الأمن القومي المصري في عين العواصف

بقلم السفير يوسف صدقة*

تواجه مصر، تحديات كبيرة في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهي مخاطر، لا تقل شأناً عن الصراع العربي – الإسرائيلي، بعد اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية ومعاهدة كامب دايفيد. وتقع أرض الكناسة اليوم، في عين العاصفة، حيث تواجه ثلاث قضايا مهمة وخطيرة: مشروع سد النهضة، التدخل التركي في ليبيا ومواجهة خطر المنظمات الإرهابية في سيناء.

مشروع سد النهضة

أعلن وزير الري الأثيوبي، سليشي بقلي، في 10/7/2020، البدء في ملء سد النهضة، رُغم عدم التوصل إلى اتفاقٍ بين الدول الثلاث: مصر، السودان، وإثيوبيا. وقد وجه رئيس الوزراء الأثيوبي، آبي احمد، رسالة عاطفية إلى الشعب الأثيوبي: “أعزائي الأثيوبين، دعونا نحب شعبنا دعونا نحب بلادنا – السدّ سدّنا – دعونا نزرع الشتلات، دعونا نعد أنفسنا بالإزدهار، دعوا جميع المواطنين أن يقفوا بعزّة أمام وطنهم الأم …”. فيما صرّح وزير الخارجية الأثيوبي، غيدو أندارجاشو، بأن “النيل لنا”.

أدى بناء سد النهضة، إلى تصاعد التوتر بين مصر والسودان وأثيوبيا. وقد إستمرت الأخيرة في بناء السد، من دون مراعاة الحقوق المصرية. إتسمت المفاوضات بين مصر وأثيوبيا منذ العام 2012 بالتسويف والمماطلة من قبل أثيوبيا. وقد عبرت القاهرة عن إستيائها، واعتبرت أن تخفيض منسوب المياه هو خطر وجودي وتعدٍّ على مصالح مصر المشروعة.

وبالعودة إلى المفاوضات الماضية، فقد وقعت كل من مصر والسودان وأثيوبيا إعلان مبادئ في العام 2015، يأخذ بعين الإعتبار الحصة السنوية لمصر والبالغة 55.5 مليار متر مكعب من المياه. أما في 5/10/2019 فقد أعلنت وزارة الموارد والمياه المصرية أن المفاوضات مع أثيوبيا وصلت إلى طريق مسدود.

على صعيد آخر، فشلت المفاوضات بين مصر وأثيوبيا والسودان في العام 2020 بعد مسعى الإتحاد الأفريقي، لحل تنظيم تدفق المياه من السد العملاق (النهضة) الذي بنته أثيوبيا على النيل الأزرق، بسبب الإعلان الذي صدر عن الدول الثلاث في 12 تموز (يوليو) 2020، حيث تمسكت مصر بحصتها البالغة 40 مليار متر مكعب من المياه. وبعد فشل المفاوضات مع أثيوبيا، تقدمت مصر في 16/6/2020، إلى مجلس الأمن بمذكرة تطلب فيها منه التدخل، من أجل تأكيد أهمية مواصلة الدول الثلاث، مصر والسودان وأثيوبيا، التفاوض بحسن نيّة، تنفيذاً لالتزاماتها وفق قواعد القانون الدولي.

تجدر الإشارة إلى أن مصر، تعتمد على مياه النيل بنسبة 90% من إحتياطها في المياه. وكان السد العالي يؤمن لمصر الطاقة الكهربائية، بنسبة 18%، أما اليوم، فيساهم بـ 4%، نظراً لإعتماد مصر على محطات الكهرباء والتي تعمل على الغاز (Siemens). هذا وقد توقعت وزارة الموارد والمياه المصرية، فقدان 22% من تدفق مياه النيل في العام 2021 عندما ينتهي العمل في سد النهضة.

على صعيد آخر فقد أعلنت وزارة الري السودانية تراجع في مناسيب النيل الأزرق، الذي يقام عليه السد، بعد تدشين سد النهضة بما يعادل 90 مليون متر مكعب.

هذا وقد أعلن المهندس محمد السباعي الناطق باسم وزارة الري والموارد المائية المصرية، ان الملء الأولي لسد النهضة، لن يؤثر في الوقت الحاضر على مصر، نظراً إلى وجود إحتياطي مائي في بحيرة ناصر والسد العالي.

ويتضح من هنا أن تخفيض منسوب المياه، في بحيرة ناصر والسد العالي يُمثّل مصلحة وجودية لمصر، والسؤال المطروح هل الرد على المستوى السياسي، إزاء تحديات أثيوبيا، يعتبر كافياً لدرء الأخطار عن مصر، ويبدو أن أثيوبيا تحظى من خلف الستار بدعم إسرائيلي وتركي ورضا أميركي.

طالب بعض الأوساط السياسية في مصر، بالقيام بضربات جوية لسد النهضة منذ البداية، وقد إتضح صعوبة، وعدم فعالية الضربات الجوية في تدمير السد.

أما التدخل العسكري المباشر في أثيوبيا فدونه صعوبات جمة. نظراً إلى بعد الحدود بين البلدين حيث تبلغ المسافة من الحدود المصرية السودانية الى الحدود الأثيوبية أكثر من 2,000 كلم.

وإذا عدنا إلى التاريخ الحديث فإن حاكم مصر والسودان الخديوي إسماعيل (1863-1879) قد خطط، لبسط سيطرته من السويس إلى الصومال، حيث كانت آنذاك المملكة المصرية تتصدّر الدول الإفريقية في التقدم والعلم. وقد تمكن الجيش المصري في المرحلة الأولى، من إجتياح المملكة الأثيوبية بقيادة الإمبراطور يوهانس السابع، إلا أن العدد الكبير للجيش الأثيوبي، إزاء الجيش المصري، مكّن أثيوبيا من رد قوات الخديوي إسماعيل، بعد معركة “غورا” (Gura) حيث تم عقد معاهدة سلام بين اثيوبيا والمملكة المصرية في العام 1884، برعاية الأميرال البريطاني سير وليم هيوات (William Hewat).

والسؤال المطروح، أمام التحدي الوجودي لسد النهضة وعدم تلبية المطالب المصرية، في نسبة تدفقات النيل الأزرق إلى بحيرة ناصر وسد اسوان، هل يحتم على مصر القيام بحملة عسكرية، أم أن الحلول الديبلوماسية للدول الفاعلة في مجلس الأمن قادرة على نزع فتيل الإنفجار في السنوات المقبلة؟

التحدي التركي

يُمثّل الوجود العسكري التركي في ليبيا، تحدياً مباشراً للأمن القومي المصري، فقد تدخلت تركيا إلى جانب حكومة فايز السراج، المعترف بها دولياً، حيث نقلت أكثر من 10 آلاف مقاتل من سوريا ومئات الخبراء العسكريين الأتراك، وأسلحة برية وجوية وبحرية. وفي المقابل فإن اللواء خليفة حفتر، قد حظي بدعم من مصر وفرنسا والإمارات. وقد وصلت ذروة التوتر على طول الحدود الشرقية والجنوبية، بعدما أجرت مصر مناورة عسكرية كبيرة، في منطقتها الساحلية القريبة من ليبيا.

كما دعا البرلمان في طبرق شرق ليبيا، والذي يدعم “الجيش الوطني الليبي” بقيادة اللواء حفتر، مصر، للتدخل العسكري المباشر إزاء التهديد التركي.

على صعيد آخر إعتبر الرئيس المصري السيسي مدينتي سرت والجفرة خطاً أحمر، بعدما كانت حكومة السراج بدعم تركي، تنوي إقتحام المدينتين. هذا وقد حذر الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى من التدخل التركي في ليبيا، وإعتبره تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، وتساءل من أعطى الضوء الأخضر لتركيا، للوصول إلى غربي المتوسط في إشارة منه إلى تساهل أميركي مع نظام رجب طيب أردوغان.

تشير معلومات متوافقة، أن واشنطن نجحت في نزع فتيل الإنفجار مع حليفتيها مصر وتركيا على الحدود المصرية الليبية، وفي ردع الهجوم التركي على مدينتي سرت والجفرة. والسؤال المطروح هل سيستمر أردوغان في مغامرته الليبية؟ أما على الصعيد العسكري، فهناك تخوف مصري من الغرق في الرمال المتحركة في الصحراء الليبية.

الإخوان المسلمون

يمثل الإخوان المسلمون، خطراً على النظام المصري، بعد انتقال السلطة من الرئيس السابق محمد مرسي، إلى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في العام 2015. وقد تمثل ذلك في العمليات الإرهابية في منطقة سيناء ضد الأمن المصري وفي المناطق المصرية الأخرى. وقد قوبل النشاط الإخواني في مصر بالقبضة الحديدية. وهذا ما أدى إلى ترديّ العلاقات المصرية – التركية. على صعيد آخر، يعود الفضل إلى الرئيس السيسي في مواجهة أكبر خطر، هدد الأمن القومي المصري في العام 2014، لدى تولي تركيا زعامة “الإخوان المسلمين”.

فقد كشفت وثيقة سرية نشرت أخيراً، والتي صدرت في عهد الرئيس باراك أوباما وبموافقته، تحمل الرقم PSD 11 (الربيع العربي) وهي مستوحاة من أراء برنار لويس وصموئيل هننغتون، في العام 2010، حيث تتضمن آلية تنظيم إنتقال السلطة في دول شمال أفريقيا، إلى الإخوان المسلمين تحت إشراف أردوغان وحزب العدالة والتنمية في تركيا.

وقد تضمنت الوثيقة أيضاً، آلية الهيمنة الإيرانية على دول الشرق الأوسط. بحيث تصبح الدول العربية في الشرق والغرب دول تابعة. وقد وافقت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على الخطة أملاً في أن يساعدها أوباما في حملتها الرئاسية. ورغم إرتباط النظام المصري بالولايات المتحدة، فإن الرئيس السيسي أفشل بجرأته وصلابته أكبر مخطط تركي للإستيلاء على مصر وشمال أفريقيا.

يبقى أن على مصر ان تواجه التحديات الإستراتيجية والوجودية للأمن القومي المصري ودراسة الأولويات الحيوية لمواجهة العواصف الآتية من أثيوبيا ومن ليبيا ومن سيناء.

  • السفير يوسف صدقة هو ديبلوماسي لبناني سابق. الآراء الواردة في هذا المقال تُمثّل وتخص كاتبه وليس “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى