أَنتُم مع ترامب … أم مع بايدن ؟

بقلم عرفان نظام الدين*

شَهَدنا سخافاتٍ كثيرة في أيامنا، منها المُضحك ومنها المُبكي، كان أكثرها استغراباً وتَعجُّباً وليس إعجاباً، دخول العرب في معارك وهمية عند وقوعِ أيّ حدثٍ قريب أو بعيد بسبب الإنحياز إلى فريقٍ من الفرقاء، وبلوغه مرحلة الحدّة والتعصّب والإشتباك مع كلِّ مَن ينحاز إلى فريقٍ آخر.


من حيث مبدأ التسلية ليست هناك أية مشكلة، لكن أن يصل الأمر إلى حدِّ التفرقة والشجار يصبح الأمر ضاراً كأنّه لا يكفينا ما نحن فيه من أزماتٍ وحالات توتر وانقسامات . والمؤسف أنه ما من أحدٍ في العالم يلتفت إلينا، أو يهتم برأينا في أحداثه. ففي الرياضة مثلاً، وبالتحديد في مباريات كرة القدم المحلية والدولية، يشتدُّ التوتر ويبلغ التعصّب أقصاه بين مؤيدي هذا الفريق أو ذاك. ويبلغ أشدّه يوم المواجهة لا سيما في البطولات الدولية، حيث تنقسم الجماهير، ويُجاهر كل فريق بانه مع برشلونة أو ريال مدريد (الإسبانيين)، أو بين تشيلسي ومانشستر يونايتد (الإنكليزيين)، وتُرفَع اللافتات والصور والأعلام، وتُقرَع الطبول، وتتصاعد الهتافات والتحدّيات والزكزكات وتنتهي المباريات بمُنهَزِمٍ مجهول ومُنتَصرٍ وهمي.


ويبلغ الأمر حدّ الخطر عندما ينتقل الصراع الى المنازل، فتندلع المشاكل وتصل الى حد العنف بين الأخوة، والرجل وزوجته، لا سيما عند انحيازها إلى الفريق المنافس.لفريق زوجها، أوعندما تتحدّث بصوتٍ عالٍ، أو تهتف لفريقها ل”زكزكة” زوجها، فيبلغ الغضب مرحلة الخطر، وينتهي بالخصام والحَرَد، وفي بعض الحالات الجنونية يصل إلى الطلاق.


لا أُبالغ في هذا الوصف لأن هذه الممارسات تحدث في ظلّ أوضاعٍ معيشية مُزرية، من فقرٍ وبطالة وظلمٍ وحروبٍ وأوبئة توَّجَتها جائحة كورونا الشريرة، وكأن شيئاً لم يكن. لكن المُضحك المُبكي يكمن في أن كلّ هذا التوتر والتعصّب والإنحياز لا يهتم به أحد من الفرق أو الدول. وما من فرق عربية وصلت الى البطولة، والتي وصلت بصعوبة أُخرِجَت من الجولة الاولى، ولم تحقق إنجازاً في أي مجال باستثناء حالات نادرة وفردية.


والأمر نفسه ينطبق على السياسة والمعارك الإنتخابية في العالم التي لم نذق طعمتها، ولم نعرف شكلها، ولم نفرح مرة بصورةٍ تجمع بين الفائز والمهزوم، أو برؤية زعماء سابقين يعيشون في نعم الحرية، ويُقابَلون باحترامٍ وتكريم، فالعرب يُصفّقون للحاكم ويُجَدِّدون له وكفى الله المواطنين شر الحرية والإنتخابات والتداول في الحكم .


وها نحن نشهد اليوم ذروة التنافس الديموقراطي في انتخابات الرئاسة الأميركية، ونرى مُرَشَّحاً مُعارضاً يُنافس رئيس البلاد ويكشف سيئاته، ويُوجّه إليه الإتهامات من دون أن يُعتَقَل أو يُقتَل، فيما الشعب يتوجّه بهدوء لممارسة حقه الإنساني الذي حُرِمنا منه مع حزمة من الحقوق .


ورغم الشوائب والإنتقادات ومواقف الرئيس دونالد ترامب وإهانته لمنافسه جو بايدن، فإن المشهد كان رائعاً والنتائج من المرجّح أن تُعلن غداً، ويُفترَض ان يُهنّئ الخاسر الفائز الذي سيتولى قيادة الدفة لاربع سنوات مقبلة، إلّا إذا كانت النتائج لصالح بايدن واعترض عليها ترامب بشبهة التزوير ليرفض مغادرة البيت الابيض بانتظار حكم المحكمة العليا التي عيّن الرئيس الأميركي أحد أعضائها (القاضية إيمي كوني فيفيان باريت) قبل أيام مُستَبقاً الأحداث.


كلُّ هذا يجري ونحن نتلهّى بسؤال لا تلتقي بإنسان إلّا ويسألك إياه: أنت مع ترامب أو مع بايدن؟ كأنَّ هناك في الشرق أو في الغرب مَن يهتم لراينا، أو يكترث بمواقفنا، أو يستمع الى تحليلاتٍ نُطلقها في الفضائيات، أو في المقاهي، وننقسم إلى فريق يُفضّل عودة ترامب لأنه سيُمارس مهامه فوراً، ويتّخذ مواقف أفضل لانه لم يعد بحاجة للصوت الصهيوني، بينما يَعتبر فريقٌ آخر أن بايدن أفضل لأنه سيكون أقرب للعرب وسيلغي قرارات ترامب .


ومع احترام كل رأي، فإن علينا القول أننا عانينا الأمَرَّين من الأحلام، وتكرّرت خيباتُ أملنا من كلِّ مَن رحَّبنا بصعوده، ومن خياراتنا بين السيئ والأسوأ. وباختصار شديد فان الدول الديموقراطية لا تُغيِّر سياساتها، فالاستراتيجية العامة ثابتة من رئيس الى رئيس، وما يَتغيّر هو الأسلوب وطريقة إدارة البلاد، أما السياسة الخارجية فهي سياسة قامت على الدوام على تغليب مصلحة اسرائيل ودعمها.


هذه هي الحقيقة المُرَّة التي علينا ان نتعلّم دروسها ونحن نتلهى بسؤال: أنتَ مع ترامب أم مع بايدن، والله يسترنا من الأسوأ؟

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحَلّل سياسي. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى