كيف يُمكِن للإتفاقِ الإماراتي-الإسرائيلي أن يُغَيِّرَ ميزانَ القوى الإقليمي

هل سيكون لاتفاقية التطبيع بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل تأثيرٌ في موازين القوى في الشرق الأوسط؟ يبدو أن الأمر هو كذلك كما يروي التقرير التالي:

آية الله علي خامنئي: إتفاقية الإمارات مع إسرائيل خيانة

بقلم مَيسَم بزير*

لم يكن ردُّ فعل طهران على اتفاقية التطبيع التي توسّطت فيها الولايات المتحدة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة مُفاجئاً. فقد وصف المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، الصفقة بأنها “خيانة” للعالم الإسلامي والبلدان العربية والدول الإقليمية. وحذّر قائد الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، من أن طهران “ستُلقي اللوم على الإمارات” إذا حدث أي شيء يُهدّد أمنها القومي.

هذه ليست سوى الحلقة الأخيرة في روابط طويلة الأمد، حيث تعود العلاقات بين إيران والإمارات السبع التي تُشكل دولة الإمارات العربية المتحدة إلى قرونٍ مضت. وحسب بعض التقديرات، فإن دبي، ثاني أكبر إمارة في البلاد، هي موطنٌ لنصف مليون أو أكثر من أعضاء الجالية الإيرانية في الشتات. كانت دولة الإمارات أيضاً واحدة من الشركاء التجاريين الرئيسيين للجمهورية الإسلامية، خصوصاً في فترة العقوبات التي تقودها أميركا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين حوالي 12 مليار دولار سنوياً.

ومع ذلك، على الرغم من روابطهما التاريخية، فإن العلاقات بين  طهران وأبو ظبي لم تكن رحلة سهلة. مع الثورة الإسلامية في العام 1979 واستمرار طموحات إيران الإقليمية، سعى الإماراتيون إلى تهدئة مخاوفهم الأمنية من خلال الوقوف إلى جانب المملكة العربية السعودية والإعتماد بشكلٍ كبير على الدعم العسكري الأميركي.

لماذا إسرائيل؟

في حين أن توقيع اتفاقات أبراهام كان بمثابة مفاجأة للبعض في طهران، فقد كان بالنسبة إلى آخرين مُجرَّد إضفاء الطابع الرسمي على شراكة فعلية قائمة كان هدفها الأساس تحقيق نصرٍ سياسي للرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري.

على الرغم من أن اتفاقات أبراهام لا تُعتَبَر بالأهمية عينها لاتفاقات كامب ديفيد لعام 1979، إلّا أنها تُشير إلى تحوّلٍ كبير في وجهات نظر القادة العرب بالنسبة إلى الإعتماد الأمني على واشنطن. لقد تراجع التأييد للقومية العربية والقضية الفلسطينية حيث تجاوزتهما مخاوف أخرى، بما فيها إيران وسياساتها الإقليمية.

بينما أعلن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، علناً أن الإتفاق مع إسرائيل لا يتعلّق “بإيران”، فإن المسؤولين في طهران لديهم كل الأسباب للإعتقاد بخلاف ذلك. على مدى السنوات الثلاث الفائتة، إستمرت الهجمات الإسرائيلية المستمرة على الأهداف الإيرانية والأفراد في كلٍّ من إيران وسوريا من دون ردٍّ إلى حد كبير، كما كان الحال مع الإنفجار الأخير في إحدى المنشآت النووية الإيرانية.

وقالت باربرا ليف، السفيرة الأميركية السابقة لدى الإمارات (بين 2014 و2018)، أن “قادة الإمارات كانوا دقيقين وحذرين بالنسبة إلى اعتبار صفقة التطبيع مع إسرائيل بانها ليست ضد إيران، على الرغم من أنه من الإنصاف القول إن طهران تعتبر الصفقة مُوَجَّهة بشدة ضدها”.

وفقاً لتقرير صادر عن معهد البحوث الاستراتيجية التابع لمجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني، فإن “توسيع الوجود الإستخباراتي العسكري للنظام الصهيوني” على الحدود الجنوبية لإيران هو النتيجة الرئيسة للصفقة.

ومع ذلك، تقول السفيرة ليف: “على الرغم من أن إيران تعتبر الإتفاقية تهديداً مباشراً، فمن غير المرجح أن تتخذ أي خطوات جريئة. لا أتوقع أن يتم توجيه أي شيء يتجاوز الخطاب اللاذع نحو أبوظبي. كما سيحرص قادة الإمارات على تجنّب أي أعمال يُمكن اعتبارها استفزازية”.

وأعرب دياكو حسيني، مدير برنامج الدراسات العالمية في مركز إيران للدراسات الاستراتيجية، عن وجهة نظر مماثلة: “لا أعتقد أنه سيكون هناك تغيير كبير في علاقات طهران مع أبو ظبي. ليس سراً أن تل أبيب وأبو ظبي تتعاونان في عدد من المجالات، بما فيها الإقتصاد والتجارة وحتى الأمن والاستخبارات”. ومع ذلك، أضاف حسيني، أن الصفقة قد تؤدي إلى “اتجاهٍ متناقض” بين المسؤولين في طهران. في حين أن ثقة هؤلاء المسؤولين في نوايا الإمارات العربية المتحدة قد تضرّرت أكثر، فقد يسعون إلى إقامة علاقات أوثق وأفضل مع جارتهم الأصغر “لمراقبة علاقاتها مع إسرائيل ومراقبتها بشكل أفضل”.

وجهات نظر مشتركة بين إسرائيل والإمارات حول إيران؟

بغض النظر عن الأرضية المشتركة بين أبو ظبي وتل أبيب عندما يتعلق الأمر بآرائهما الإستراتيجية بشأن طهران، فإن لديهما علاقات مُختلفة جذرياً مع إيران. تعتبر إسرائيل الجمهورية الإسلامية عدوّها اللدود، أما الإمارات فلا تعتبرها تهديداً وجودياً. وقد أثبتت أبو ظبي ذلك من خلال السير على خط رفيع لتجنّب استفزاز طهران، حتى في عادتها التقليدية المُتمَثّلة في الوقوف إلى جانب الرياض في القضايا الإقليمية.

كان هذا واضحاً في العام 2016 عندما استدعت الرياض سفيرها وقطعت علاقاتها الديبلوماسية مع طهران بعدما هاجمت مجموعة من المُتشدّدين سفارتها هناك. بينما حذت المنامة حذوها وأغلقت سفارتها أيضاً، اتبعت أبوظبي نهجاً أكثر حذراً، حيث استدعت سفيرها من طهران وخفّضت وجودها الديبلوماسي إلى مستوى القائم بالأعمال. لكن الأهم من ذلك أنها لم تقطع العلاقات مع إيران.

بدأت العلاقات بين الجانبين تتحسّن قبل عام عندما أعلنت الإمارات أنها أفرجت عن 700 مليون دولار من الأموال المُجَمَّدة لإيران. وأعقبت ذلك زيارة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن القومي الإماراتي، إلى طهران في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت. وفي وقت لاحق، وسط جائحة فيروس كورونا، أرسلت الإمارات دفعات من المساعدات الإنسانية إلى إيران المُتضرّرة من العقوبات. وفي آب (أغسطس)، أجرى كبار الديبلوماسيين من البلدين الخليجيين مُكالمة فيديو نادرة. بعد شهرين، في علامة أخرى على تحسن العلاقات، ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن طهران عيَّنت قنصلها العام في دبي كسفيرٍ جديد لها في الإمارات العربية المتحدة.

وفقاً للسفيرة ليف، فإن الاتصالات الأخيرة بين طهران وأبو ظبي “مُرتبطة أكثر بالولايات المتحدة وفشل إدارة ترامب في اتخاذ إجراءات واضحة رداً على الهجمات الإيرانية على الشحن والبنية التحتية للطاقة في الخليج خلال العام 2019”. وأشارت إلى هجوم أيلول (سبتمبر) 2019 على البنية التحتية النفطية السعودية في بقيق، وأضافت أن “الهجوم الإيراني على بقيق، على وجه الخصوص، كان مُقلقاً للغاية لجميع الحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي”.

ميزان القوى الإقليمي المستقبلي

على الرغم من أن علاقات إسرائيل مع دول الخليج العربي قد لا يكون لها تأثير فوري في التوازن الإقليمي، إلا أنها ستُوفّر لتل أبيب الفرصة لتقديم نفسها كلاعبٍ جديد يتنافس على النفوذ الإقليمي ضد طهران وحتى الرياض.

بينما يعتقد خبراء مثل السفيرة ليف أنه “لا يوجد تحوّلٌ في ميزان القوى الإقليمي حتى الآن”، فقد أشارت أيضاً إلى أن “ما تشهده المنطقة هو تشكيل تكتلات متعارضة نظرياً” مع المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة، ودول مثل تركيا وقطر وإيران، وهي ليست بالضرورة حليفة على جميع الجبهات، من جهة أخرى.

يتمتع التحالف الناشئ بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بإمكانية قوية لتغيير ميزان القوى الإقليمي لصالح إسرائيل. إن تطبيع العلاقات مع مجموعة من الدول العربية السنّية على الشواطئ الجنوبية للخليج العربي سيسمح لهذه الدول الصغيرة، ولكن الغنية في الغالب، بالإعتماد على لاعبٍ إقليمي جديد خارج الخيار التقليدي بين المملكة العربية السعودية وإيران. بينما يُنظَر إلى هذه الصفقة في المقام الأول على أنها إجراءٌ إسرائيلي وعربي ضد إيران، فقد تكون لها عواقب غير مقصودة عندما يتعلق الأمر بنفوذ المملكة العربية السعودية الإقليمي أيضاً. لقد سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الدوام إلى توسيع العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية بين الدولة العبرية والدول العربية لتقليل عزلة تل أبيب في الشؤون الإقليمية. مع وجود اتفاقات ديبلوماسية أخرى قيد الإعداد، بعد تلك التي وُقِّعت مع السودان في 23 تشرين الأول (أكتوبر)، قد تكون إسرائيل في وضع جيد للتأثير بشكل غير مباشر في القرارات المهمة المُتَّخذة في جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي. ويُمكن لهذا التأثير أن يُغيّر بسهولة ميزان القوى الإقليمي من خلال تقويض هيمنة المملكة العربية السعودية بشكل فعّال على الدول العربية الأصغر في دول مجلس التعاون الخليجي وتقليل نفوذها الأوسع بين الدول الإسلامية بشكل عام.

  • مَيسَم بزير هو مُحلّل ومُعلّق سياسي يُركز في الغالب على سياسة إيران الخارجية وسياستها واقتصادها. يُساهم بشكل متكرر في عدد من وسائل الإعلام الدولية ومراكز الفكر في الولايات المتحدة. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @m_bizar. الآراء الواردة في هذا المقال تمثّله وهي آراؤه الخاصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى