الإصلاحُ المَنشود

بقلم غسان سعادة*

لن يُجدي اللبنانيون ولا مُحبّيهم من الدول الصديقة نفعاً سوى العمل إنطلاقاً من واقعِ ما هو عليه لبنان اليوم، أي وطنٌ أثخنته الجراح، ويترنّح على وشك السقوط. كما وأن أي مراجعة موضوعية للماضي، سواء القريب أو البعيد، ستقود مَن يقوم بها الى النتيجة الحتمية لواقع البلد حالياً.

اللبنانيون ومنذ أمد غير قصير كانوا على موعد مع الإنفجار العظيم. كانوا ينتظرونه انفجاراً وطنياً، إجتماعياً، أخلاقياً واقتصادياً، يُفجّر ثورةً حقيقية تنتصر للعدل والمساواة بينهم، ولدولةِ القانون والحرية والسيادة ضد سياسات الفساد والسرقة والإفقار والتجويع، والحرمان من فرص العمل. فإذ وعلى غفلة منهم انفجرت بيروت بنيترات الأمونيا، التي لا أحد حتى تاريخه يعلم لمَن كانت تعود ملكيتها، ولا لماذا أتت الى مرفأ بيروت، ولا لماذا لم يتم تصديرها او إتلافها لخطورتها على السلامة العامة، ولا لماذا احتُفِظَ بها مُخزّنة في مستودع من مستودعات مرفأ بيروت لست سنوات من دون مُبرّر مُعلَن و مقبول عقلياً، الى ان تفجرت ودمرت نصف بيروت، واوقعت أكثر من مئة وسبعين قتيلاً وستة آلاف جريح، وشردت حوالي ثلاثمئة ألف مواطن ومواطنة من سكان بيروت. حصل ذلك من دون ان يرفّ جفن مسؤول لبناني، فلم يبادر أحدٌ منهم للإستقالة طوعاً، كما لم يُقدّم أيّ منهم أي ععتذار للبنانيين عما حصل، أو للضحايا او للمتضريين، كما لم يكلف أحدهم نفسه الحضور الى الأحياء المتضررة لمؤاساة المفجوعين او المُتضرّرين.

هناك إجماعٌ لبناني ودولي على مزايا السلطة السياسية اللبنانية، فهي مُتّهمة بالفساد في كل مكوّناتها، وقد برَحت مكشوفة الأوراق أمام اللبنانيين، كما أمام المجتمع الدولي باسره بتقاعسها وعدم فعاليتها وعدم تحمّلها لمسؤولياتها كسلطة عامة، بدليل ان العالم الذي هاله انفجار الرابع من آب (أغسطس) في بيروت سارع فور وقوع التفجير الى أمرين:

الأول: العمل على نجدة المُصابين والمُتضرّرين، والتعزية بالضحايا ليقينهم ان السلطة اللبنانية عاجزة عن الإتيان بأي عمل لمساعدة الشعب.

والثاني: تحميل السلطة السياسية كامل المسؤولية ليس فقط عن الإنفجار الكارثة، بل ايضاً عن تسبّبها عبر ممارساتها للحكم منذ عقود بإنهيار الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها.

الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عندما حضر الى بيروت، أشار الى عدد من الأمور منها دعوته الى ”تغيير عميق ” من جانب القيادة اللبنانية، والحاجة الى ”نظام سياسي جديد“، وضرورة إجراء تحقيق دولي في الإنفجار ”للحيلولة دون إخفاء الأمور ولمنع التشكيك”. وأتى، بالتوازي مع دعوة الرئيس الفرنسي لجهة ضرورة إجراء تحقيق دولي في الإنفجار، دعوة منظمتَي العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش” الى إجراء تحقيق مستقل في الإنفجار. وقد اضافت الأخيرة في بيان لها أن لديها ”مخاوف جدية بشأن قدرة القضاء اللبناني على إجراء تحقيق موثوق وشفاف بنفسه“.

في المحصلة مما تقدم خرجت الدولة اللبنانية بالتفسير التالي للإنفجار الذي حصل في مرفأ بيروت يوم الرابع من آب ( اغسطس ) ٢٠٢٠، وهو أن كميية قدرها ٢٧٥٠ طناً من نيترات الأمونيا تُركت في المرفأ لسنوات عدة، وأن حريقاً عرضياً لألعابٍ نارية مُخزّنة في احد مستودعات المرفأ أدى الى تفجير نيترات الأمونيوم، وبالتالي تدمير جزء كبير من مدينة بيروت، وعليه وإن لم يتم إجراء تحقيق دولي مستقل، الأمر الذي ترفضه السلطة السياسية،  فمن المرجح ان التحقيق الذي ستقوم به السلطات اللبنانية سينتهي الى تاكيد الرواية الرسمية عن الحادث وسيتم إغلاق الملف.

هكذا وبهذه السطحية وعدم المسؤولية تتعامل السلطة السياسية مع حدثٍ إهتزت له مشاعر العالم بأسره، إذ أن الثابت أنه مهما عظم شأن أي حدث لبناني، فالطبقة السياسية اللبنانية لن تكون مَعنية به طالما أنه لا يصيب مباشرة مصالحها مما يدفع الى  التساؤل عما إذا كان سيجري على أرض الواقع ”التغيير العميق“ وإحداث ”النظام السياسي الجديد” و إجراء ”الإصلاحات المطلوبة”، التي اشار الرئيس الفرنسي إليها كشروطٍ مُسبقة واجب تحقيقها لمساعدة للبنان.

من اجل ذلك ننطلق مما نقل عن الرئيس ماكرون حين تجوّل في الأحياء التي ضربها الإنفجار حيث قال: ”إن التمويلَ مُتاحٌ للبلاد، لكن يتعيّن على قادتها تنفيذ الإصلاحات أولاً“.

نفهم من قول الرئيس ماكرون أنه يتوقّع أن يأتي الإصلاح من لدن القيادات اللبنانية، أي من الذين تداولوا السلطة في ما بينهم منذ عقود، والذين تسببوا بتدمير الدولة والإقتصاد والمؤسسات، والمتَّهمين بالتقصير والفساد والسرقة، وممن يرون في السلطة والحكم مغنماً ومنبعاً لا ينضب للصفقات والسرقات، الأمور التي  دفعت المجتمع الدولي لأن يولي لهيئات دولية توزيع وصرف المساعدات لكي تصل الى المُرسَلة لهم، خوفاً من ان تستولي عليها وبغير حق القيادات اللبنانية.

من المُسلمات إن للبنانيين أو لسائر دول العالم، أن السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية مُرتَهَنة من القيادات اللبنانية و/او السلطة السياسية بحيث أنها قابضة على هذه السلطات بسند شرعي، بحيث إن أي قول بأي إصلاح لن يُثمر عملياً كونه لن يمر من معابر السلطة السياسية سواء التشريعة او التنفيذية أو القضائية.

وعليه، وإن كان هناك مَن يُريد ان يساعد الشعب اللبناني المنكوب والأعزل لتحقيق الإصلاح المنشود في مواجهته مع القيادات اللبنانية، عليه عونه ومساعدته على الخروج من عنق زجاجة القيادات اللبنانية بمحاسبة ومعاقبة من هو فاسد في السلطة السياسية بوسائله وهي متاحة، ليُمَكّن اللبنانيين من العبور الآمن من دولة الفساد والفوضى الى دولة القانون والنظام، لتُصبح الدولة قادرة على الإمساك بالبلد وسلطاته، ومحاسبة كل مخالف للقانون، إذ أنه بخلاف ما تقدم، وترك تحقيق الإصلاح للقيادات اللبنانية، لن يكون هناك تغييرٌ ولا نظام سياسي جديد، ولا إصلاح، بل المزيد من الفوضى والإنحلال.

  • غسان سعادة هو محام لبناني مُقيم في بريطانيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى