كيف غيّر “كوفيد-19” الإستهلاك في وسائل الإعلام التقليدية والرقمية؟

يبدو أن العالم سيكون بعد جائحة كورونا المستجدّة غيره ما قبل الجائحة حتى بالنسبة إلى وسائل الإعلام التقليدية والرقمية وطريقة استهلاكها.

الإنتنرنت: إرتفع عدد الذين يستخدمونها للحصول على المعلومات خلال الجائحة

بقلم سمير الحلو*

أدّت جائحة فيروس كورونا المُستَجِدّ إلى زيادةٍ مُستمرّة في استهلاك وسائل الإعلام، حيث يسعى الناس في جميع أنحاء العالم إلى البقاء على اطِّلاعٍ دائمٍ على أخبار الأزمة المُتغيّرة بسرعة. وهذا يؤدي إلى تغيير المشهد والوضع بالنسبة إلى المُعلنين في الأسواق المُتقدّمة والناشئة على حد سواء، بالإضافة إلى منح الشركات الإعلامية فرصةً للإستفادة من الإنخراط المُحسَّن.

على الصعيد العالمي، شهدت الأشهر الأولى للوباء زيادة كبيرة في مقدار الوقت الذي يقضيه الناس في الوصول إلى المعلومات حول الأحداث الجارية.

لقد وجد تقريرٌ صادر عن شركة “نيلسِن” (Nielsen) لتحليلات البيانات في حزيران (يونيو) أن الأفراد في الولايات المتحدة أمضوا في شهر آذار (مارس) وقتاً إضافياً بنسبة 215٪ في قراءة الأخبار على الإنترنت مُقارنةً بالشهر عينه من العام الفائت. وكان هذا الرقم 180٪ في إيطاليا و 125٪ في تايلاند و 78٪ في اليابان و 52٪ في أوستراليا.

كما زاد استهلاك التلفزيون. في أوائل آذار (مارس)، شاهد الإندونيسيون ما معدله 180 دقيقة من التلفزيون يومياً، وهو رقم ارتفع إلى 209 دقائق بحلول نهاية الشهر.

وقد تَوَازَى هذا الاتجاه في الأسواق الناشئة الأخرى، حيث ارتفع استهلاك التلفزيون على مدار آذار (مارس) من 208 إلى 307 دقيقة يومياً في ماليزيا، ومن 173 إلى 230 دقيقة في الفلبين، ومن 215 إلى 248 في المكسيك، ومن 125 إلى 145 دقيقة في تايلاند.

الفرص الناشئة

على الرغم من أن الوباء قد عطل تدفقات الإيرادات التقليدية، إلّا أن الجماهيرالشديدة التفاعل تُوفّر فرصة لشركات الإعلام لتوسيع قاعدة المشتركين لديها، وللمُعلنين لتوسيع مدى وصولهم.

“كما هو الحال مع العديد من الصناعات في جميع أنحاء العالم، تغيّر نموذج الأعمال الخاص بصناعة الإعلام بشكل كبير خلال الوباء”، قال سعد زغلول من ديلي نيوز إيجيبت ل”أسواق العرب”. وتابع: “بينما انخفضت الإشتراكات، نمت حركة المرور عبر الإنترنت وعائدات الإعلانات الرقمية، كما المشاركة المُرتبطة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي”.

من ناحية أخرى، صدر استطلاع المنتدى الإقتصادي العالمي في نيسان (إبريل)، والذي شمل 9,100 مشارك من الصين وألمانيا والهند وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، ووجد أنه بينما دفع 16٪ فقط من المُستجيبين مقابل محتوى إخباري في ذلك الوقت، قال 53٪ إنهم سيفكرون بالقيام بذلك في المستقبل.

على وجه الخصوص، شهد الإعلان الرقمي نمواً ملحوظاً. على سبيل المثال، تتوقع المجموعة التجارية ” مكتب الإعلان التفاعلي” (Interactive Advertising Bureau) أن تزيد مبيعات الإعلانات الرقمية في الولايات المتحدة بنسبة 6٪ في العام 2020.

ومن المُحتمل أن ينعكس هذا الاتجاه في الأسواق الدولية. يتوقع “مركز أبحاث الإعلان العالمي” في لندن أن الإعلان الرقمي سوف يتفوّق على المنافذ التقليدية، مُتوقّعاً زيادة عالمية في الإنفاق الإعلاني على وسائل التواصل الاجتماعي (9.8٪)، ومقاطع الفيديو عبر الإنترنت (5٪) وعمليات البحث عبر الإنترنت (0.9٪).

يأتي النمو في الإعلان الرقمي على الرغم من التوقعات بحدوث انخفاض عام في الإنفاق الترويجي في العام 2020 حيث يتبنّى العديد من الشركات نهجاَ حذراً في بيئة غير مؤكدة ويُخيّم عليها عدم اليقين.

بشكل عام ، يتوقع مركز أبحاث الإعلان العالمي أن تشهد المنافذ الإعلامية الدولية انخفاضاً بنسبة 16.3٪ في عائدات الإعلانات هذا العام.

التحوّل إلى البث

مع الأرباح المُتأثّرة بالوباء، تتطلّع مجموعات وسائل الإعلام والتكنولوجيا إلى تنويع مصادر الإيرادات وجذب المُستخدمين إلى الخدمات القائمة على الإشتراك مثل البث، وبالتالي الإستفادة من مصدر المحتوى الشائع بشكل متزايد.

وكانت “غوبلاي” (GoPlay)، خدمة بث الفيديو لتطبيق “غوجيك” (Gojek) الإندونيسي المُتعدّد الأغراض، أعلنت في حزيران (يونيو) أنها حصلت على تمويل من “غولدن غايت فنتشِرز” (Golden Gate Ventures) السنغافورية وشركة الإستثمار الصينية “زي دبليو سي بارتتنيرز” (ZWC Partners).

على الرغم من أن المبلغ الإجمالي لم يتم الكشف عنه رسمياً، فقد أفادت وسائل الإعلام الإقليمية عن تمويل بنحو 15 مليون دولار. وقد رأى البعض هذا التطور على أنه تصويت ثقة في “غوبلاي”، التي تم إطلاقها في أيلول (سبتمبر) من العام الفائت.

في مكان آخر، توسّعت شركة الإتصالات “إيرتال نيجيريا” (Airtel Nigeria) في خدمات التلفزيون في كانون الثاني (يناير) بعد إطلاق منصة “إيرتال تي في” (Airtel TV)، ومن المتوقع الآن أن تنمو هذه الخدمة استجابة للتغيّرات المرتبطة بالوباء في سلوك المستهلك.

تتوسّع تكتّلات الوسائل الإعلامية الكبيرة أيضاً في البث. في أواخر أيار (مايو)، قدمت شركة “إتش بي أو” (HBO) العملاقة للكابلات المُتميزة في الولايات المتحدة خدمة البث المباشر “إتش بي أو ماكس” (HBO Max)، وحذت شبكة التلفزيون الأميركية “أن بي سي” (NBC) حذوها في منتصف تموز (يوليو) مع “بيكوك” (Peacock).

أشارت ألِكسيا كندراني، رئيسة أبحاث الأسهم الإعلامية الأميركية في مركز أبحاث بنك جي بي مورغن، في تقرير صدر في أيار (مايو): “لقد حدث تحوّل دائم من منصة خطية إلى منصة رقمية. تقوم جميع شركات وسائل الإعلام التقليدية الآن بتقييم ما إذا كانت ستبني قدراتها الداخلية بنفسها أو تشتريها من الخارج”.

تُشير الأمثلة الحديثة في الولايات المتحدة إلى اتجاه التكتلات لإضافة خدمات البث من خلال عمليات الاستحواذ. في كانون الثاني (يناير) 2019، استحوذت “فياكوم سي بي أس” (ViacomCBS) ومقرها الولايات المتحدة على “بلوتو تي في” (Pluto TV)، وهي خدمة بث مدعومة بالإعلانات. بعد أكثر من عام بقليل، استحوذت شركة “كومكاست” (Comcast) الأميركية للإتصالات والترفيه على “كزومو” (XUMO)، وهي خدمة تلفزيونية عبر الإنترنت ذات المستوى العالي مقرها أيضاً في الولايات المتحدة.

بشكل عام، يعكس التحوّل نحو البث والخدمات الرقمية ما يُسمى بالطبيعي الجديد، حيث يشعر الناس بالقدرة على مزج الأساليب المختلفة للعمل والحياة والترفيه.

قال مارك بارنيت، الرئيس التنفيذي لخدمة البث المباشر “إيفليكس” (iflix) ومقرها ماليزيا: “أعتقد أننا سنعيش في عالم ما بعد الوياء مُختلف تماماً، والذي سيشمل قدراً أكبر من المرونة بشكل كبير. هذا النوع من المرونة يتدفق إلى إحساس أوسع بالحرية، والذي سيُحدّد كيف يرغب الناس في استهلاك الترفيه”.

إذا استمرت أنماط الاستهلاك الجديدة هذه، فإن الإنتقال نحو خدمات الوسائط الرقمية والتحوّلات المقابلة في الإنفاق الإعلاني سيتوحّد في المدى الطويل.

  • سمير الحلو هو صحافي لبناني من أسرة “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى