هل يُخطّط مُحمّد دحلان للعودة بمساعدة الإمارات لمنافسة محمود عبّاس؟

بعد توقيع دولة الإمارات العربية المتحدة إتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل بدأت الشائعات تنتشر بأن محمد دحلان، الذي تربطه علاقات وثيقة بأبو ظبي، سيعود لمنافسة محمود عبّاس على زعامة السلطة الفلسطينية وحركة “فتح”. 

الرئيس محمود عباس واسماعيل هنية: هل يسمحان بعودة محمد دحلان؟

بقلم فريدا غيتيس*

بعدما خرجت الإمارات العربية المتحدة والبحرين عن الإجماع العربي وأقامتا علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، ظهرت مؤشرات فعلية على تزايد التوترات في الأراضي الفلسطينية. محمود عباس، المُتربّع على رئاسة السلطة الفلسطينية في رام الله منذ فترة طويلة، يحاول على ما يبدو منع حدوث تحدٍ مُحتَمَل لقيادته من خصم قديم. القوى الموالية لعباس بدأت تلتفّ حول محمد دحلان، الذي كان ذات يوم لاعباً قوياً في منظمة “فتح” الحاكمة التي يتزعّمها عباس، والذي يعيش الآن في المنفى في الإمارات. وكان له مع عباس خلافٌ دراماتيكي منذ ما يقرب من عقد من الزمان.

وبحسب تيار الإصلاح الديموقراطي، وهو فصيلٌ من حركة “فتح” موالٍ لدحلان، فقد اعتقلت قوات الأمن في الأيام الأخيرة العشرات من أعضائه في أنحاء الضفة الغربية، من أريحا إلى رام الله. من جانبها لم تُعلّق السلطة الفلسطينية على ذلك، لكن الإعتقالات هي أكثر التطورات الملموسة في دوامة المكائد التي أعقبت إعلان آب (أغسطس) عن قيام الإمارات وإسرائيل بإعلان العلاقات بينهما. ووجّه اتفاقهما إلى جانب اتفاق البحرين ضربة قاصمة للاستراتيجية الفلسطينية القائمة على الإعتماد على دعم الدول العربية لحرمان إسرائيل من التطبيع حتى يتم حلّ الصراع مع الفلسطينيين.

في حين أن جامعة الدول العربية فشلت في إدانة اتفاقات إبراهيم الثلاثية، كما أطلقت عليها إدارة ترامب، شجب الفلسطينيون كل ذلك باعتباره خيانة، من قبل الإمارات في المقام الأول. بالنسبة إلى حركة “حماس”، المُنافسة اللدودة لمنظمة “فتح”، كان ذلك دليلاً على أن “فتح”، التي تسيطر على السلطة الفلسطينية حيث تتمتع بحكم محدود على الضفة الغربية، مُخطِئة في التمسّك بحلٍّ تفاوضي مع إسرائيل. لكن الإنعكاسات الأكثر إثارة للإهتمام قد حدثت داخل “فتح” نفسها، وتركّزت على الدور المُحتمَل لدحلان قبل وبعد توقيع الإتفاقية.

كان دحلان فاعلاً دائماً في العالم البيزنطي للسياسات العربية الداخلية والفلسطينية. لكن عباس تفوّق عليه، وصار زعيماً ل”فتح” بعد وفاة ياسر عرفات في العام 2004، لكنه ما زال يحتفظ بقاعدة دعم قوية في غزة، حيث وُلد، وحيث بقي العديد من الفلسطينيين الذين يحتقرون حكم “حماس” الإسلامي مُوالين له.

كان دحلان رئيس الأمن الداخلي في غزة في العام 2007 عندما اشتبكت حركتا “فتح” و”حماس” بعنف عقب الإنتخابات البرلمانية التي فازت بها “حماس”. ولمّا سيطرت “حماس” على القطاع، إنتقل إلى الضفة الغربية. لكن التوترات مع عباس أدّت في النهاية إلى طرده من “فتح”، وفرّ بعدها إلى أبو ظبي في 2011، وفي 2016 حوكم غيابياً وحُكم عليه بالسجن بتهمة الفساد.

في الإمارات العربية المتحدة، نمت علاقات دحلان مع الأسرة الحاكمة وعزّز علاقاته مع لاعبين أقوياء آخرين، بما في ذلك في مصر. وتُفيد المعلومات بأنه مستشار مقرب لمهندس السياسة الخارجية الإماراتية، ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، لا سيما في ما يتعلق بالشؤون الفلسطينية.

في اللحظة التي تمّ فيها الإعلان عن الصفقة الإماراتية-الإسرائيلية، ألقى الفلسطينيون باللوم على دحلان. لكن في الوقت الذي شجب القادة الفلسطينيون الصفقة، أصدر فصيل دحلان داخل “فتح” بياناً مُصاغاً بعناية، أقر فيه بدعم الإمارات “لنضالنا من أجل الحرية”، وأمل أن “تحترم الإمارات دائماً المصالح الفلسطينية وتُوظّف جميع علاقاتها في إطار الاستراتيجية التي تهدف إلى إنهاء الإحتلال”.

نفى دحلان أن يكون له أي دور في الصفقة الإماراتية مع إسرائيل، لكن الشائعات سرعان ما انتشرت في جميع أنحاء المنطقة بأن أبو ظبي بنفوذها الجديد لديها خطة لمساعدة دحلان على تولي السلطة. تلقت الشائعات دفعة قوية عندما نشرت صحيفة إسرائيلية واسعة الإنتشار قصة، ما لبثت أن تراجعت عنها في ما بعد، تزعم أن السفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، قال إن دحلان سيكون الزعيم الفلسطيني المقبل.

الواقع الجديد في المنطقة، كما كَتبتُ قبل أيام (“أسواق العرب” 21/09/2020)، يعني أنه يتعيّن على الفلسطينيين العودة إلى لوحة الرسم أي إلى البدايات لوضع استراتيجية جديدة. لكن هناك المزيد. عباس، المعروف أيضاً بلقب أبو مازن، يبلغ من العمر 84 عاماً ويُعاني من مشاكل في القلب. لا يوجد خَلَفٌ واضح له. الضغط المتزايد على الفلسطينيين لا ينبع فقط من الحقائق الديبلوماسية الجديدة ولكن من السؤال العالق الذي تركته السلطة الفلسطينية من دون إجابة لفترة طويلة: مَن سيَخلُف عباس؟

رفعت جائحة كوفيد-19 من مكانة رئيس الوزراء محمد أشتية، الخبير الإقتصادي، كخليفة مُحتَمل. لكن أشتية عُيِّنَ من قبل عباس وليس مُنتَخَباً كما أنه ليس واضحاً عمق وحجم التأييد الشعبي له. إن الشخصية الشعبية الدائمة بين الفلسطينيين هو مروان البرغوثي، من فصيل التنظيم المُتشدّد التابع ل”فتح”. لكنه يقضي حالياً فترة في سجن إسرائيلي بعد إدانته بالقتل خلال الإنتفاضة الثانية. ثم هناك قادة “حماس”، مثل إسماعيل هنية، الذي له أتباع كثيرون. تم إحباط إمكانية إجراء انتخابات مفتوحة لعدد من الأسباب، ليس أقلها خوف “فتح” من فوز “حماس” مرة أخرى، كما حدث في انتخابات 2006 المصيرية. وانتُخب عباس رئيساً في العام 2005 لولاية مدتها أربع سنوات لكنه لا يزال في منصبه.

ثم هناك دحلان، الذي كثيراً ما يُذكَر اسمه كخليفةٍ لعباس، والذي يبدو دائماً أنه يُخطّط للعودة. لا يزال دحلان في المنفى، ومطروداً من حركة “فتح”، ويواجه حكماً بالسجن ثلاث سنوات وغرامة قدرها 16 مليون دولار بعد إدانته بالإختلاس من قبل محكمة فلسطينية في العام 2016. وستتطلّب عودته إلى السلطة أكثر من انتخابات مفتوحة.

لكن السياسة الخارجية الجديدة الجازمة لدولة الإمارات العربية المتحدة تُظهر أنها مُستعدّة لشقّ طريق جديد في المنطقة، لذلك سيكون من السذاجة استبعاد شائعات دحلان. إن مدى دعم دحلان بين الفلسطينيين غير معروف، لكن دعم أبو ظبي يُمكن أن يُعزّز فرصه، مع الأخذ في الاعتبار احتمالات وصول أموال إماراتية ضخمة لمساعدة الإقتصاد الفلسطيني المُتعثّر.

اللاعب الفلسطيني المُثير للجدل، والمعروف بالمكائد والمؤامرات، أصبح شخصية على المستوى الإقليمي أيضاً. لقد اتهمت تركيا، التي تؤيد حركة “حماس” بشدة، دحلان بالمشاركة في الإنقلاب الفاشل في العام 2016 ضد الرئيس رجب طيب أردوغان. وهو مُدرَج على قائمة أكثر المطلوبين الإرهابيين المُشتَبه بهم في تركيا، مع مكافأة قدرها 1.75 مليون دولار للقبض عليه. وأردوغان، الذي انحاز حزبه “العدالة والتنمية” إلى جانب الأحزاب الإسلامية الأخرى في المنطقة، على خلاف حاد مع الإمارات، ويصف دحلان بأنه مُرتَزَق لأبو ظبي.

فجأة، هذا الفلسطيني المنفي – الذي يتحدّث العبرية بطلاقة، ويتنقل بسهولة بين ملوك وأمراء ومشايخ الخليج، وكانت له علاقات وثيقة مع واشنطن – صار الشغل الشاغل للجميع. سواء أكان دحلان سيبذل جهداً من أجل السلطة أم لا، فإن صفقات التطبيع الخليجية قد حرّكت الكثير من الأشياء. وهذا يجعل الكثير من الناس متوترين، ومن بينهم محمود عباس.

  • فريدا غيتيس هي صحافية وكاتبة عمود في الشؤون العالمية. منتجة ومراسلة سابقة لشبكة “سي أن أن”. يُمكن متابعتها عبر تويتر على: fridaghitis@.
  • كتبت الكاتبة المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى