الفَرَج قد يأتي إلى لبنان مع إدارة بايدن؟

بقلم مايكل يونغ*

أدّى انتخاب جو بايدن لرئاسة أميركا إلى الكثير من التكهّنات بين اللبنانيين حول ما قد يعنيه هذا لبلدهم والمنطقة الأوسع. كبلدٍ صغيرٍ جداً لا يُمكن لصانعي السياسة الأميركيين ملاحظته جيداً، كان لبنان دائماً عُرضَةً لكيفية ألعابِ المُنافسات الإقليمية والدولية محلّياً، وعادة ما يكون ذلك على حسابه.

على الرغم من أن العام 2020 كان عاماً مأسوياً بالنسبة إلى لبنان – بين الإنهيار الإقتصادي المستمر في البلاد، والإنفجار المُرَوّع في 4 آب (أغسطس)، والمأزق المستمر الذي تفرضه طبقة سياسية فاسدة – قد يكون هناك مشهد أقل مأسوية قريب الحدوث. سوف يمرّ الشرق الأوسط بتغيّراتٍ كبيرة في السنوات الأربع المقبلة، قد يؤدي بعضها بالفعل إلى تهدئة الأجواء المشحونة في لبنان، حتى لو لم نكن نتوقّع أن تؤدي هذه التغييرات على الفور إلى تحسين الوضع المالي والإقتصادي للبلاد.

إحدى نتائج فوز إدارة بايدن أنه قد يؤدي إلى تغييرٍ في سلوك دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. لبعض الوقت، كانت لدى السعوديين شكوكٌ متزايدة حول استعداد الولايات المتحدة للدفاع عن المملكة إذا كانت مُهَدَّدة من قبل إيران. لقد رحّب السعوديون بحملة “الضغط الأقصى” لإدارة ترامب ضد طهران. ومع ذلك، فقد رأوا أيضاً أنه عندما تعرّضت منشآتهم النفطية في بقيق للهجوم في أيلول (سبتمبر) 2019، زعماً من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) اليمنية، ولكن على الأرجح من قبل الإيرانيين أنفسهم، فإن واشنطن لم ترد.

إن وصول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض لن يُطمئن السعوديين. لقد انتقد الرئيس المُنتَخَب تصرفات المملكة في اليمن وانتهاكاتها لحقوق الإنسان وقتل الصحافي جمال خاشقجي، حسب وكالة المخابرات المركزية، بأمر من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ستشعر الرياض بلا شك بأنها أكثر عُرضةً للخطر في السنوات المقبلة، وقد تكون إحدى نتائج ذلك أن المملكة ستحاول خفض التوتّرات مع إيران لتجنّب الصراعات والنزاعات التي قد تخسرها.

إلى أين قد يقود هذا؟ ربما لمزيد من المرونة في اليمن، حيث أدرك السعوديون ضمنياً بالفعل أن جهودهم لعكس مكاسب “أنصار الله” قد فشلت. اليوم، تحوّلت حرب اليمن إلى حربٍ تسعى فيها السعودية ودولة الإمارات إلى تحقيق أهداف أخرى – حيث صارت الأولوية للرياض هي حماية الحدود السعودية فيما تُركّز أبو ظبي على دعم الإنفصاليين الجنوبيين. أبعد من ذلك، تبحث السعودية عن مخرج، رًغم أنها تريد تجنّب الإذلال الذي قد يُقوّض خلافة الأمير محمد بن سلمان، مهندس الحملة التي تقودها السعودية.

مكانٌ آخر قد يشعر بتغييرٍ في المواقف السعودية هو لبنان. في حين أن السعوديين لن يعودوا إلى الأيام التي كانوا يضخّون فيها الأموال في البلاد، فإن اتباع نهجٍ أكثر ملاءمة تجاه إيران قد يؤدّي إلى إحياء الدعم السعودي لسعد الحريري، الذي كافح في السنوات الأخيرة للحصول على موافقة ورضا الرياض. حافظ الحريري على قنواتٍ مفتوحة مع “حزب الله”، ما كلّفه كثيراً أمام صنّاع القرار السعوديين. لكن إذا كرّرت السعودية هذا النهج مع إيران، فلن يؤدّي ذلك إلّا إلى تعزيز مصداقية الحريري. والأهم من ذلك، أنه مع تصاعد التنافس السعودي-التركي في جميع أنحاء المنطقة، سيكون من المنطقي للسعوديين الإستثمار في حليف في بيروت يمكنه حشد السنّة لتأييد المملكة وبعيداً من تركيا.

إذا حدث هذا السيناريو، فقد يؤدي إلى تحسين العلاقات بين السنّة والشيعة في لبنان، ولكن أيضاً تعديل وتغيير حسابات “حزب الله”. لقد تمسّك الحزب بتحالفه الذي عقده مع ميشال عون وصهره جبران باسيل. وفعل ذلك لأن منصب عون كرئيس للجمهورية قد أضفى شرعية رسمية على “حزب الله”، الذي لن يتنازل عن مثل هذه الميزة. ومع ذلك، فإن تنشيط دور الحريري قد يُجبِرُ الحزب على اتخاذ موقف أكثر توازناً في العلاقة الخلافية بين الحريري وباسيل، لا سيما إذا كان ذلك يعني دفع باسيل نحو تنازلات تُسهّل تقديم حزمة مساعدات دولية للبنان.

بالتأكيد، سيهدف “حزب الله” دائماً إلى استغلال الوضع الذي يمكنه فيه أن يَلعَبَ دَورَي الحريري وباسيل لصالحه. ولكن، إذا واجه “حزب الله” شريكاً سنّياً مُندفعاً بايجابية، فقد يؤدي ذلك إلى إمكانية التوصل إلى اتفاقات حول قرارات رئيسة تعمل على تحسين الوضع الإقتصادي، وهو ما يحتاجه لبنان اليوم. في الواقع، إذا تحسّنت علاقات الحزب مع السنّة، فقد يجد أنهم أكثر قيمة له في مواجهته مع واشنطن من العلاقات مع زعيم مسيحي يخضع لعقوبات أميركية.

الأمر الثاني الذي قد يُطمئن اللبنانيين هو أن رحيل ترامب سيؤدي إلى تهميش الجهات الفاعلة السياسية ومراكز الفكر في واشنطن، وكثيرٌ منها قريبٌ من إسرائيل، التي دفعت باتجاه اتخاذ موقف أكثر تشدّداً تجاه لبنان.

لبعض الوقت، نظرت إسرائيل إلى نهج إدارة أوباما تجاه الشرق الأوسط، بشكلٍ مُبرَّر، باعتباره انفصالاً جذرياً عن السلوك الأميركي الذي كان سائداً في السابق. من خلال تمكين إيران من خلال الإتفاق النووي المُوَقَّع مع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى ألمانيا، إعترفت الولايات المتحدة ضمنياً بمصالح إيران في المنطقة، وزوّدتها بوسائل لتمويل سياساتها. ورأت إسرائيل في هذا تهديداً، خصوصاً وأن الإتفاقية رفعت القيود المفروضة على برنامج إيران النووي بحلول العام 2025. ولهذا السبب شجعت الرئيس دونالد ترامب بشدّة على الإنسحاب من الإتفاقية.

كان هناك بُعدٌ لبناني لردّ الفعل هذا. لترسيخ مكاسبهم ضد إيران، سعى الإسرائيليون وأصدقاؤهم في واشنطن إلى توسيع نطاق هذه المكاسب لتشمل “حزب الله”. لهذا السبب نشروا سرداً في العامين الماضيين مفاده أن لبنان و”حزب الله” هما الشيء عينه، وهو الخط الذي روّج له في البداية وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان. من خلال تشديد الخناق على لبنان ودعم قطع المساعدات المالية، تأمل إسرائيل وأتباعها في خلق حالة من عدم الإستقرار، حتى الحرب الأهلية، التي من شأنها تحييد “حزب الله”.

وجاءت خطوة مهمة في هذا الاتجاه في حزيران (يونيو) الفائت، عندما أصدرت لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري، المُكَوَّنة من أعضاء جمهوريين مُحافظين في مجلس النواب، استراتيجية للأمن القومي. أحد أهداف الوثيقة هو الضغط على إيران وحلفائها. ومن بين توصياتها أن تُنهي الولايات المتحدة المساعدة الأمنية للبنان، ومُعاقبة حلفاء “حزب الله”، وتمرير تشريعٍ “يُحظّر على أموال دافعي الضرائب المدفوعة لـ[صندوق النقد الدولي] الذهاب لإنقاذ لبنان”. وأكدت لجنة الدراسات، أن أي خطة للإنقاذ “ستُكافئ “حزب الله” فقط في الوقت الذي يطالب المتظاهرون في لبنان بوضع حدٍّ للفساد والوقوف ضد حكم “حزب الله””.

نظراً إلى أن الوثيقة كرّرت حرفياً تقريباً ما كتبته مراكز الأبحاث المُحافظة في واشنطن، فقد كان من المحتمل جداً أن أجزاءً منها تمّت صياغتها بواسطة هذه المراكز البحثية نفسها، والتي كان لها تأثير كبير في تشكيل سياسات إدارة ترامب. إن عدم تمتّع هؤلاء الأفراد بالنفوذ ذاته كما كان من قبل قد يمنح لبنان فترة راحة من سياسات الولايات المتحدة المتطرفة التي من المرجح أن تُدمّر لبنان وتُفقّر سكانه أكثر من مساعدته على التحرير من قبضة “حزب الله”.

قد يكون من المبالغة افتراض حدوث تحوّلٍ جذري في ظل إدارة بايدن. سيستمر الضغط الأميركي على “حزب الله”، وكذلك معاقبة السياسيين اللبنانيين. سوف تستمر تفضيلات إسرائيل في التأثير في واشنطن، وخصوصاً في الكونغرس. ومع ذلك، فإن بايدن وفريقه سيتعاملان مع إيران بشكل مختلف عن ترامب. كما أنهما سيكونان أكثر استعداداً للإستماع إلى أولئك، وبخاصة في أوروبا، الذين يُحذّرون من الإجراءات التي من شأنها أن تؤدي إلى تدمير لبنان. مع تركيز بايدن على الشؤون الداخلية، لن يكون من المنطقي أن تؤيد إدارته السياسات التي يمكن أن تحوّل لبنان إلى دولة فاشلة، الأمر الذي قد يفرض تدخّلاً أميركياً مُتجدّداً في الشرق الأوسط.

إن لبنان أبعد ما يكون عن الخروج من المأزق عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة. ولكن نظراً إلى أن البلاد تواجه أزمات متعددة وخطيرة – من الإنهيار الإقتصادي إلى تحديات كوفيد-19- فإن فكرة جعل البلاد بأكملها تدفع ثمن جرائم أولئك الذين أساؤوا حكمها لم تعد صالحة. لبنان بحاجة إلى استراحة، وسوف يتم تعميم هذه الرسالة بشكل أفضل بمجرد تولّي بايدن منصبه.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كَتَبَ الكاتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى