الصراع الدولي في القوقاز ولعبة التانغو الروسية – التركية

بقلم السفير يوسف صدقة*

بدأت الحرب الأذرية-الأرمنية في 27 أيلول (سبتمبر) الماضي، بعد الهجوم الذي شنّته القوات الأذرية على ناغورنو كرباخ أو ناغورنو قره باغ  (أرتساخ). وقد استمرّت الحرب ستة أسابيع. وقد بدأ التحوّل الاستراتيجي في الحرب لصالح أذربيجان في 9 و10 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حيث استعادت أذربيجان الأراضي التي احتلّتها أرمينيا خلال النزاع الذي وقع في 1992-1994 بين أذربيجان وناغورنو كرباخ، والذي هدف إلى فكّ الطوق عنها إثر الأحداث الدامية في فترة 1988-1990 بعد انهيار الإتحاد السوفياتي.

أدّى التدخل التركي المُباشَر في الحرب، والذي تمثّل في إدارة العمليات، عبر هيئة الأركان التركية في التخطيط للهجوم، إلى انهيار أرمني على كل الجبهات في ناغورنو كرباخ وخسارة أكثر من 5000 جندي أرمني في المعارك. وهذا ما دفع يريفان إلى الموافقة على خطة السلام الروسية، ونشر قوات حفظ السلام الروسية، في 25 نقطة مراقبة في ناغورنو كرباخ.

  • بنود الإتفاق

وقّع رئيس الوزراء الأرمني نيكول راشينيان (Nikol Rashinyan) والرئيس الأذري إلهام علييف على اتفاق سلام برعاية روسية، وهو اتفاق مرحليّ لا يحلّ النزاع التاريخي إنما يُرحّله إلى سنوات مقبلة:

  • يدعو الإتفاق أولاً إلى وقفٍ كامل لإطلاق النار اعتباراً من 10/11/2020 في مناطق القتال، على أن تحتفظ كل من أذربيجان وأرمينيا بمواقع سيطرتهما الحالية.
  • تعود منطقة بغدام بكاملها إلى أذربيجان بحلول 20/11/2020.
  • تنشر قوات حفظ سلام روسية قواتها 1960 جندياً على امتداد خط القتال في ناغورنو كرباخ وعلى طول ممرّ لاتشين…
  • يجري نشر القوات الروسية في المناطق التي ستنسحب منها القوات الأرمنية وستبقى 5 سنوات قابلة للتمديد تلقائياً، إذا لم يعترض أي من الطرفين على ذلك.
  • إنشاء مركز لمراقبة وقف إطلاق النار…
  • تُعيد أرمينيا السيادة إلى أذربيجان على منطقة كلبجار بحلول 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 ومنطقة لاتشين بحلول 1/12/2020.
  • عودة اللاجئين…
  • تبادل الأسرى.
  • رفع كل العوائق أمام حركة التبادل الإقتصادي.
  • تضمن أرمينيا التواصل بين أذربيجان ومنطقة نجغوان وانتقال المواطنين في الإتجاهين…
  • نتائج الصراع على كرباخ

رغبت روسيا في تثبيت مواقعها في القوقاز، كلاعبٍ رئيس في الحدود المُتاخمة للإمبراطورية الروسية، وكطرف أساس مقبول من الأطراف المتنازعة. أما أرمينيا فتُعتبر الخاسر الأكبر في النزاع، فقد دفعت الثمن الباهظ نتيجة افتقارها للأسلحة الحديثة وعدم التفاوض مع أذربيجان على الأراضي الأذرية المحتلة منذ العام 1992. وقد أُعطي للأرمن جزء من كرباخ، ومنها العاصمة “ستيباناكيرت” (Stepanakert) وأُعطيت غالبية الأراضي في ناغورنو كرباخ إلى أذربيجان[1] لكنّ المصير النهائي لناغورنو كرباخ لم يُحسم بعد.

أما تركيا فقد دخلت كشريك فاعل في النزاع، بعد الدعم العسكري الفعّال لأذربيجان بالأسلحة الحديثة، والمرتزقة من سوريا. وقد نالت تركيا حرية عبور الممرات من شرق تركيا إلى بحر قزوين عبر الممر الأذري “ناخيتشيفان” (Nakkichevan).

  • العوامل التي أدّت إلى نجاح أذربيجان

تشير المعلومات إلى أنّ أذربيجان استعدّت للحرب منذ أكثر من عشر سنين، حيث سخّرت مواردها النفطية لشراء الأسلحة، ومنها صفقة الأسلحة مع روسيا والتي بلغت 5 مليارات دولار أميركي. كما اشترت أسلحة من تركيا، ومنها طائرات مُسيّرة بدون طيار، وكذلك اشترت من إسرائيل تجهيزات لاسلكية وطائرات بدون طيار ومنها طائرة “درون كاميكازي” (Drone Kamikaze) وهي صناعة إسرائيلية-كندية.

لعبت الطائرات المسيّرة بدون طيار دوراً حاسماً في الحرب، حيث كانت ترمي قنابل بزنة 500 كلغ. فالجيش الأرمني في كرباخ الذي ذُهل بهذه التكنولوجيا الحديثة، اعتبر أنه يحارب عدواً غير منظور.

تجدر الإشارة إلى أنّ النزاع الأذري-الأرمني في كرباخ تمثّل بحرب تكنولوجية حديثة، حيث كان للطائرات المُسَيّرة بدون طيار الدور الرئيس في حسم المعركة لصالح أذربيجان.

وقد أدّت هذه الحرب إلى خسائر بشرية كبيرة في الجيش الأرمني. اعتمد هذا الأخير على الحرب الكلاسيكية القائمة على المدفعية والمدرّعات والمشاة. هذا وقد أعلنت القيادة الأرمنية أنها تحارب تركيا والأذريين والمرتزقة من سوريا.

  • النزاع في الإطار الدولي

غابت مجموعة مينسك، وهي تشكلت من الولايات المتحدة – روسيا – فرنسا عن حلّ مشكلة النزاع، وسط مخاوف باريس من حلّ تقوم به كل من روسيا وتركيا لإبعاد القوى الفرنسية عن محادثات السلام المستقبلية. فالأميركيون والأوروبيون لم يتدخلوا في النزاع بشكلٍ مباشر منذ العام 1990. من الطبيعي أنّ اتفاق إنهاء النزاع بين أذربيجان وأرمينيا يتطلب تدخّل الأمم المتحدة والدول المعنية لحلّ جملة من القضايا وهي تسهيل عودة اللاجئين، إعادة الإعمار، الدعم الإنساني، نزع الألغام، واستقبال منظمات الأمم المتحدة. فحلّ النزاع قد أتى بصورة مؤقتة، فإذا لم يؤدِّ إلى شعور الأرمن في كرباخ بأمان، قد يؤدي الحلّ إلى نزاعات جديدة في المستقبل – فاتفاقات السلام التي تمّت تحت رعاية دولٍ كبرى، قد تعثّرت بسبب المظالم التي لحقت بأحد الأفرقاء.

وتظهر إشكالية النزاع في كرباخ، بين طموح السكان في كرباخ بأخذ الاستقلال والحكم الذاتي، بعكس مطالب أذربيجان بحقها بالأرض بموجب القانون الدولي، مُتجاوزةً البُعد التاريخي للنزاع الذي ساهمت في إثارته التقسيمات العشوائية التي زرعها الرئيس السوفياتي الراحل جوزف ستالين، فدير “دفيديفانك” (Dadivank) المكان المقدس للأرمن في كرباخ قد بُني بين القرن التاسع وتابع توسّعه إلى القرن الثالث عشر. وقد بُني على قبر القديسة “تادي” (Thaddée).

ج- لعبة التانغو الروسية-التركية في القوقاز

يعود الصراع والتعاون الروسي التركي في منطقة القوقاز إلى نهاية العام 1920، حيث تواجد الروس والأتراك في المنطقة نفسها. فقد رسم لينين ومصطفى كمال أتاتورك حدوداً جديدة بعد النزاعات التاريخية بين البلدين في شبه جزيرة القرم. يعود التاريخ نفسه اليوم وفق معطيات جديدة، حيث رسمت كل من روسيا وتركيا حدوداً في القوقاز تجعل الدول الغربية عاجزة عن التدخل هناك.  

تسعى روسيا إلى مسايرة تركيا لإبعادها عن الحلف الأطلسي، فالرئيس التركي رجب طيّب أردوغان يرفع شعار “الشعب الواحد في بلدين” أي أنّ الأتراك والأذريين هم من قومية واحدة، فالدخول التركي إلى أذربيجان يُعزّز نظرية أردوغان في التوسع الطوراني إلى البلدان الناطقة جزئياً أو كلياً باللغة التركية.

أما من جهة روسيا فإنّ الرئيس بوتين قد تعامل مع النزاع الأذري-الأرمني في إطار أولوية الأمن القومي الروسي، وليس على أساس الرابطة الأرثوذكسية مع الأرمن. فمعاهدة الدفاع المشترك بين روسيا وأرمينيا في العام 1993 تضمن أمن أرمينيا والدفاع عن أراضيها ولا تضمن إقليم ناغورنو-كرباخ. أما تواجد قوات حفظ السلام الروسية، فيهدف إلى تثبيت موقع روسيا في القوقاز والحدّ من الطموحات العثمانية لأردوغان في تجاوز الخطوط الحمراء.

يبقى أنّ حفظ السلام الدائم بين أذربيجان وأرمينيا يتطلب فترة زمنية طويلة، عبر إعادة بناء الثقة وإقامة السلام القائم على العدل وإعادة المهجرين ورفع النزاع إلى الأمم المتحدة لضمان حلّ عادل وشامل للشعبين الأذري والأرمني.

حاشية

تجدر الإشارة إلى أنّ مساحة كرباخ هي 12000 كلم2. احتلّت أذربيجان 9000 كلم2 منها أي ثلثيها.

  • السفير يوسف صدقة هو ديبلوماسي لبناني مُتقاعد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى