مُستقبلُ الطاقة المُتجدّدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا … مُشرِق

عقدت مؤسسة أبيريو للإستشارات المؤسسية (www.aperio-intelligence.com) مؤتمراً إفتراضياً بعنوان “التحوّل إلى الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: الفرص والتحديات للمستثمرين والمطوّرين” يوم الأربعاء 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020. “أسواق العرب” حضرت المؤتمر، وأجرت اللقاء التالي مع توماس ريدي، مدير المعلومات الاستراتيجية في المؤسسة أبيريو.

أجرى الحوار مُعتصم الحارث الضوّي*

  • عرّفنا عن المؤسسة من فضلك.

تسعى مؤسسة أبيريو للإستشارات المؤسسية إلى تزويد الشركات بالمعلومات التي تُمكّنهم من اتخاذ قرارات إدارية ومالية صائبة بناء على معطيات دقيقة، وخصوصاً عند الدخول إلى أسواق جديدة. على سبيل المثال، فإن المؤسسة تساعد تلك الشركات على التعرّف على شُركاءِ عملٍ جدد، وفي استكشاف الظروف المالية والسياسية والإجرائية والقانونية ذات الصلة. كما نساعد فرق العمل التي تتصدى لإدارة الأزمات بتزويدها بأحدث المعلومات والتحليلات عن كافة الظروف التي تؤثر في أعمالها.

علاوة على ما تقدّم، فإننا نقدم المساعدة التقنية اللازمة لعملائنا في مجال الطاقة المتجددة، وذلك استناداً إلى خبرتنا في إجراء البحوث المُتخصّصة عن الطاقة المُتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبهذا نُساعدهم في مراحل مُبكرة من المشروعات بما يدعم اتخاذهم لقرارات استراتيجية مدروسة. من ناحية أخرى، فإننا نُجري الإستقصاء المهني اللازم للتحقق من السمعة المؤسسية وغيرها من العوامل الضرورية لاتخاذ القرارات السليمة.

  • ما أهمية هذا المؤتمر؟

حرصنا على استنطاق ضيوفٍ مُتخصّصين في مجالاتٍ مُختلفة من صناعة الطاقة المُتجَدّدة والأحفورية على حد سواء. كما سعينا إلى التأكيد على أهمية الإلتزام الحكومي بمشروعات الطاقة المُتجددة باعتبارها عاملاً رئيساً في استقطاب الإستثمارات الأجنبية إلى دول المنطقة، بخاصة أننا شهدنا أخيراً تزايداً ملحوظاً في جاذبية المنطقة للمستثمرين في هذا القطاع الحيوي، ومما يشجع ذلك التوجّه هو توفّر مصادر الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ الشمس والرياح والأراضي، ما سيُحوّل المنطقة إلى صانع رئيس للطاقة.

  • كيف تستفيد دول المنطقة من مصادر الطاقة الأحفورية؟

لقد أدّى التزايد السكاني والتوجّه الصناعي المتزايد إلى زيادة الحاجة إلى الطاقة، وبالتالي استغنمت دولٌ غير نفطية، مثل المغرب والأردن، الفرص المتاحة لتُقلل من اعتمادها على الطاقة الأحفورية. أما الدول النفطية، مثل السعودية والإمارات، فإن الطاقة المتجددة تمنحها فًرصاً ذهبية لتنويع مصادر الدخل الوطني لأنها تُغطي الإحتياجات الداخلية، وبالتالي يتحرر المزيد من النفط والغاز الذي يُمكن تصديره.

من ناحية أخرى، فإن الطاقة المُتجدّدة تخلق فرصاً جديدة للتوظيف في هذا القطاع الناشئ، وخصوصاً عبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتُخفّف العبء الذي يُلقيه الدعم الحكومي على الموازنات العامة.

من الأمثلة على الشراكات الناجحة إبرام الحكومة السعودية أخيراً عقد مع شركة أميركية لإنشاء أكبر مصنع للهيدروجين النظيف في العالم، ما سيُتيح لها الفرصة لتسويق هذا المنتج الاستراتيجي في الأسواق العالمية.

  • ماذا عن دول شمال إفريقيا. كيف تنظر إلى واقع الطاقة المُتجددة فيها؟

تُعتَبر تلك الدول أرضاً خصبة للإستثمار في الطاقة المُتجدّدة لتمتّعها بشبكاتِ طاقة كبيرة وحديثة. ولقد استفاد المغرب بشكل خاص من ثبات النظام السياسي، وعلاقاته السياسية الحميدة وخصوصاً مع الإتحاد الأوروبي، وتقييمه الإئتماني الجيد، ما أتاح له الفرصة للحصول على قروض مُيَسَّرة وخلق بنية تحتية مُناسبة للطاقة المتجددة.

ورُغم أن العمل في الطاقة المتجددة قد شهد بداية بطيئة في تونس بسبب ثورة 2011، إلّا أنها شهدت انطلاقة قوية منذ 2017، وبصفة خاصة لتخفيض استيراد الغاز من الجزائر.

  • ما توقعاتكم لمستقبل الطاقة المتجددة في دول المنطقة؟

أسست دول عدة في المنطقة مشروعات طموحة لقطاع الطاقة المُتجدّدة في العقدين المقبلين، وبالنظر إلى حجم وتعقيد تلك المشاريع، فإن استمرار الدعم الحكومي ضروري للغاية لتحقيق تلك الأهداف، واجتذاب الاستثمارات الأجنبية.

سأتناول هذه الدول واحدة تلو الأخرى بادئاً بمصر، حيث يُمثّل قطاع الطاقة نسبة 13,1% من الناتج المحلي الإجمالي، وتصل مساهمة الطاقة المتجددة إلى 3,7 غيغاواط، منها 2,8% من الطاقة المائية، ونحو 0,9% من الطاقة الشمسية والرياح. وتتوقع الحكومة أن تصل مساهمة الطاقة المُتجدّدة إلى نسبة 20% من الطاقة الكهربائية بحلول العام 2022، وإلى 42% بحلول العام 2035، وعلى وجه التحديد، فإن الطاقة من الرياح ستساهم بنسبة 15%، والطاقة المائية ب2%، والطاقة الشمسية ب25% بحلول العام 2035. من المتوقع أن يكون للقطاع الخاص النصيب الأكبر من الاستثمارات في هذا المجال.

أما الإمارات فتهدف إلى رفع نسبة مساهمة الطاقة النظيفة من 25% إلى 50% بحلول العام 2050، وذلك حسب “استراتيجية الطاقة 2050” التي أُطلقت في 2017، وإلى تخفيض الانبعاثات الكربونية بنسبة 70% في ذات الفترة الزمنية. ولتحقيق هذه الأهداف بحلول العام 2050، فإن المتوقع أن تنفق الحكومة الإماراتية ما يصل إلى 163 مليار دولار. تعتمد الإمارات في الوقت الحالي بنسبة تصل إلى 90% على الغاز لتوليد الطاقة.

في ما يتعلق بالسعودية، فإنها تهدف حسب رؤية 2030 إلى إنتاج 9,5 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول العام 2023. إن هذه خطة طموحة، بخاصة وأن غالبية الطاقة الكهربائية التي تُنتجها حالياً هي من النفط. إن الوضع في السعودية يدفع للتفاؤل بسبب وجود مراكز بحوث متطورة في مجال الطاقة المتجددة، إضافة إلى مساعٍ متزايدة لتصنيع الألواح الشمسية.

أما المغرب فهو من الدول الرائدة في المنطقة في هذا المجال، وقد انتج 35% من احتياجاته للطاقة الكهربائية سنة 2018 من الطاقة المتجددة. لقد أعلن المغرب سنة 2015 أنها تهدف لتغطية 52% من احتياجاته باستخدام الطاقة المتجددة بحلول العام 2023.

للأردن أيضا تجربة جديرة بالإهتمام، حيث وضعت استراتيجية الطاقة الوطنية التي تُغطّي الفترة من 2015 إلى 2025 هدفاً باستخراج 40% من احتياجات البلاد من المصادر الداخلية بحلول السنة 2025، منها 11% من الطاقة المتجددة. في منتصف 2019 أعلن وزير الطاقة الأردني بأن البلاد قد ولّدت سنة 2018 ما يصل إلى 1130 ميغاواط من الكهرباء باستخدام الطاقة المتجددة.

  • ما التحديات التي تواجه دول المنطقة فيما يتعلق بالطاقة المتجددة؟

إن المستثمرين في هذا القطاع الحيوي يشعرون بضرورة تحديث القوانين ذات الصلة، وبالقصور في أنظمة التحكيم، وببطء الإجراءات الحكومية في بعض الأحيان، وبالتوتّر السياسي، والمخاوف الأمنية في دولٍ بعينها، مثالٌ عودة تنظيمي “داعش” و”القاعدة” ليمثلا هاجساً أمنياً.

من ناحية أخرى، فإن جائحة كورونا قد أدّت إلى انخفاض أسعار البترول في الدول النفطية، وقد انعكس ذلك سلباً على الموازنات الحكومية، ولكن المزاج الإستثماري في قطاع الطاقة المُتجدّدة ما زال مواتياً.

إنني أعتقدُ بأن سوق الطاقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستتوجه بشكل أكثر تركيزاً إلى مجال الطاقة المُتجدّدة، الأمر الذي سيعود بالفائدة على الإقتصادات الوطنية، كما أنه سيُقلل من التلوّث والإنبعاثات الكربونية. الصورة مشرقة للغاية في تقديري رُغم وجود بعض التحديات الحالية.

  • متى ستُقيمون فعاليتكم المقبلة وما موضوعها؟

سنعقد فعالية في كامون الثاني (يناير) 2021 عن خطوط الإمداد المُستدامة للمواد الخام الرئيسة، ويرجع ذلك لاهتمامنا بهذا الجانب الحيوي من عمليات الطاقة.

  • مُعتصم الحارث الضوّي* هو كاتب وإعلامي عربي مُقيم في بريطانيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى