كيف انتهى المطاف بسعد الحريري للترشّح لمنصب رئيس وزراء لبنان؟

بقلم مايكل يونغ*

قد يتمّ تكليف سعد الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، بتشكيل الحكومة يوم الخميس لملء الفراغ الذي استمر منذ أوائل آب  (أغسطس). الديناميكيات التي أدّت إلى هذه اللحظة إنطلقت من مقابلة تلفزيونية بارزة مع الحريري قبل أسبوعين تقريباً.

في تلك المقابلة، أرسل الحريري عدداً من الرسائل – بعضها صريحٌ والبعض الآخر عفوي لا شعوري. توقّع كثيرون منه أن يقول إنه لن يكون مرشحاً لرئاسة الحكومة، كما أشار في مناسبات عدة سابقاً منذ استقالته في أعقاب الإحتجاجات الشعبية في تشرين الأول (أكتوبر) 2019.

لكنه هذه المرة  أصرّ على أنه المُرَشّح الطبيعي لهذا المنصب. وعلى الرغم من أنه لم يُكلِّف نفسه عناء التأكيد رسمياً على أنه سيترشّح، فقد بدا الأمر واضحاً للغاية. كما بدا أن إعلانه يعكس تحوّلاً في موقف داعميه الإقليميين.

لفترة طويلة، لم تكن المملكة العربية السعودية سعيدة لأنه ظهر وكأنه الرجل الأمامي لنظامٍ، كما تعتقد، يُسيطر عليه “حزب الله” إلى حدٍّ كبير.

مع ذلك، أشار المسؤولون الديبلوماسيون السعوديون في بيروت أنه لا يوجد اعتراض على ترشيح الحريري، طالما أنه عاد إلى منصبه ببرنامج واضح للتنفيذ.

وبالمثل، يُشير موقف الحريري أيضاً إلى تحوّلٍ مُحتَمَل في واشنطن، حيث، وللأسباب عينها للرياض، كانت إدارة ترامب غير مُتحمّسة لعودة الحريري.

لكن في أعقاب إعلانه، أعلن مسؤولون أميركيون دعمهم لتشكيل حكومة لبنانية بسرعة، مُعترفين بأنهم لم يعترضوا على عودة رئيس الوزراء السابق.

ماذا حدث؟ كان الحريري يتمتّع بدعمٍ فرنسي قوي وأعلن أن لديه برنامجاً لتنفيذه: المضي قدماً في خطة الإصلاح الاقتصادي التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بيروت في أيلول (سبتمبر) الفائت. في ذلك الوقت، كان ماكرون يأمل في تشكيلٍ سريع لحكومة تكنوقراط لتنفيذها، لكن هذا الأمل خرج عن مساره بسبب الخلاف بين “حزب الله” وحركة “أمل” من جهة والحريري من جهة أخرى.

لكن في أعقاب هذه الإنتكاسة، عاد وأكد جميع الأفرقاء مُجدَّداً أنهم يريدون إنجاح الخطة الفرنسية، الأمر الذي ترك الباب مفتوحاً للحريري لإلقاء قبعته في الحلبة، بتشجيع فرنسي.

رحّب الثنائي الشيعي بهذه الخطوة، لأنها يُمكن أن تُهدّئ التوترات الطائفية وتُجنّب احتمال اضطرارهما إلى تشكيل حكومة فاشلة أخرى تُعارضها غالبية اللبنانيين، على غرار حكومة رئيس الوزراء المستقيل حسان دياب.

كانت هناك رسالتان ضمنيتان في مقابلة الحريري. في البداية، توجّه إلى الطبقة السياسية، وأخبر جميع الأطراف بضرورة قبول عودته على رأس حكومة تكنوقراط من أجل تجنّب التفكك الكامل للإقتصاد اللبناني. بعبارة أخرى، كان الحريري يقترح حلاً يُنقذ السياسيين من عواقب هذا الإنهيار.

والثانية، توجّه الحريري إلى حليفيه السابقين، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط ورئيس “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع، اللذين رفضا دعم عودته في الماضي، وكان قاسياً في التلميح إلى أنه بدعمهما أو بدونه، سيُشكّل حكومة مع “حزب الله” وحركة “أمل”.

التعقيد القوي هو أن كلاهما، ممثلين لأقليتين، ليست لديهما مصلحة في معارضة اتفاق بين الأحزاب السنية والشيعية الرئيسة.

في 16 تشرين الأول (أكتوبر)، كان من المقرر أن يجري الرئيس ميشال عون مشاورات نيابية لتعيين رئيس للوزراء. ولكن عندما  أدرك عون أن الحريري سيتم تكليفه، وأن صهره جبران باسيل لن يكون له رأي في الأمر، فقد أخّر المشاورات حتى 22 تشرين الأول (أكتوبر). وبهذه الطريقة سعى إلى كسب الوقت لباسيل لتأمين حصته في حكومة الحريري الجديدة.

باسيل والحريري مختلفان، وأحد الشروط التي كان وضعها رئيس الوزراء السابق لتولي المنصب كان أن وزارة الطاقة لن تكون من حصة باسيل وتحت سيطرته. إن طموح باسيل هو أن يصبح رئيساً للجمهورية، ويُمكنه استخدام هذه السيطرة كرافعة لتأمين دعم الحريري لترشيحه. ولكن، يُعَدُّ إصلاح الوزارة أيضاً جانباً مركزياً في خطة ماكرون، لذا كانت أولوية الحريري دائماً منع عودة باسيل أو أحد من قبله.

ما تغيّر هو أن “حزب الله”، الذي دعم باسيل في كثير من الأحيان ضد الحريري، يبدو أنه غير راغب في القيام بذلك هذه المرة. ويرجع ذلك جزئياً إلى رغبة الحزب في تجنّب الإنهيار الإقتصادي الكامل الذي قد يُهدّد إستقرار لبنان وبالتالي دوره المهيمن فيه. كما يعود أيضاً إلى أن أولوية “حزب الله” اليوم هي الحفاظ على الوحدة السياسية الشيعية، وبالتالي الوقوف إلى جانب ألدّ منافس لباسيل، رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وجزئياً أيضاً، يرجع ذلك إلى أن “حزب الله” يريد الحفاظ على العلاقات السنية الشيعية في لبنان في وقت يشهد تقلبات إقليمية وعشية الإنتخابات الأميركية. الوقت وحده هو الذي سيُحدّد ما إذا كانت مقامرة الحريري ستنجح ويمكن للبنان أن يتخذ خطوات نحو صفقة مع صندوق النقد الدولي. في الوقت الحالي، يبدو أن الضحية السياسية لهذا الإجماع هو جبران باسيل. إذا كان الإصلاح هو الطريق الوحيد للطبقة الحاكمة للحفاظ على الذات، فقد يشهد لبنان المزيد من التغيير مما كان يبدو غير ممكن.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كَتَبَ الكاتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى