سلطنة عُمان تتحرّك ديبلوماسياً في سوريا على إيقاعِ قانون قيصر الأميركي

يُمكن لنفوذ سلطنة عُمان المُتنامي في سوريا أن يجعلها لاعباً ديبلوماسياً ذا أهمية متزايدة هناك، على الرغم من أنه ينبغي عليها أن تسير وتخطو بحذر بسبب  قانون قيصر الأميركي.

الرئيس السوري بشار الأسد يتسلم أوراق اعتماد السفير العُماني تركي محمود البوسعيدي

بقلم جيورجيو كافيرو وبريت سوديتيك*

إتَّبَعَت سلطنة عُمان دائماً استراتيجيةً تعتمد الحفاظ على علاقات ديبلوماسية مع دول الشرق الأوسط وسط فترات العزلة النسبية التي تمرّ بها هذه الدول. منذ صعود السلطان قابوس إلى العرش في العام 1970، لم تقطع مسقط علاقاتها الديبلوماسية مع أيّ دولة في العالم. وهذا جزءٌ من الروح العُمانية والشخصية الوطنية التي تؤكد على الحاجة إلى الحفاظ على حوارٍ صحّي وعلاقات ديبلوماسية مع جميع الحكومات. وتعكس مثل هذه السياسة الخارجية حياديةَ العُمانيين وواقعيةً على الساحة الدولية، وإدراكاً بأن السلطنة يُمكنها تعزيز مصالحها الأمنية على أفضل وجه من دون التعدّي على سيادة الدول الأخرى. وتُعتَبر علاقة مسقط المُستمرّة مع سوريا مثالاً بارزاً على ذلك.

منذ اندلاع الأزمة السورية قبل ما يقرب من عشر سنين، كانت عُمان العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي لم يتّخذ أي إجراءٍ ديبلوماسي فعلي ضد دمشق. لم يكن رفضُ السلطنة الإنضمام إلى دولٍ أخرى في جهودِ تغيير النظام التي تستهدف دمشق مُفاجئاً نظراً إلى التقاليد الراسخة في سياستها الخارجية. بدلاً من العمل على إسقاط الحكومة السورية، إستفادت عُمان من حيادها لدفع الأطراف المختلفة نحو تسوية ديبلوماسية في محاولة لإنهاء إراقة الدماء. الآن بعدما انتصر نظام بشار الأسد بشكل أساسي في الحرب الأهلية، تسعى عُمان، إلى جانب روسيا والإمارات العربية المتحدة، إلى دورٍ أكبر في مساعدة سوريا على إعادة اندماجها في الحظيرة الديبلوماسية العربية الأوسع وإعادة بناء بنيتها التحتية المُحطّمة. لكن القيام بذلك في الوقت الذي تفرض الولايات المتحدة عقوبات شاملة على سوريا يعني أن مسقط ستحتاج إلى الموازنة بعناية بين جهودها لكسبِ النفوذ في دمشق وعلاقاتها القوية مع واشنطن.

منذ بداية الصراع السوري، أوضحت السلطنة أنها تسعى فقط إلى أدوار إنسانية وديبلوماسية في سوريا، بدلاً من إرسال الأسلحة والدعم المادي للفصائل المُناهضة للحكومة كما فعلت قطر والمملكة العربية السعودية. لقد صاغت الدوحة والرياض مواقفهما ضد نظام الأسد على أُسسٍ أخلاقية مع إدانتهما بشدة لجرائم الحكومة السورية، بينما هدفت السياسة الخارجية العُمانية بعد العام 1970 إلى تجنّب الإجراءات أو الخطابات التي يُمكن تفسيرها على أنها تدخّلٌ في الشؤون الداخلية لدولةٍ أخرى. وبحسب ديبلوماسيين عُمانيين في واشنطن، فإن “رؤية السلطنة لحلّ الأزمة السورية تنبع من ضرورة وضع حدٍّ لإراقة الدماء والصراع المُسلّح، ولا تدّخر جُهداً للمساهمة في هذا الصدد في جميع المحافل من أجل تحقيق السلام في سوريا ووضع حدٍّ لمُعاناة الشعب السوري”. مع استئناف المزيد من الدول العربية – بما فيها البحرين والإمارات العربية المتحدة – العلاقات مع سوريا، ترى عُمان هذا الاتجاه نحو قبول شرعية الحكومة السورية على أنه إثبات وتبرير لسياستها في الحفاظ على العلاقات مع دمشق.

منذ تولّيه السلطة في كانون الثاني (يناير) 2020، سعى السلطان هيثم بن طارق آل سعيد إلى الحفاظ على نهج مسقط تجاه سوريا وحتى توسيع العلاقات معها. في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) 2020، تسلّم وليد المعلم، وزير الخارجية السوري الراحل، أوراق اعتماد سفير عُمان لدى سوريا، تركي محمود البوسعيدي، ما جعل السلطنة أول دولة خليجية تُعيد سفيرها إلى سوريا منذ العام 2011. ومن وجهة نظر مسقط، فإن هذه الخطوة تساعد على تعزيز قدرة عُمان في لعب دورٍ أكبر كجسرٍ ديبلوماسي وفاعلٍ إنساني في الدولة التي مزّقتها الحرب. بالنظر إلى خروج النظام منتصراً في الحرب الأهلية في سوريا، يسعى العُمانيون بشكل عملي إلى تحقيق مصالحهم في سوريا بناءً على قبول حقيقة أن التعامل مع النظام في دمشق ضروري للتعامل مع البلاد.

وكما أوضح المسؤولون العُمانيون، فإن هدف السلطنة هو “تحقيق السلام والإستقرار في سوريا وإفساح المجال لاتصالاتٍ مُثمرة ومُفيدة بين الأطراف بشكل مباشر، وفي نهاية المطاف بين دول المنطقة ككل، بالنظر إلى أن السلام يفيد المنطقة في النهاية”. وتعتقد القيادة العُمانية أن استعادة الإستقرار في سوريا تتطلب الحفاظ على علاقة مُثمرة مع دمشق – حتى لو كان هذا الموقف لا يتوافق مع واشنطن. ويتوافق المسؤولون العمانيون على أن “إعادة إعمار سوريا لا يمكن أن تتحقق بشكل فعال من دون حلٍّ سلمي للأزمة … ولا شك أن السلطنة سيكون لها دور في إعادة إعمار سوريا مع المجتمع الدولي عندما يتم استعادة السلام والإستقرار في سوريا”.

في غضون ذلك، ترى دمشق فوائد في الإستفادة من عُمان كشريكٍ ديبلوماسي مُحتَمَل وجسر مع دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. زار المُعلّم عُمان في آب (أغسطس) 2015 – أول رحلة له إلى دولة خليجية عربية منذ العام 2011 – في محاولة واضحة للإستفادة من الديبلوماسية العُمانية لإنهاء الصراع. على الرغم من أن التدخل العسكري الروسي الذي بدأ في أيلول (سبتمبر) 2015 عمل إلى تعزيز موقف النظام إلى حد كبير، إلّا أن زيارة المعلم سلّطت الضوء على نظرة دمشق إلى عُمان باعتبارها قناة خلفية موثوقة بين النظام وأعدائه. قد ترى سوريا أيضاً عُمان كضامنٍ مُحتَمل لقناةٍ خلفية لدول مجلس التعاون الخليجي. وبينما تفتقر روسيا وإيران، الحليفتان الرئيسيتان، حالياً إلى الوسائل المالية لمساعدة سوريا في مرحلة إعادة الإعمار، ترى دمشق أن دول الخليج الثرية مثل الإمارات والسعودية تمتلك الموارد للإستثمار في إعادة إعمار البلاد.

إن زيادة نشاط عُمان في سوريا لا يُشير فقط إلى المصالح الخاصة للسلطنة هناك، والتي تشمل فُرص الإستثمار ومناسبة لتأكيد تأثير القوة الناعمة لعُمان كجسرٍ ديبلوماسي في منطقة مُستَقطَبة، بل يشير أيضاً إلى مجموعتها الأوسع من الشراكات في الشرق الأوسط وخارجه. إن علاقات مسقط المهمة مع روسيا وإيران والإمارات العربية المتحدة – وكلّها ترحّب بدورٍ عُماني في سوريا – لها صلة بموقف الدولة الخليجية العربية تجاه سوريا. كعضو في مجلس دول التعاون الخليجي والأكثر حساسية فيه بالنسبة إلى أمن إيران ومصالحها الجيوسياسية، يجب أن يُفهم دعم عُمان المتزايد لدمشق جزئياً على الأقل في سياق علاقة مسقط الخاصة بطهران، ما يساعد على وضع السلطنة كقوة مُوازِنة في الشرق الأوسط. لأسباب عديدة – بما في ذلك الدعم العسكري الذي قدمته إيران الشاه لعُمان وسط تمرد ظفار خلال السبعينات الفائتة وحياد مسقط في الحرب الإيرانية-العراقية في الثمانينات – حافظت عُمان دائماً على سياسةٍ خارجية مستقلة تجاه طهران والتي غالباً ما تختلف عن مواقف المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى المُعادية لإيران.

ومع ذلك، قد ترفع تحركات عُمان الديبلوماسية في سوريا الأعلام الحمراء في واشنطن. يُمكن أن يُشكّل قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا الذي أصدرته الولايات المتحدة تحدّياً لعُمان في سعيها إلى المساعدة على إعادة إعمار سوريا وإعادة تنميتها وتطويرها. تفرض أقسامٌ من قانون قيصر عقوبات على الكيانات التي تستفيد من الصراع السوري من خلال الإنخراط في أنشطة إعادة الإعمار في البلاد. يُعاقب هذا القانون جميع الأطراف التي تتعامل مع الحكومة السورية أو أي قطاع من اقتصاد البلاد يكون للحكومة فيه تأثيرٌ كبير. وبهذا المعنى، فإن عُمان، مثلها مثل الإمارات والدول الأخرى التي تُعيد إقامة علاقات ديبلوماسية مع دمشق، من المرجح أن تخطو بحذر في سوريا لتجنّب انتهاك عقوبات قانون قيصر.

بالتطلع إلى المستقبل، في حين أن معظم الحكومات الغربية ليست مستعدة للتعامل مباشرة مع النظام السوري ديبلوماسياً (أو من خلال موسكو أو طهران)، يُمكن لسلطنة عُمان أن تستمر في ترسيخ نفسها كجهّة وسيطة للمشاركة بين سوريا والغرب. كدولة لا تحمل سوى القليل من العبء في علاقاتها الخارجية، يُمكن لنفوذ عُمان المُتنامي في سوريا أن يجعل السلطنة لاعباً ديبلوماسياً ذا أهمية متزايدة في عملية إعادة دمج واندماج دمشق في العالم العربي والمجتمع الدولي.

  • بريت سوديتيك هو مستشار ل”غولف ستايت أناليتيك” (Gulf State Analytics)، وهي مؤسسة استشارية للمخاطر الجيوسياسية في واشنطن. يمكن متابعة أعماله عبر تويتر على: @GulfStateAnalyt.
  • جورجيو كافيرو هو الرئيس التنفيذي ل”غولف ستايت أناليتيك” (Gulf State Analytics). يمكن متابعته عبر تويتر على: @GiorgioCafiero.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى