مُلاحظات عابرة

بقلم راشد فايد*

بعد أسابيع من توقيع إسرائيل إتفاقياتٍ لتطبيع العلاقات مع كلٍّ من الإمارات والبحرين بوساطة أميركية، وبعد أسابيع مُماثلة من خطاب تقريعٍ مُمانع إضافي للأمين العام لـ”حزب الله”، كاد ينكر فيه، على الدولتين، عروبتهما، إنبرى شريكه في التحالف الشيعي، رئيس “حركة أمل”، رئيس مجلس النواب نبيه بري، ليزفّ “بُشرى” التفاهم مع إسرائيل، ذاتها، على اتفاقِ إطارٍ لترسيم الحدود البحرية ولاحقاً البرية. اللافت، أن الأمين العام لا تنقصه مناسبات لتبرير إطلالة على “البيئة الحاضنة” يشرح فيها موقفه، في مناسبة يبتدعها غب الطلب، على طريقة انتخابات ملكات الجمال في لبنان قبل العام 1975، حين كانت للتفاح ملكة، ومثلها للكرز والعنب، وغيرها الكثير.

لا ضرورة للسؤال عن صمت إيران، ولا عن صمت القبور الذي يلتزم به الصدّاحون بالممانعة من “خبراء استراتيجيين” ومُحلّلين صحافيين، مِمَن ينهلون من معجم السبّ والشتم، ويحيون الموقف القومي العربي بمالٍ فارسي.

ليست في الأمر شماتة بانكشاف حدود لعبة العداء لإسرائيل، بل تذكيرٌ بأن التبكير كان يُمكن أن يكون مفيداً، لأن “حسن النيات” لم يغب يوماً عن جهتي الحدود منذ حرب تموز (يوليو) 2006، فالجنوب اللبناني عاش مذّاك ما عاشته هضبة الجولان من هدوءٍ واستقرار، تحت عنوان التحضير للحرب في وقت مناسب. وكما استغل نظام بشار الأسد عنواناً جاءه من مصر هو لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ليفرض ديكتاتوريته اتخذ الحزب تسمية “المقاومة” رداءً ليُسيطر على البلاد والعباد، ويسلبهم حريتهم، وليؤلَّه قادته وناسه، ويُميزهم، كجماعة، عن الآخرين، بقدسية زائفة.

قد يكون في الإتفاق الجديد، واتفاق الهدنة الموقع في العام 1949، ما يُذكّر بأن من سلطة الدولة اللبنانية وقواها العسكرية والأمنية، وكذا المؤسسات الشرعية، أن تُدير شؤون البلاد، وتمحو نهج التفلّت والتسلّط، ودور “قبضاي الحي” الذي لعبه حزب الأمين العام في المنطقة العربية. وفي ذلك منطق، لا سيما أن أهل المُمانعة المُتهالكة يُروّجون أن الموافقة على الترسيم لم تأتِ تحت ضغط العقوبات، بل حماية لمصالح الوطن، أفلا يجدر بهذه الغيرة أن تبلغ حد إنقاذ الدولة؟

اللافت في الإتفاق أنه سيتبع بترسيم الحدود البحرية، فيما تسرّبت معلومات عن مفاوضات مع اسرائيل على مزارع شبعا، وتهتم روسيا بالتطنيش السوري، بينما “صفقة العصر” ستكون الشغل الشاغل للإدارة الأميركية تحت أي قيادة. فهل يُلَبنِن الحزب نفسه قبل أن تأمره ايران من ضمن الصفقة الآتية؟

ملاحظة لا بد منها: من أين لرئيس مجلس النواب سلطة التفاوض، باسم الدولة اللبنانية؟ وهل يقول الدستور بذلك؟ وهل إيكال المهمة له (من أي سلطة) كان لكونه أكثر وطنية من غيره؟ وما هي المعجزة التي أتى بها ولم يكن لغيره أن ينجزها؟ أم أن توليه الأمر يحول دون تحرك جماعته في الشارع؟ أم في الأمر حسن سلوك بعدما وصلت موسى العقوبات إلى الوريد؟

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى