بَرنامَجٌ للإصلاح

بقلم غسان سعادة*

ما حدث ويحدث في سياق تأليف الحكومة اللبنانية لم يأتِ على خلافِ المُتوَقَّع من قبل اللبنانيين، فالشعب الذي أُعطِيَ وعوداً بالإصلاح وبالإتيان بحكومةِ اختصاصيين من غير السياسيين للقيام بالإصلاح، كانت موضوعَ شكٍّ من غالبية الشعب الذي لا يتوقع من الطبقة السياسية أن تُغيّر مسارها، وأن تفي بوعودها، فهو خبر وعود الساسة ونكثهم بالوعود  كمثل وعود التأمين الصحي الشامل وضمان الشيخوخة وديمومة التيار الكهربائي وتحرير فلسطين.

في هذا الظرف الصعب على غالبية الشعب يتّضح ان الطبقة السياسية لم تُغَيِّر مقاربتها لموضوعَي الحكم وإدارة الدولة، فالفساد غير المَسبوق مستمر، وكذلك التفلّت الأمني والتدهور الإقتصادي ومستجدات الفقر وتفشّي الوباء. غير أن  هذه الأمور على جسامتها، لم تُغيِّر مسار السياسيين العملي، وإن هم تحدّثوا عن الإصلاح وعن وجوب إجرائه، بدليل أنّه حتى تاريخه ليس لأحدٍ من السياسيين أو الأحزاب أو الكتل النيابية  ”برنامج عمل“ علمي واضح ومُحَدَّد مطروح أمام الشعب، يُبيِّن فيه أحدهم مقاربته للإصلاح، وكيف ينوي تنفيذه مما يجعل أقوال الساسة عن الإصلاح تمنيات أو شعارات تُرفَعُ إعلامياً من دون أن يكون لها سند في الواقع.

في هذا السياق ثَبُتَ، وعلى مدى العقود الثلاثة الأخيرة على الاقل، أن قوى الأمر الواقع السياسية تفرض نفسها ومفاهيمها وتفاهماتها وإن أتت هذه خلافاً لصحيح القانون ومصالح الوطن والشعب. مثالٌ على ذلك هو ما قامت به هذه القوى من فرض  تكليف الرئيس سعد الحريري لتأليف الحكومة على إثر قيام ٦٥نائباً بتسميته، ما استتبع سنداً لتفسيرهم لنص الفقرة ٢من المادة ٥٣ من الدستور أن يقوم رئيس الجمهورية بتكليفه.

نلفت هنا ان نص الفقرة ٢من المادة ٥٣ من الدستور ألزَمَ رئيس الجمهورية بالمُرشّح الذي ينال أكثرية أصوات النواب في الإستشارات. غير أن مُقاربة السياسيين لنص هذه الفقرة اعتمدت المُقاربة الشخصية لا المقاربة الموضوعية، وذلك على خلاف التفسير العملي والواقعي للنص خصوصاً في ظل اوضاع الوطن الإستثنائية الراهنة التي تُوجب المقاربة الموضوعية لا الشخصية، لا سيما وأن عنوان الحكومة المُنتَظرة هو الإصلاح، الأمر الذي كان من المفترض ان يملي أن تكون الإستشارات لأخذ آراء النواب في ”برنامج الإصلاح“ العائد للإسم للذي سيوَلّونه مهمة رئاسة الحكومة، لا أن تكون الإستشارات لتسمية مَن يُرَشِّحون لرئاسة الحكومة من دون أن يكون لدى هذا الشخص ”برنامج للإصلاح“. من هذا المفهوم الموضوعي  للإستشارات النيابية، يقتضي تفسير وتطبيق الفقرة ٢ من المادة ٥٣، أي كنص لفقرة من فقرات الدستور وليس كنص مستقل منفصل عن باقي مواد وفقرات الدستور، وعليه ومن هذا التفسير المنطقي والقانوني، يكون رئيس الجمهورية غير مُلزَم بالمُطلَق بالنتيجة الحسابية للإستشارات التي يجريها وانتهى الأمر، لأن نص هذه  الفقرة لا يحجب الدور الأشمل لرئيس الجمهورية في التكليف كونه هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن والمحافظ على الإستقلال ووحدة وسلامة الوطن والشريك لرئيس الحكومة في السلطة الإجرائية، ولذلك فإن رئيس الجمهورية عندما يستشير النواب لا يستشيرهم حول اسم مَن يُرشِّحون بل حول برنامج وإسم من يُرشِّحون، وهو لا يأخذ بالنتيجة الحسابية للإستشارات فقط كما جرى، بل أيضاً بالظروف السياسية والأوضاع العامة ومصلحة الوطن العليا لتكوين قناعته للقيام بالتكليف، وعندما يُقرّر، فمن المُفترض أنه أخذ بكل ما اعطاه وما ألزمه به الدستور بعين الإعتبار.

ما تقدّم يدفع الى السؤال؛ إذا كان كل السياسيين سبق لهم وادّعوا أن هدف الحكومة المقبلة هو الإصلاح والإتيان باختصاصيين غير سياسيين للقيام بذلك، فلو صحّ  ما إدعوا به، فعلى أي أساس رشّحوا الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة وهو لم يطرح، ولا أحدٌ منهم طرح، حتى تاريخه، ”برنامج عمل“ علمياً مُحدّداً للإصلاح الذي ينوي القيام به، ولا متى ولا كيف؟ هل  أن ذلك يعني أن التفاهمات التي حصلت في ما بين الساسة لتسمية الرئيس الحريري كانت تفاهمات على المُحاصصة وفق قواعد المحاصصة الطائفية والحزبية بغض النظر عن المصالح العليا لشعب والوطن.

مع الأخذ بكل ما تقدم، وخلافاً للسائد، ما زال الإنقاذ مُمكناً، ولكن من أجل ذلك يجب أن يُفهَم ويُفسَّر ويُطبَّق القانون من منطلق المصلحة العامة للوطن وللشعب اللبناني، لا من منطلق المصالح الشخصية للسياسيين والمحاصصة والطائفية والحزبية، وعند ذلك يُصبح مُمكِناً وضع برنامج علمي واقعي مُحدَّد للإصلاح من قبل اختصاصيين، وأن يتم تبنّي البرنامج وطرحه كقانون إما من قبل رئيس الجمهورية أو من قبل أحد النواب، ومن ثم تبّنيه والسير على أساسه من قبل القوى السياسية والشعبية، لأن التغاضي عن الواقع والتصرّف وكأن شيئاً لم يحدث من  مثل مظاهرات ١٧ تشرين الأول (أكتوبر)، أو احتجاز ودائع اللبنانيين من المصارف، أو انفجار مرفأ بيروت، سيقود الى كوارث لن تقتصر نتائجها فقط على عامة الشعب اللبناني.

بوادرٌ عدة تُشير الى أنّ دول لعالم بدأت تعير انتباهاً الى معاناة عامة الشعب اللبناني الذي بات يرزح تحت أعباءٍ جسام تسببت فيها قياداته السياسية، وهو عاجز عن الخروج من الطوق الطائفي والحزبي الذي تم تقييده به، فهل يكون خلاص اللبنانيين من طريق قياداتهم الوطنية وهو المأمول، أم ستنكث هذه القيادات مرة اخرى بوعودها وتستمر على نهجها، وعندها سيأتي خلاص الشعب من دول الخارج لأن استمرار هذا الوضع في لبنان سينعكس عليها وعلى مصالحها .

القرار والمسؤولية عنه لا يزال بيد القوى السياسية اللبنانية، فحبّذا لو تلتحم هذه القوى مع الشعب، وتُلبّي نداءه بالإصلاح وتُجَنِّب بذلك نفسها والشعب من عواقب التدخلات الاجنبية.

  • غسان سعادة هو محام لبناني مُقيم في بريطانيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى