قرار مجلس النواب وحكم القانون

بقلم غسان سعادة*

حدّد الدستور اللبناني دور رئيس الجمهورية وفق ما يلي: ”رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن. يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه وفقاً لأحكام الدستور. يرأس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء“. ( المادة ٤٩ المعدلة بالقوانين الدستورية الصادرة في ١٩٢٧/١٠/١٧ و ١٩٢٩/٥/٨ و ١٩٤٧/١/٢١ و ١٩٩٠/٩/٢١ ). وأضافت المادة ٥٠: ”عندما يقبض رئيس الجمهورية على أزمة الحكم عليه ان يحلف امام البرلمان يمين الإخلاص للأمة والدستور بالنص التالي: ” احلف بالله العظيم إني أحترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها واحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة اراضيه“.

يتبيّن من نصَّي المادتين المذكورتين أن على رئيس الجمهورية مسؤوليات جسام شاملة للوطن والشعب اللبناني كونه المناط به المحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه، والمسؤول عن إحترام الدستور وفرض احترامه على كافة مؤسسات الدولة، وهو المسؤول عن الشعب اللبناني وصيانة وحدته وحريته وإزدهاره، بالإضافة الى  أنه رئيس المجلس الأعلى للدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة.

المسؤوليات التي القاها الدستور على عاتق رئيس الجمهورية تجعل من موقعه في الحكم موقعاً محوري واساسي وذلك من منطلق المسؤوليات الجسام التي القاها الدستور على عاتقه.  

من هذا المفهوم وبصفته المسؤول عن أمن وسلامته ورفاهيته وإزدهار الشعب اللبناني قام رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، بممارسة صلاحياته الدستورية  سندا الى ما تقدم والى ما ورد في الفقرة ١٠ من المادة ٥٣ من الدستور(  المعدلة بالقوانين الدستورية الصادرة في ١٩٢٧/١٠/١٧ و ١٩٢٤/١/٢١ و ١٩٩٠/٩/٢١ ) التي تنص: ”يوجّه (رئيس الجمهورية) عندما تقتضي الضرورة رسائل الى مجلس النواب“، فقام في ٢٠٢٠/١١/٢٤ بتوجيه رسالة الى مجلس النواب دعا بها المجلس، الى التعاون مع السلطة الإجرائية من اجل تمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان وانسحاب هذا التدقيق بمعاييره الدولية كافة، الى سائر مرافق الدولة العامة، تحقيقاً للإصلاح المطلوب، وكي لا يصبح لبنان في عداد الدول المارقة او الفاشلة في نظر المجتمع الدولي“، حسبما ورد في رسالته، وطلب مناقشة هذه الرسالة في مجلس النواب وفقاً للأصول واتخاذ الموقف أو الإجراء او القرار في شأنها.

ما قام به رذيس الجمهورية كان وفق الدستور وسلمت الرسالة الى مجلس النواب الذي بدوره اصدر في ٢٠٢٠/١١/٢٧ قرار/ توصية اوردت: ”تخضع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والمؤسسات المالية والبلديات والصناديق كافة بالتوازي للتدقيق الجنائي دون أيّ عائق أو تذرّع بالسدية المصرفية او بخلافه”. غير أن ما قام به مجلس النواب لم يكن وفق حكم الدستور وذلك لأن دور مجلس النواب كما تم تحديده بموجب المادة ١٦ من الدستور (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في ١٩٢٧/١٠/١٧ ) هو دور تشريعي حيث جاء النص : ”تتولى السلطة المشترعة هيئة واحدة هي مجلس النواب”. إذاً سلطة مجلس النواب الاساسية والدائمة هي سلطته التشريعية شأنه في ذلك شأن سائر البرلمانات في الدول الديموقراطية، وعليه عندما طلب رئيس الجمهورية من المجلس مناقشة رسالته وفقاً للأصول واتخاذ الموقف او الإجراء او القرار بشأنها كان من الطبيعي ان يتوقّع من السلطة المشترعة ان تُعبّر عن رأيها بقانون لا بقرار او توصية، كون المطلوب منها هو تعديل قوانين نافذة صدرت اصولاً ، لا سيما وأن كتاب رئيس الجمهورية تضمن طلب: ” تمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان“. وكان ذلك  بعد تمنّع مصرف لبنان عن تسليم مستندات طلبها مدققو الحسابات منه سنداً لقوانين السرية المصرفية.

لما كان ذلك، وحيث انه من المقرر ان التشريعات النافذة تبقى نافذة ومعمولاً بها الى أن تُلغى أو تُعَدَّل وفقاً لأحكام القانون، وحيث انه لتعديل نص قانون نافذ صادر عن مجلس النواب يقتضي ان يصدر قانون من مجلس النواب يقضي بتعديل النص المطلوب في القانون النافذ، وحيث ان مجلس النواب لم يصدر قانوناً بالتعديل بل أصدر قراراً أو توصية، وهذان لا يرقى أيٌّ منهما إلى مستوى القانون . لذلك لا يُمكن قانوناً لمثل هكذا قرار او توصية، وإن صدرت عن مجلس النواب، أن تُعدّل نصاً أو نصوصاً في قانون او قوانين نافذة وصادرة عن مجلس النواب.

فعليه، وإذا ما اراد مجلس النواب أن يصدر هكذا تعديلات على قانون أو قوانين نافذة، فيجب على البرلمان أن يعود ويُشرّع قانوناً يُجيز التعديل الذي طلبه رئيس الجمهورية لتمكين الدولة من إجراء التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان وسواها كون ما قام به المجلس بإصدار قرار او توصية، على رغم قيمته المعنوية الوازنة،  لن يكونَ مُستوفياً للشروط القانونية لتعديل نص أو نصوص قوانين نافذة، وسيكون أي إجراء او عمل يتم سندا لهذا القرار أو التوصية عرضةً للطعن والنقض في حال نُفِّذَ قبل إصداره بقانون. كما على المجلس أن يتبع القانون الذي إن شاء ان  يصدره بالمراسيم التطبيقية التي تُمكّن الإدارة من تنفيذه وإلّا سيبقى ما قام به المجلس غير مُستَوفٍ للشروط وغير مُعدّل للنصوص القانونية النافذة، وبالتالي غير قابل لتحقيق الغاية القانونية التي كانت مبتغاة منه.

  • غسان سعادة هو محام لبناني مُقيم في بريطانيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى