تطبيعٌ سريع … ومَوتٌ بطيء؟

بقلم عرفان نظام الدين*

نشهد هذه الأيام سباقاً محموماً بين معركة الرئاسة الأميركية التي ستجري في ٣ تشرين الثاني (نوفمبر) ومسيرة التطبيع العربي بالإكراه مع إسرائيل، وفرض الضغوط وفق سياسة العصا والجزرة، مع أننا نعرف ان المُطَبِعين لن يحصلوا على جزرة واحدة بل ستُلاحقهم العصا طوال حياتهم.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب أَخَذَ على عاتقه إخضاع العرب وحملهم على الرضوخ لمخططاته الخبيثة منذ بداية عهده، واتّخذ خطواتٍ وقراراتٍ ظالمة عدّة من دون خجلٍ ولا تقديم ولو جزرةٍ سلامٍ واحدة عندما أقرّ ضم القدس الشريف ومن ضمنها المسجد الاقصى المبارك، وضم مرتفعات الجولان السوري المحتلة، وبعدها الضفة الغربية بمستوطناتها ومُجمَل أراضيها العربية أباً عن جِدّ والمُعتَرَف بها دولياً وفق قرارات الشرعية الدولية وبوثائق تُثبت الرعاية الاميركية لها.

وقبل أيام من الموعد المحتوم أخذ السباق طابعاً جنونياً يهدف منه ترامب تحقيق هدفين الفوز في المعركة ضد منافسه جو بايدن بالترويج لإنجازاته حول دعم إسرائيل، والتفاخر بأنه الوحيد الذي حقّق كل ما يؤدي الى دعم الدولة العبرية في ضم الأراضي العربية، والمضي قُدُماً في مخططات التوسّع والسيطرة على الدول العربية لتُصبح القوة المُهَيمنة على المنطقة. وهناك هدفٌ آخر وهو دعم حليفه الفاسد بنيامين نتنياهو المُهَدَّد بالسقوط في الإنتخابات الإسرائيلية العامة التي يخشى ان يخسر فيها ويدخل الى السجن بسبب جرائم جنائية ارتكبها.

أما الهدف الخبيث الأكبر فيتمثّل في ترسيخ الأمر الواقع، مهما كانت نتائج الإنتخابات، ليكون ترامب قد رتّب الأمور وسهّل لإسرائيل أهدافها التوسّعية، لأن مَن يقف وراءه ويدعمه هم أصحاب استراتجية صهيونية ثابتة وجدوا في الرئيس الأميركي ضالتهم وهدفهم الذي لن يجرؤ أيّ رئيس آخر على الإقدام على هذا الخرق لمبادئ الشرعية الدولية والقرارات التي تُهدد المصالح الأميركية.

وبكل أسف فإن دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين سقطتا في طريق وعر يعترف بإسرائيل، وتعملان على تطبيق التطبيع بتسرّع من دون أي حسابٍ للنتائج والأخطار. كما نحجت الضغوط والإغراءات في حمل السودان على القبول بالتطبيع بعد رفع العقوبات عنها، إضافة الى ضغوط أُخرى تُمارَس على لبنان ليقبل بمفاوضات ترسيم الحدود بالتلويح بالعقوبات.

ولا يخفى أن الضغوط التي تُمارَس على المملكة العربية السعودية لم تتوقّف لحظة، لكن الظروف المُتشابكة لم تسمح بالمضي قُدُماً مع الدول الأخرى، خصوصاً وأن الملك سلمان بن عبد العزيز ما زال يُعلن رفضه لأي تطبيع ويتمسّك بمبادرة السلام العربية الموحّدة وسط مخاوف من تعرّضه للأذى من قبل مؤيدي التطبيع.

وما نشهده اليوم من تطبيع سريع بين الإمارات والبحرين والسودان وإسرائيل يُثير الشبهات، فالقرارات غير مدروسة والإجراءات من إلغاء التاشيرات إلى المشاركة في مشاريع استثمار تُثيرُ المخاوف من هيَمَنة الدولة العبرية في مجالات عدة، وتعريض مصالح مئات الآلاف من المواطنين والمُقيمين العرب ووضعهم أمام مخاطر الموت البطيء والتشرّد.

إنها مُعادلة مُؤلمة ومُحزنة نأمل ان يلتفت إليها أصحاب الشأن ليُصحّحوا أخطاءهم، ويعودوا إلى طريق الصواب والمصلحة العربية ونصرة الشعب الفلسطيني المظلوم.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي. كان رئيساً لتحرير صحيفة الشرق الأوسط السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى