الأصدقاء والأعداء وتَيس زهران

بقلم عرفان نظام الدين*

تعلّمنا الكثير من الأدعية والحكم من الأجداد والآباء وبَقِيَت حتى يومنا هذا وستبقى على مرّ الدهر، من بينها دعاء “اللّهم نجّني من أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيلٌ بهم”. نعم تعلّمنا وحفظنا ولكننا لم ناخذ الدروس والعِبَر من هذه الحكم التي تنطبق علينا وعلى حياتنا الشخصية والعامة، ولم تُفرّق بين خطر الأعداء وخطر الأصدقاء إذا انقلبوا الى أعداء لغايات في نفوسهم، أو عن جهلٍ وغباء وتسرّع، والتصرف بما لا يفيد ولا يحلّ المشاكل. بل إن بعض الممارسات قد تقود صاحب العلاقة إلى الخطر أو حتى إلى الموت كما جاء في القصة المعروفة عن دبٍّ وفي رأى ذبابةً تحطّ على رأس صاحبه النائم فحمل حجراً وهوى به على الذبابة فطارت لكن جمجمة الرجل تحطّمت.
وشهد العرب على مر العصور حملات وحروباً وأزمات مع أعداءٍ مرّات، ومع أصدقاء أو مُدَّعي الصداقات مرّاتٍ أخرى. وكم تقرّب منهم القاصي والداني من الزعماء والقادة والسياسيين من دول أجنبية عارضين خدماتهم، فصدّقوهم وسلّموهم مقاليد أمورهم فتحوّلوا مع الأيام إلى أصحاب البيت يأمرون وينهون وينهبون الثروات، ويُحقّقون مطامعهم. وهذه الأيام نشهد زحفاً مُستمرّاً من الأصدقاء والأعداء طالبين الود وعارضين الدعم من هذه الجهة أو تلك، ثم يُفاجأ العرب بالواقع ناسين المبدأ الأول في السياسة الدولية وهو “ليست هناك صداقات دائمة ولاعدوات دائمة بل هناك مصالح دائمة”.
وأكثر قصة مُعبّرة عن هذا الأمر وصلتني عبر ال”واتساب” وجاء فيها: دخل تَيس إلى الغرفة وكان الأب يتعشّى مع أولاده، فقال لابنه الأكبر: قم يا زهران أُربط التَيس بسرعة كي لا يعفسنا. فقام زهران ومع تسرّعه ضرب رأسه في “لمبة ” فكسرها، فعمّت العتمة، ثم تحرّك بسرعة فضرب قدمه بالمائدة فقلب الطعام وسقط على الأرض. فقفز زهران مُتجَنِّباً دَوسه فوقعت رجله اليسرى في بطن الأب وأصابت اليُمنى جبهته، فصرخ الأب ونادى على أولاده: ياعيال اتركوا التَيس واربطوا زهران.
وكم من زهران في حياتنا يُحاول أن يخدمنا أو يدّعي ذلك، أو يتطوّع لمساعدتنا بأسلوب خاطئ ومُتسرّع فيُسبّب لنا مشاكل، و”يُوَدّينا  في ستين داهية” من دون ان نُفكّر يوماً بالحرص على مصالح العرب قبل مصالح الآخرين، ولا “يربط” مَن يُهدّد الصداقة والإلتفات إلى حماية مصالح العرب ببذل الغالي والرخيص، واتباع الأسلوب الرادع والحكيم .

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي. كان رئيساً لتحرير صحيفة الشرق الأوسط السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى