2020: ثلاث مئَويات جبرانية

بقلم هنري زغيب*

فيما أُنجز المرحلة الأَخيرة من كتابي الوثائقي الجديد عن جبران (600 صفحة)، طالعَتْني ثلاثةُ تواريخ لا مكان لها مفصَّلَةً في كتابي، أُسجِّلها هنا في الـ”أَزرار”، وهي مئويةٌ مثلَّثة لـجبران في 2020، هذا العام الذي يتقدَّم نحو الغَسَق.

التاريخ الأَول: مئَوية “الرابطة القلمية” بنسختها الثانية. فالأُولى في نيسان 1916 لم تُعمِّر ولم تُثْمر، أَجهضَها انشغالُ جبران والريحاني في العمل على مساعدة اللبنانيين في الوطن بنشاطهما في “لجنة إِعانة المنكوبين في سوريا وجبل لبنان”. كان الريحاني نائبَ رئيسها نجيب كُسباني، وجبران كاتمَ أَسرارها. بعد انحسار الحرب تشكَّلَت “الرابطة” بصيغتها المعروفة، إِبَّان اجتماعٍ في جريدة “السائح” مساءَ الثلثاء 20 نيسان 1920، في ختامه دعا جبران رفاقه إِلى محترفه مساءَ الأَربعاء 28 نيسان. وفي تلك السهرة ولدَت الصيغة الجديدة لــ”الرابطة القلمية”، دوَّن ميخائيل نعيمة محضر جلستها التأْسيسية وجاء فيه الإِجماعُ على انتخاب جبران عميدَها ونعيمة مستشارَها ووليم كاتسفليس أَمينَ الصندوق. 

الثاني: مئَوية كتاب “العواصف”. صدَر في آب 1920 عن منشورات “دار الهلال” (القاهرة)، وهو آخِر كتُب جبران بالعربية، جمعَه بطلبٍ من مدير المنشورات إِميل زيدان (ابن جرجي زيدان مؤَسس “الهلال”)، وكان أَلحَّ على جبران أَن يجمعَ ضُمَّة من مقالاته في “السائح” و”الفنون” و”مرآة الغرب” وسواها.

التاريخ الثالث: مئَوية  كتاب “السابق”. صدَر في تشرين الأَول 1920 لدى دار “كنوف” (ناشرة جميع كتبه الإِنكليزية بدءًا من “المجنون سنة 1918). عن “السابق” ذكرَت باربرة يونغ في كتابها “هذا الرجل من لبنان” (نيويورك 1945) أَنها “مقطوعاتٌ تَرجم جبران بعضَها عن أَفكارٍ سابقةٍ كان دوَّنها بالعربية. وفي الكتاب مسحة ساخرة، ثاقبة الرؤْيا من وراء نقاب الوهم، لا في مرارة (كما في “المجنون”) بل في مناخ من الحب والتَوق”. وتَشرح يونغ في مكان آخر أَن “صدوره جمَع حول جبران أَصدقاء ومعجبين كُثُرًا وتتالت ترجماته لِما في قصصه من شكل متميزٍ في الشرق، قديمٍ غيرِ غامض، اعتمده جبران أُسلوبًا فريدًا وسريعًا لإِيصال الحقيقة. من تلك القصص: “العالِم والشاعر”، “من أَعماق قلبي”، “البهلول”. وآخر مقطوعة في الكتاب: “الهجعة الأَخيرة” تشي في كيان الشاعر بفهم عميق يلغي ما قبله من شعورٍ أَدنى أَو فَهْم أَقل”. وتختُم يونغ: “لا أَعرف كاتبًا معاصرًا عالج هذا النمط بهذه البراعة. فهو تَـحَدٍّ كلَّ كاتب معاصر. وبذا كان “السابق” سابقًا ظهورَ “النبي” بعد ثلاث سنوات”.

هكذا تنطوي 2020 على ثلاث مئَويات جبرانية (“الرابطة القلمية”، “العواصف”، “السابق”)، وتُؤَكِّد تكرارًا أَن هذا الجبران الأُعجوبي مات ذات يوم لكنه ما زال يولَد كل يوم، كأَيِّ خالدٍ في الزمان يجيْءُ هذه الأَرضَ ثم لا يعود يغادرها، ولو غادر منه الجسد.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا المقال في “أَسواق العرب” تَوَازيًا مع صُدُوره في صحيفة “النهار” – بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى