حملة الكاظمي ضد المليشيات المدعومة من إيران قد تصنع مستقبل العراق إذا نجحت

يُجمع المتابعون لما يجري في بلاد الرافدين أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي يتجّه نحو خوض مواجهة مع التنظيمات شبه العسكرية المدعومة من إيران، ما قد يُهدّد ائتلافه الوليد.

 

كتائب حزب الله: قبض الجيش على بعض عناصرها فحاصرت قائد الشعبة التي قامت بالمهمة

 

بقلم تامر بدوي*

منذ تسلّمه رئاسة رئاسة الحكومة في 7 أيار (مايو) 2020، يُمارس رئيس جهاز المخابرات العراقي السابق مصطفى الكاظمي، ضغوطاً متزايدة على التنظيمات شبه العسكرية التابعة ل”محور المقاومة” التي ترعاها إيران والتي لديها ألويةً داخل قوات الحشد الشعبي. يستفيد الكاظمي من حملة “الضغط الأقصى” الأميركية التي تستهدف الجمهورية الإسلامية، ومن مشاعر العداء لطهران في الحركة الاحتجاجية التي بدأت في تشرين الأول (أكتوبر) 2019 في وسط العراق وجنوبه، فيستخدم الضغوط الإقتصادية ويدفع بعناصر التنظيمات شبه العسكرية وداعميها خارج المؤسسات الحكومية بهدف إضعاف تلك المجموعات.

يجد الكاظمي صعوبة في تضييق الخناق على التنظيمات شبه العسكرية التي يُعتقَد على نطاق واسع أنها مسؤولة عن إطلاق عشرات القذائف باتجاه المنطقة الخضراء في بغداد والمنشآت العراقية التي تُستخدَم مقراً لقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة. وقد ازدادت وتيرة الهجمات في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، وتكثّفت بعد قيام أميركا باغتيال أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الإيراني. وكان الهدف من الهجمات الضغط على القوات الأميركية والأجنبية للانسحاب من البلاد، والثأر لاغتيال المهندس وسليماني. وبعدما كان عدد الهجمات التي استهدفت قوات التحالف بواسطة العبوات الناسفة والمقذوفات يُقدَّر بأربع هجمات في أيار (مايو)، إرتفع إلى نحو 18 في آب (أغسطس).

 

في حين أن القوى الأجنبية كانت خططت للإنتقال إلى الاضطلاع بمهام استشارية بدلاً من الدور القتالي بحلول نهاية آب (أغسطس)، تسببت الهجمات بالتسريع في انسحاب ثماني تجمعات من قوات التحالف من القواعد العراقية وإعادة موضعة القوات المتبقية في ثلاث قواعد ذات حماية أكبر. قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في اجتماعه مع الكاظمي في 19 آب (أغسطس)، إنه ينوي سحب قواته في غضون ثلاث سنوات، علماً بأنه تراجع في اليوم التالي ولم يُحدّد موعداً للإنسحاب. وفي هذه الأثناء، استمرت التنظيمات شبه العسكرية في المطالبة بالإنسحاب الكامل وواصلت شنّ الهجمات.

يسعى الكاظمي، منذ تسلّمه منصبه، إلى تضييق الخناق على المجموعات شبه العسكرية. وفي هذا الإطار، عَمَدَ إلى زيادة الضغوط عليها بصورة تدريجية مُستخدِماً الإكراه من جملة أدوات أخرى. بيد أن التنظيمات المُستهدَفة ردّت باللجوء إلى القوة، وزادت تنظيمات شبه عسكرية أخرى موالية بشدة لإيران من منسوب هجومها الخطابي على حكومة الكاظمي من خلال وسائل الإعلام والقنوات التلفزيونية التابعة لها. فعلى سبيل المثال، قام جهاز مكافحة الإرهاب العراقي المُدرَّب على أيدي القوات الأميركية، في 25 حزيران (يونيو)، بمداهمة منشأة لهيئة الحشد الشعبي في بغداد تابعة إلى اللواء 45 الخاضع لسيطرة “كتائب حزب الله”، وهو تنظيم شبه عسكري مُتحالف مع إيران ويحتل موقعاً في أعلى الهرمية. وقد اعتقل جهاز مكافحة الإرهاب العراقي أربعة عشر عنصراً في التنظيم يُشتبَه بضلوعهم في إطلاق قذائف على المنطقة الخضراء. وردّت “كتائب حزب الله” على المُداهمة بإرسال قواتٍ لحصار المقر الرئيسي لجهاز مكافحة الإرهاب ومنشأة أخرى تابعة له في المنطقة الخضراء.  تعتقد الأكثرية الساحقة في إدارة الكاظمي أن “كتائب حزب الله” مسؤولة عن إطلاق صواريخ قبل الحوار الاستراتيجي العراقي-الأميركي وخلاله بهدف إحراج الكاظمي، وممارسة ضغوط على الولايات المتحدة لسحب قواتها. ويرى قطاعٌ من الجمهور العام المحلي والدولي أن استسلام الكاظمي لضغوط “كتائب حزب الله” شكّل انتكاسة كبيرة.

يحاول الكاظمي التصدّي للتنظميات شبه العسكرية على جبهات عدة. فعلى الصعيد المالي، سعى إلى تعزيز سيطرة حكومته على المعابر الحدودية لمكافحة الفساد والتهريب. تُستخدَم المعابر الحدودية من جانب التنظيمات شبه العسكرية، بما فيها تلك التي تنشط وفقاً للتقارير في معبرَي ديالى الحدوديين المؤدّيين إلى إيران. إذا فرضت الحكومة سيطرتها الفعلية على هذه القنوات الحيوية، سوف تنخفض في المدى الطويل التدفقات المالية التي يؤمّنها التهريب. لقد أرسل الكاظمي، خلال زيارةٍ له، قوات الحشد الشعبي والرد السريع للسيطرة على المَعبرَين الحدوديين المؤديَين إلى إيران في ديالى، وفقاً لقيادة العمليات المشتركة. ولاحقاً، في 25 تموز (يوليو)، أرسلت قيادة العمليات المشتركة قوات للسيطرة على أربعة عشر معبراً حدودياً في البر والبحر. إضافةً إلى ذلك، ومن أجل الحدّ من احتمالات الفساد، قام الكاظمي بتقصير فترة مداورة موظفي المعابر الحدودية من ستة إلى ثلاثة أشهر،  ولكن ثمّة معابر حدودية غير رسمية تُستخدَم للتملّص من الرقابة الحكومية، وتولّد عادةً إيرادات أكبر للتنظيمات شبه العسكرية مُقارنةً بالمعابر الرسمية، ولكن الكاظمي لم يتّخذ سابقاً إجراءات لمكافحة تلك المعابر. وفي آب (أغسطس)، شكّل رئيس الوزراء لجنة “للتحقيق في ملفات الفساد والقضايا الكبرى”، وكلّف جهاز مكافحة الإرهاب تنفيذ أوامره، في مسعى للتضييق أكثر على المصادر التي تستخدمها التنظيمات شبه العسكرية من أجل كسب المداخيل.

وسعى الكاظمي أيضاً إلى تعزيز جهاز مكافحة الإرهاب لاستخدامه أداةً في مكافحة الفساد وفي مواجهة الفاعلين الموالين لإيران الذين يتسببون مباشرةً بتقويض سلطته. وفي الوقت نفسه، سعى الكاظمي إلى إضعاف العناصر الموالية لإيران، على غرار فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي الذي تولى استثنائياً رئاسة جهازَين أمنيين حسّاسَين، حيث شغل منصب مستشار الأمن الوطني ورئيس جهاز الأمن الوطني. وفي 4 تموز (يوليو)، قام الكاظمي بتعيين قاسم الأعرجي، وهو لاعبٌ صغير على الساحة العراقية وعضو منظمة بدر الموالية لإيران، مستشاراً للأمن الوطني. وعيّن الكاظمي عبد الغني الأسدي، الذي كان قائداً لجهاز مكافحة الإرهاب وتربطه علاقة عمل جيدة بهيئة الحشد الشعبي، رئيساً لجهاز الأمن الوطني. وفي 14 أيلول (سبتمبر)، عيّن الكاظمي وزير الدفاع السابق خالد العبيدي، الذي هو من أنصار رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ويوجّه انتقادات إلى التنظيمات شبه العسكرية الموالية لإيران، في جهاز المخابرات الوطني. وكذلك عيّن الكاظمي فالح يونس حسن، وهو شخصية سياسية سنّية لا تجمعه أي صلات بالتنظيمات شبه العسكرية المتحالفة مع إيران، نائباً للأسدي في جهاز الأمن الوطني. يسعى الكاظمي، من خلال هذه التعيينات، إلى إرساء توازن في المؤسسات الأمنية بعيداً من القوى المتحالفة مع إيران.

وعلى الجبهة السياسية، يسعى الكاظمي إلى الحصول على دعمٍ لأجندته الأمنية أكبر من الدعم الذي حصل عليه سلفه حيدر العبادي. وقد تحوّلت كتلة الحكمة المؤلّفة من 20 نائباً في مجلس النواب العراقي من صفوف المعارضة إلى دعم الكاظمي. وأدت تنظيم نفسها تحت اسم “عراقيون”، وباتت الكتلة تضم نحو أربعين نائباً في البرلمان من خلال انضمام نوابٍ مُستقلين وكتل صغيرة إليها. ولكن حجر الزاوية في الدعم السياسي لرئيس الوزراء يبقى الرئيس برهم صالح الذي سمّاه لرئاسة الوزراء. كذلك يقدّم رئيس مجلس الواب محمد الحلبوسي الدعم للكاظمي في مواجهة التنظيمات شبه العسكرية. حتى إن آية الله العظمى، علي السيستاني، وهو المرجعية الشيعية العليا في العراق، أبدى ضمناً دعمه لجهود الكاظمي. في 2 تموز (يوليو)، قال ممثل السيستاني، أحمد الصافي، في عظة الجمعة – بعد أسبوع من المداهمة التي شنّها جهاز مكافحة الإرهاب ضد المنشأة التابعة ل”كتائب حزب الله” – إنه يجب أن تكون الحكومة قادرة على “استعادة هيبة الدولة والقيام بالخطوات الضرورية لإجراء انتخابات مبكرة في أجواء مُطمئِنة بعيدة من التأثيرات الجانبية للمال او السلاح غير القانوني او للتدخلات الخارجية”.

وحتى فيما يعمل الكاظمي على تضييق الخناق على التنظيمات شبه العسكرية المدعومة من إيران، يريد أن يحافظ على الروابط الاقتصادية نفسها مع طهران، لا بل تعزيزها من خلال إبقاء الأسواق العراقية مفتوحة على إيران. وفيما تراجعت الصادرات الإيرانية غير النفطية التي تمرّ عبر المعابر الحدودية الأساسية إلى النصف خلال العام الجاري مقارنةً بالعام الماضي، بسبب انخفاض الطلب في السوق العراقية وتوقّف عبور الحجّاج الإيرانيين، ثمة مؤشرات بأنه قد يجري إنشاء سكة حديد بين العراق وإيران عبر شلامجة لتعزيز التجارة والتنقل. قد لا تكون ثمة حاجة إلى مثل هذا المشروع بسبب ضعف الطلب على التجارة والتنقل بين البلدَين، لكن الهدف منه هو إرضاء إيران. وقد بادر العراق، خلال زيارة قام بها وزير الطاقة الإيراني في 3 حزيران (يونيو)، إلى تسديد 400 مليون دولار لإيران، أي نصف ديون الكهرباء التي تراكمت في ظل العقوبات الأميركية. وفيما كانت عقود تصدير الكهرباء بين إيران والعراق تُجدَّد عادةً على أساس سنوي، جرى تجديدها هذه المرة لمدة عامَين. يأمل الكاظمي بأن تُرحّب طهران بهذه الجهود الهادفة إلى توطيد الروابط الاقتصادية بين البلدَين، من خلال تقديم الدعم للحملة التي يشنها ضد التنظيمات شبه العسكرية أو أقلّه التغاضي عنها. ولكن طهران أوضحت أنه بات لديها سلطة أقل على حلفائها الذين باتوا يتحركون مع هامش حرية أكبر بعد اغتيال قائد فيلق القدس، قاسم سليماني. وتجلّى ذلك من خلال سقوط العديد من القذائف على مقربة من السفارة الأميركية خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بغداد في 19 تموز (يوليو).

الهدف الأقصى الذي يسعى إليه الكاظمي خلال فترة رئاسته للحكومة المؤقتة هو إضعاف الأحزاب المدعومة من التنظيمات شبه العسكرية قبل الانتخابات المقبلة من أجل السماح لرئيس الوزراء المقبل بإضعاف قبضة التنظميات شبه العسكرية المتحالفة مع إيران على القوى الأمنية العراقية. وفيما تُعيد قوى التحالف التموضع في العراق، غالب الظن أن جولات المواجهات الجديدة مع التنظيمات شبه العسكرية ستؤدي إلى إضعاف جهود الكاظمي لبناء ائتلاف فيما تسعى تلك التنظيمات إلى جرّه إلى مواجهة متسرّعة ليس مستعداً لها. وهكذا تتعاظم احتمالات الخلاف بين الكاظمي والقوى السياسية الأخرى على خلفية تقاسم المؤسسات الحكومية، والقوانين الانتخابية، وتوقيت الانتخابات النيابية المقبلة.

  • تامر بدوي هو باحث مشارك في برنامج اتجاهات الشرق الأوسط في معهد الجامعة الأوروبية، يُركّز على السياسة الخارجية التي تنتهجها إيران تجاه الدول المجاورة. يُمكن متابعته عبر تويتر: @Tamerbadawi1

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى