لِيَطمَئنّ الجنرال

بقلم راشد فايد*

يستطيع الرئيس ميشال عون أن يطمئن إلى أن التاريخ سيذكره من يوم انقلب على الدستور و”صادر” قيادة البلاد إثر تكليفه، في الدقائق الأخيرة من عهد الرئيس أمين الجميل، يوم 22 أيلول (سبتمبر) 1988، بتشكيل حكومة عسكرية تُنظّم انتخاب رئيسٍ للجمهورية، إلى يوم فراره من قصر بعبدا إلى فرنسا، وما بينهما من محطات تدمير لبنان باسم “حرب الإلغاء” ثم “حرب التحرير”.هذا في زمن الحرب، وسيذكره في زمن السلم يوم انقلب على نفسه، وأظهر مدى تودّده إلى نظام الأسد، وصالح “حزب الله” وسلاحه، وفي وجه الدولة، وقدّم له ما كان ينقصه من تنوّعٍ طائفي، فكان أن رد له الجميل بإيصاله إلى رئاسة الجمهورية بترهيب السلاح، وتهديد السلم الأهلي، وتعطيل الحياة العامة لأكثر من 29 شهراً.

لم يُنصف أحدٌ الجنرال الرئيس كما يوم استهدفه البطريرك الراحل، مار نصر الله بطرس صفير، بالقول: “هناك مَن يخجل ماضيه من حاضره”. فكل المبادئ الأخلاقية التي أوحى برفعها والعمل بهَديها، انكشف هزالها وهامشيتها وبدت نموذجاً في انتهازية مُؤصّلة، سمحت له بإدارة الظهر لـ”14 آذار” وعقد تحالفات إنتخابية “على القطعة”، واستخدام لغة مُزدَوجة منها إشهار تأييد “إتفاق الطائف” والعمل ضمناً للإنقضاض عليه، والسعي إلى تحريف الدستور بابتداع ما سماه مشاورات ما قبل الإستشارات النيابية المُلزِمة، ليجمع، عملياً، سلطات رئاسات الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، في يده، على طريقة لويس الرابع عشر “أنا الدولة”، لتكريس تحريف الدستور، بعد تجربة أولى رافقت ولادة حكومة حسان دياب، عقب “استعراض” مُرشَّحين خارج استشارة مجلس النواب.

ولأنه الدولة، في وهمه، قرّر، قبل ذلك، أن يصوغ المشهد السياسي بما يُماشي تصوّره، فرأى أن الحكومة التي أتى رئيساً في ظلّها ليست حكومة عهده الأولى، وأن التي ستُسمّى كذلك هي الحكومة التي ستقوم بعد الإنتخابات النيابية، في 7 أيار (مايو) 2018، أي بعد نحو سنتين من انتخابه في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2016. وبالمنطق نفسه، يعقد 99 في المئة من جلسات مجلس الوزراء في القصر الجمهوري، ويرأسها، بخلاف النص الدستوري الذي يجعل رئاسته الجلسات عرضية وعند الضرورة.

لماذا تحصل هذه المخالفات الدستورية؟

لأن الحنين إلى الإخلال بالتوازن بين السلطات، لإعادة التفرّد بإدارة شؤون البلاد، أمرٌ يتفاعل لدى البعض، ويُحاول التسلّل إليه تحت الكثير من الضجيج المُفتَعَل عن حقوق الطائفة، والمواقع المَسلوبة، وقد غاب عن ذهن البعض أن “الطائف” جعل من رئيس الجمهورية رئيساً للدولة بأرضها وشعبها ومؤسساتها، لا رئيساً للسلطة الإجرائية، فبات رمزاً لوحدة الوطن وحَكَماً بين مجلس النواب والحكومة، وأقرب، بذلك إلى المرجعية الحصرية لكل مؤسسات الدولة. وعلى الرغم من أن الدستور السابق كان يُعطي رئيس الجمهورية صلاحية تعيين الوزراء واختيار رئيس من بينهم، فإن الرؤساء، قبل 1990، امتنعوا عن ممارسة هذه الصلاحية، واجروا استشارات نيابية لاختيار رؤساء الحكومة، حفظاً للتوازن الوطني.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb
  • يصدر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة النهار اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى