التعاون النووي بين السعودية والصين يُثير قلقاً في أميركا وإسرائيل

تسعى المملكة العربية السعودية منذ فترة إلى الحصول على مفاعلات نووية لبناء محطات لتوليد الطاقة بعدما بلغ حجم استهلاك الكهرباء في المملكة مستوى كبيراً ويحرق معه ثلث الإنتاج النفطي للبلاد. ولكن تتخوف واشنطن من أن يتحوّل هذا المسعى والتعاون مع الصين في هذا المجال إلى حصول المملكة على السلاح النووي، الأمر الذي قد يُهدد التوازن ويُطلق سباق التسلح النووي في المنطقة. 

 

هل حقاً بدأت السعودية ببناء منشأة لمعالجة اليورانيوم قرب الرياض؟

 

بقلم ميشال مظلوم

في الرابع من آب (أغسطس) 2020، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أن القلق لدى المسؤولين الغربيين قد تزايد بشأن التعاون النووي بين الصين والمملكة العربية السعودية لبناء منشأة لاستخراج كعكة اليورانيوم الصفراء من خام اليورانيوم، وهو تحوّل كبير في برنامج الرياض النووي المدني. وفقاً لهذه الرواية، يتم بناء المنشأة بمساعدة شركتين صينيتين في موقع صحراوي بعيد بالقرب من مدينة العُلا شمال غرب السعودية، في منتصف الطريق تقريباً بين المدينة المنورة وتبوك، على أبعد مسافة من إيران. تُعتبر الكعكة الصفراء، وهي يوررانيوم شبه مُعالَج، مُكوِّناً حاسماً لكلٍّ من مفاعلات الطاقة الذرية والأسلحة النووية. على الرغم من أن وزارة الطاقة السعودية نفت أن تكون هناك منشأة يورانيوم للحصول على الكعكة الصفراء قيد الإنشاء، إلّا أن المملكة أوضحت أنها تعتزم أن تصبح صانعة بارعة في كل جانب من جوانب دورة الوقود النووي.

في اليوم التالي لظهور تقرير “وول ستريت جورنال”، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن وكالات المخابرات الأميركية “تُدقّق” في الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية لزيادة قدرتها على إنتاج الوقود النووي، مما قد يضع المملكة على طريق تطوير أسلحة نووية. وفقاً للتحليل السري، تعمل السعودية مع الصين لبناء قدرة صناعية لإنتاج الوقود النووي الذي يُمكن تخصيبه لاحقاً إلى مستوى الأسلحة. حدّدت وكالات الاستخبارات مبنى مُكتملاً حديثاً يقع بالقرب من منشأة لإنتاج الألواح الشمسية بالقرب من الرياض – وهو هيكلٌ يُمكن أن يكون واحداً من مواقع نووية عدة غير مُعلَنة. ومع ذلك، لم يتوصّل مُحللو المخابرات الأميركية بعد إلى استنتاجات مؤكدة بشأن بعض المواقع الخاضعة للتدقيق والفحص. حتى لو قررت السعودية متابعة برنامج نووي عسكري، فسوف تمر سنوات قبل أن تتمكّن من إنتاج رأس نووي واحد.

لغرض وضع هذه الروايات الحديثة في سياقها، من المهم الملاحظة بأن الرياض قد أعلنت في العام 2011 أنها تُخطّط لبناء 16 مفاعلاً للطاقة النووية في غضون 25 عاماً. وقد تصل تكلفة المشاريع إلى 80 مليار دولار، وهي فرصة كبيرة للشركات الصينية وغيرها من الشركات التي تبني وتُشغّل محطات نووية. الطاقة النووية ضرورية للسعودية لتلبية طلبها المتزايد على الطاقة لتوليد الكهرباء وتحلية المياه مع تقليل اعتمادها على الموارد الهيدروكربونية المُستَنفدة. ستسمح الطاقة النووية للمملكة بزيادة صادراتها من الوقود الأحفوري. يُستهلَك حوالي ثلث إنتاج السعودية من النفط اليومي محلياً بأسعارٍ مدعومة؛ وسيؤدي استبدال الطاقة النووية إلى تحرير هذا البترول للتصدير بأسعار السوق.

علاوة على ذلك، تعد المملكة العربية السعودية أكبر مُنتج للمياه المُحلّاة في العالم. وفقاً للمؤسسة السعودية لتحلية المياه المالحة المملوكة للحكومة، بحلول نهاية العام 2017، رفعت المملكة إنتاجها من المياه المُحلّاة إلى خمسة ملايين متر مكعب في اليوم. ويتم تحلية 90٪ من مياه الشرب في البلاد، والتي تَحرق ما يقرب من 15٪ من 9.8 ملايين برميل من النفط الذي تنتجه يومياً. يمكن للطاقة النووية تلبية بعض من هذا الطلب.

في السنوات الأخيرة، أعلنت السعودية والصين علناً عن مشاريع نووية مشتركة عدة في المملكة، بما فيها مشروع لاستخراج اليورانيوم من مياه البحر، بهدف مُعلَن وهو مساعدة أكبر منتج للنفط في العالم على تطوير برنامج للطاقة النووية أو أن تصبح مُصدّراً لليورانيوم. في كانون الثاني (يناير) 2016، خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية، وقّع البلدان مُذكّرة تفاهم لبناء مفاعل عالي الحرارة مُبرّد بالغاز (HTR). في ذلك الوقت، لم يتم الكشف عن أي تفاصيل عن حجم المفاعل المُبرَّد بالغاز ذي درجة الحرارة العالية أو المبنى الزمني للمشروع. منذ العام 2003، تعمل شركة الهندسة النووية الصينية (CNEC) مع جامعة “تسينغهوا” على تصميم وبناء وتسويق تكنولوجيا المفاعل عالي الحرارة المُبرَّد بالغاز (HTR). وقع البلدان اتفاقية جديدة في آذار (مارس) 2014 لزيادة التعاون في كل من التسويق الدولي والمحلي لتكنولوجيا المفاعلات المتقدمة.

في آب (أغسطس) 2017، اتفقت الرياض وبكين على التعاون في مشاريع الطاقة النووية لدعم برنامج الطاقة النووية للمملكة. في ذلك الوقت، وقعت شركة الهندسة النووية الصينية (CNNC) مذكرة تفاهم مع هيئة المسح الجيولوجي السعودية لمتابعة المزيد من التعاون لاستكشاف وتقييم موارد اليورانيوم والثوريوم. كما وقعت الشركة السعودية للتطوير والإستثمار التكنولوجي (تقنية) في وقت لاحق مذكرة تفاهم مع شركة الهندسة الصينية (CNEC) لتطوير مشاريع تحلية المياه باستخدام المفاعلات النووية المُبرَّدة بالغاز. يُمكِن للشركات النووية الصينية أن تُقدِّم حزم بناء وتشغيل كاملة مع خيارات تمويل جذابة. علماً أن التعاون النووي المدني يُعدُّ رسمياً جزءاً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتعد مكافحة تغيّر المناخ أمراً محورياً في موقف الصين.

بالتوازي مع التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية مع الصين، دخلت المملكة أيضاً في مفاوضات مع إدارة دونالد ترامب بهدف التوصل إلى اتفاق، يتطلب موافقة الكونغرس، لمساعدة السعودية على بناء برنامج نووي مدني. لكن المملكة رفضت باستمرار التوقيع على متطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية المعيارية، الأمر الذي أدى إلى طريق مسدود في مناقشات التعاون النووي بين البلدين. في هذه المرحلة، لجأت المملكة إلى بكين، سعياً إلى الوصول غير المُقيّد نسبياً إلى التكنولوجيا النووية وتوفير التكاليف.

ولذلك فإن اهتمام المملكة بالتسلّح النووي ليس بالأمر الجديد، ولا القلق من أن تتجه جهودها في ظل ظروف وشروط معينة نحو أسلحة نووية. في آذار (مارس) 2018، أثناء زيارته للولايات المتحدة، قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لبرنامج “60 دقيقة” الإخباري لشبكة سي بي إس: “لا تريد المملكة العربية السعودية امتلاك أي قنبلة نووية، ولكن من دون شك، إذا طوّرت إيران قنبلة نووية، فسوف نحذو حذوها في أسرع وقت ممكن”. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان ولي العهد يُشير إلى قيام المملكة بتطوير أسلحتها النووية، أو شرائها، أو الإنضمام إلى باكستان أو أي كيان آخر.

إلى جانب ذلك، أمضت السعودية سنوات في تطوير برنامج نووي مدني ولديها شراكة مع الأرجنتين لبناء مفاعل في المملكة. في الواقع، كانت الرياض تكتسب بشكل منهجي مهارات (استكشاف اليورانيوم والهندسة النووية وتصنيع الصواريخ الباليستية التي من شأنها أن تجعلها قادرة على تطوير أسلحتها إذا قررت القيام بذلك). ومع ذلك، فقد رفضت الرياض القيود المفروضة على قدرتها على التحكم في إنتاج الوقود النووي.

تنبع الحسابات السعودية على الأرجح من وجهة النظر القائلة بأن الطاقة النووية هي أداة جيوسياسية قوية في الشرق الأوسط. المملكة وإيران على طرَفَي نقيض في الصراع في سوريا واليمن، والرياض قلقة من نفوذ طهران في دول الشرق الأوسط الأخرى مثل العراق ولبنان. علاوة على ذلك، لم تعد المملكة قادرة على الاعتماد على استعداد واشنطن لمواجهة إيران، وربما قرّرت أنه سيتعيّن عليها ردع إيران بمفردها. لذلك، حتى يتم إنهاء البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم، من المرجح أن يبقي السعوديون الخيار مفتوحاً لإنتاج الوقود الخاص بهم، وبالتالي توفير مسار لسلاح.

مصدرُ قلق إضافي هو أن المملكة العربية السعودية لا تزال تمتلك ترسانة من الصواريخ الصينية بعيدة المدى. تقليدياً، كانت الولايات المتحدة بمثابة الشريك الدفاعي الرائد للمملكة. ومع ذلك، سعت السعودية في السنوات الأخيرة إلى تنويع علاقاتها الأمنية من أجل تلبية احتياجاتها الدفاعية. ركّزت العلاقات الأمنية بين بكين والرياض بشكل أساس على مبيعات الأسلحة من الصين إلى السعودية، لا سيما الأنظمة التي رفض الموردون الآخرون (مثل الولايات المتحدة والغرب) بيعها إلى المملكة، بسبب قيود نظام منع الانتشار والضغط من إسرائيل.

تاريخياً، كان البُعد الأمني ​​في العلاقات بين بكين والرياض محدوداً. نشأت مخاوف جدية بشأن عمليات نقل الأسلحة بين الصين والسعودية مع استحواذ الرياض على 36 صاروخاً باليستياً صينياً متوسط ​​المدى قادراً نووياً من طراز “DF-3” (CSS-2 حسب الناتو) وتسع قاذفات في أواخر ثمانينات القرن الفائت، وشرائها لاحقاً من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من نوع “DF-5” (CSS-5 حسب الناتو). كما ورد أن الرياض قد اشترت نظام صاروخ (DF-21) الأكثر تقدماً في العام 2007.

قد يكون اهتمام السعودية بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية بمساعدة الصين بمثابة علامة أخرى على أن المملكة تمضي قدماً للحصول على أسلحة نووية ووسائل إيصالها. في كانون الثاني (يناير) 2019 ، أفادت صحيفة “واشنطن بوست” أن المملكة العربية السعودية قامت على ما يبدو ببناء مصنع لإنتاج الصواريخ الباليستية في منطقة الوطح جنوب غرب الرياض، وهو تطور يثير تساؤلات حول الطموحات العسكرية والنووية المتزايدة للمملكة. وفقاً لخبراء الأسلحة النووية، فإن الإختبار المحتمل لمحركات الصواريخ يشير إلى صواريخ تعمل بالوقود الصلب تشبه إلى حد كبير مثيلتها في الصين. على الرغم من أن أي صواريخ ستنتجها السعودية ستكون مُسلّحة بشكل تقليدي، نظراً إلى أن المملكة ليس لديها الآن برنامج أسلحة نووية، فإن منشأة صنع الصواريخ ستكون عنصراً حاسماً في مثل هذا البرنامج إذا تم اتخاذ قرار التحرّك في هذا الإتجاه.

في النهاية ، فإن وجود منشأة سعودية لإنتاج الصواريخ الباليستية، ورواسب اليورانيوم الكبيرة المُكتَشفة، ومنشأة استخراج كعكة اليورانيوم الصفراء، والمستقبل الغامض للاتفاق النووي الإيراني، تُثير مخاوف من أن الرياض قد تسعى إلى الحصول على القدرات اللازمة لتحقيق برنامج سري للأسلحة النووية. يُمثّل الإهتمام السعودي بامتلاك قدرات نووية متقدمة مخاطر كبيرة على النظام الدولي الأوسع لعدم الانتشار، وتوازن القوى في الشرق الأوسط.

أولاً، نظراً إلى التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها النظام السعودي، قد يؤدي عدم الإستقرار المُحتَمل في المستقبل إلى وقوع أصوله النووية في الأيدي الخطأ.

ثانياً، من المرجح أن تؤدي المملكة العربية السعودية المُسلّحة نووياً إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط من شأنه أن يزيد من زعزعة استقرار هذه المنطقة المضطربة والحيوية.

ثالثاً، امتلاك السعودية للقدرة على صنع المكوّنات المتفجرة الحيوية للأسلحة النووية ينطوي على مخاطر كبيرة لتقويض نظام حظر الانتشار الذي قادته الولايات المتحدة لعقود، وقد يتسبب في تحول تركيا ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى السلاح النووي وبالتالي تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة مُسلَّحة نووياً.

رابعاً، شهدنا في السنوات الأخيرة المزيد من المشاريع النووية المدنية في الشرق الأوسط، وهي مشاريع غير مُعَدّة للاستخدام العسكري والتي يرى المجتمع الدولي أنها مشروعة. تخلق هذه المشاريع ببطء واقعاً جديداً تنتشر فيه المعرفة والقدرات النووية. ولهذا السبب فإن تطوير الرياض لمشروعها النووي المدني يهدد مصالح دول عدة، بينها المصالح الإسرائيلية. وقد أفاد تقرير لموقع “واللا” الإعلامي المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية، بأن تل أبيب قلقة إزاء التعاون بين السعودية والصين في المجال النووي، وقد أبلغت واشنطن بذلك.

وحسب التقرير، فإن مسؤولين كباراً في الإستخبارات الإسرائيلية اتصلوا بنظرائهم الأميركيين للتعبير عن “قلقهم البالغ” إزاء التعاون بين الرياض وبكين.

أخيراً وليس آخراً، من المرجح أن يؤدي احتمال قيام المملكة العربية السعودية بتطوير برنامجها النووي بمساعدة الصين إلى زيادة تأجيج التوتر بين الولايات المتحدة والصين في وقت تواجه العلاقات الثنائية أخطر تحدياتها منذ أربعة عقود. كما يأتي في وقت تتعامل إدارة ترامب بقوة مع الصين على جبهات عديدة  بدءاً من قانون الأمن القومي الجديد في بكين لهونغ كونغ وانتهاكات حقوق الإنسان في منطقة شينجيانغ، إلى وباء فيروس كورونا، واتهامات بالتجسس، وقضايا تتعلق بالتجارة، وعسكرة بحر الصين الجنوبي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى