الحرب الكونية الأولى

بقلم راشد فايد*

أطلق معاصرو الحرب بين سنتي 1914 و1918 تسمية الحرب الكونية عليها قبل أن يسمّوها بالحرب العالمية الأولى التي انتهت بانتصار جيوش “الحلفاء” أي بريطانيا العظمى، واليابان، وفرنسا، وروسيا، وإيطاليا، على جيوش “المركز” الذي جمع ألمانيا، والنمسا المجريّة، وتركيا وروسيا. وتسبّبت هذه الحرب في سقوط الإمبراطوريات العظمى الأربع، وشهدت توقيع معاهدة فرساي، التي أنهت الحرب، لكنَّ عدداً من شروطها كان المُمهّد لاندلاع الحرب العالمية الثانيّة. وبالإضافة إلى الخسائر العسكرية التي وصلت إلى ما يقارب 8.5 ملايين عسكري، فاقت الخسائر المدنيّة الـ 13 مليون شخص بسبب تفشّي الأمراض، والفقر، والدمار، والمجازر التي نتجت عن هذه الحرب.

تبلورت ملامح الحرب الثانية مطلع القرن العشرين مع أزمة البلقان والصراع الفرنسي الألماني على الحدود، ومطالبة الأقليات في أوروبا باستقلالها، بالإضافة إلى الأطماع الإقتصادية بين الدول، مّا أدّى إلى سباق على التسلح وإدراج استخدام التكنولوجي فيه.

لم يكن العالم ليدري أنّ حرباً أخرى ستأتيه وستكون مدويةً أكثر، وهي امتدت ما بين الأول من أيلول (سبتمبر) 1939 إلى الثاني من أيلول (سبتمبر) 1945 بين دول الحلفاء التي ضمّت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة والاتحاد السوفييتي وفرنسا والصين وغيرها، ودول المحور وعلى رأسها ألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، والإمبراطورية اليابانية وغيرها.

وجدت هذه الحرب وقودها في نتائج الحرب الأولى، التي غيرت خريطة أوروبا والعالم وفُرِضَت الضرائب الكبيرة على الدول المهزومة بخاصةً ألمانيا.

بعد هذه الحرب حلّت تغيرات سياسية كبرى منها أفول النجم الأوروبي وبروز الجبارين الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي اللذين سيطرا على المُقدّرات السياسية للعالم وقامت هيئة دولية جديدة، هي منظمة الأمم المتحدة، على أسس واضحة ترعى السلام وحقوق الإنسان وتدعم تحرر البلدان الخاضعة للإستعمار، فبدت كلجم لطموحات الإستعمار الأوروبي.

اليوم، يخوض العالم مُجتَمِعاً حرباً تستحق تسميتها بالكونية الأولى، فكل الشعوب، على تفاوت إمكاناتها، تواجه عدواً مُشتركا هو “كوفيد 19” يفوق عدد المصابين به الـ50 مليوناً، ويزيد قتلاه على المليون، وهو، وإن لم ينهِ السنة من هيمنته، يطيح بالبنى الإقتصادية لكثير من الدول، لا سيما في العالم الثالث، ويدفع بالإقتصادات القوية إلى إعادة النظر بجداول أعمالها، وأولوياتها، فيما يُجبر المجتمعات على تغيير مناهج حياتها، ويؤسس لأنماط جديدة من السلوكيات المهنية والإجتماعية.

كثيرٌ من الحالات المُكتَسبة بـ”فضل” اجتياح هذا الوباء، سيتكرس في الحياة العامة للشعوب، كالتباعد الإجتماعي، والعمل عن بعد، وندرة فرص العمل، وسيؤدي إلى مزيد من الإعتماد على التكنولوجيا، وضرب قطاع الطيران العالمي، ومعه السياحة، والتحويلات المالية، والتخلي عن المكاتب كمرتكز لبنية العمل، وغير ذلك كثير. لكن الأهم في ما ينتظر العالم، أن القوى الإقتصادية الكبرى ستتعرض لإعادة نظر، عملانية، في تراتبية أدوارها وأهميتها.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى