشارة مريم”

بشارةُ مريم

لوحة للرسام الإِيطالي الراهب جيوڤـاني أَنجيليكو (1400-1455). وضعها سنة 1446 وكان معروفًا بـ”رسَّام الملائكة” أَو “الأَخ جيوڤـاني الملائكي”. وهي – بما فيها من نور مُشرقٍ ومدى محيط – نقْلة واضحة بين الفن القوطي ومطلع عصر النهضة في إِيطاليا القرن الخامس عشر. فللمرة الأُولى تظهر مريم في مشهد خارجي مع الملاك جبريل، جاء يبشِّرُها بأَنْ ستكون أُمَّ المسيح، وهو موضوع عالجه كثيرون سواه من الرسامين الفلورنسيين.

اللوحة اليوم موجودة في متحف دير القديس مرقس (فلورنسا).

فدريكو باروكِّي: “الميلاد”

الميلاد

لوحة للرسام الإِيطالي فِدِريكو باروكِّي (1535-1612) وكان في عصره من أَشهر فناني النهضة التشكيلية الإِيطالية. فيها مريم جاثيةٌ أَمام الرب الوليد، مع تأَثُّر واضحِ العلاقة بين الأُمّ والطفل. وكانت أَعمال باروكّي بداية المرحلة التي، بين نهاية القرن السادس عشر ومطالع القرن السابع عشر، مهَّدت الانتقال إِلى الفن الباروكيّ اللاحق.

اللوحة اليوم في متحف ﭘْـرادو (مدريد).

كلود مونيه:”ثلج في أَرجانْتُوْي”

ثلج في أَرجانْتُوْيْ Argenteuil

لوحة للرسام الفرنسي كلود مونيه (1840-1926) وهو رائد الانطباعية التي طبَع بها عصره. ليس في هذه اللوحة إِيحاء للميلاد طقوسًا، إِنما جَوُّها ميلاديّ، على جادة عند ضفة نهر السين يغمرُها الثلج، كما تَدرُج عادةً لوحاتُ الميلاد أَو صُوَرُه أَو طُقوسُه. وكان مونيه انتقل إِلى أَرجانْتُوْي سنة 1871 ووضع هذه اللوحة سنة 1875 مع تشكيلةٍ أُخرى من اللوحات، بينها مجموعةٌ رسمها وهو على متن ركبٍ جعل فيه محترفه كي يرسم وهو يتنقل وسط مياه النهر.

اللوحة اليوم موجودة في “ناشيونال غالري” (لندن).

ساندرو بُوتيتْشلِّي: “الميلاد الروحاني”

الميلاد الروحاني

لوحة للرسام الفلورنسي ساندرو بُوتيتْشلِّي (1445-1510)، أَحد أَبرز رسامي عصر النهضة الإِيطالية خصوصًا وتاريخ الفن بشكل عام. وهذه اللوحة هي الوحيدة التي وقَّعها بُوتيتْشلِّي باسمه وأَرَّخها (سنة 1500)، فحياته كانت غامضةً وبقيَت لغزًا كبيرًا. وعن مؤَرِّخي الفن الإِيطالي أَن هذه اللوحة هي آخر ما رسم بُوتيتْشلِّي قبل أَن يتوقَّف عن الرسم فترةً طويلة انتهت بوفاته.

اللوحة اليوم موجودة في “ناشيونال غالري (لندن).

أَنطونيو كوريجيو: “زيارة الرعاة”

زيارة الرعاة

لوحة للرسام الإِيطالي أَنطونيو كوريجيو (1489 – 1534) أَبرز فناني مدرسة ﭘـارما للرسم. وضع هذه اللوحة سنة 1539، وتتميز بانتشار العتمة في جوانبها لإِبراز سُطوع النور على الطفل يسوع دون الأَشخاص المحيطين، وفوقهم موجات غيوم تنبثق منها الملائكة (كما في قبَّة كاتدرائية ﭘـارما). هي أَشهر أَعماله، وأَكثرها تقليدًا من فنانين لاحقين.

اللوحة اليوم موجودة في متحف دْرِسْدِن (أَلمانيا).

دومينيكو غيرلانديو: “زيارة المجوس”

زيارة المجوس

لوحة للرسام الفلورنسي دومينيكو غيرلاندِيُو (1448-1494) أَحد روَّاد المدرسة الفلورنسية. وضعها سنة 1488، وهي اليوم في متحف فلورنسا.

ﭘـيتر روبنس: “زيارة المجوس”

زيارة المجوس

لوحة أُخرى في الموضوع ذاته للرسام البلجيكي بيتر روبنز (1577- 1640) وضعها سنة 1617. تتميَّز بأَنها تَنزع طابع القداسة عن زيارة المجوس تعبُّدًا الطفلَ يسوع. لذا رسم مريم إِلى مذود القش ممسكةً بالطفل، ويسوع واضعًا يده على رأْس مجوسيٍّ حاسرٍ راكعٍ يقبِّل قَدَم الطفل، فيما النور يهل على الإِصطبل من الجهة اليُسرى، ويبدو المجوس في ثياب فخمة عربية الطراز، حولهم خدام يحملون هدايا المجوس ووراءَهم جنود.

اللوحة اليوم موجودة لدى متحف الفنون الجميلة الفرنسي (لِيُون). وكان روبنز وضع لها 15 نسخة مشابهة، بينها نسخة لدى المتحف الملَكي البلجيكي للفنون الجميلة (أَنـڤِـرْس).

… وتبقى اللوحة بلا غياب

هكذا إِذًا: تغيب شمس الميلاد، وينقضي زمنُه مع العام الجديد، لكن أَصداءَه تبقى ساطعةَ الملامح في لوحات رائعة تُبقي المناسبة، لا لِذاتِ يومٍ من العام، بل باقيةً طوال العام نابضة الخلود في ذاكرة الزمن.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا المقال في “أَسواق العرب” تَوَازيًا مع صُدُوره في موقع “النهار العربي” من صحيفة “النهار” – بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى