بيروت تحرقُ القلبَ و تستغيث… كفى كفى

بقلم عرفان نظام الدين*

محنةُ الشعب اللبناني ليست وليدة حدثٍ واحد ولا نكبة وحيدة ومُفاجئة، وهي ليست ابنة ساعتها بل جاءت نتيجة تراكماتٍ وأحداث وصراعات ونزاعات طائفية ومذهبية وتدخّلات خارجية من كل حدبٍ وصوب وحروب الآخرين بين الشرق والغرب، والعرب والعجم على ارض لبنان.

وكلّ مَن رأى هذا المشهد الدامي والدراما الإنسانية المُدَمّرة لم يتمالك نفسه من ذرف الدمع حزناً على بيروت ست الدنيا وأهلها المنكوبين، وبضمِّ صوته الى صرخات اللبنانين ونداءات الإستغاثة وأنين الأطفال ومآسي المدنيين .

طُلِبَ منهم أن يُلبّوا نداء “خليك بالبيت” لمحاربة الموت من جائحة كورونا، فلبّوا النداء وجلسوا في بيوتهم ليطالهم وحش الإنفجار الهائل ويُمسكُ بهم ويُصيب الآلاف ويوقع أكثر من مئتي شهيد وآلاف الجرحى بسبب الإجرام والإهمال والفساد والتناحر وأخذهم رهينة بين مطامع العدو وعناد التابعين لجهات خارجية.

قد يُقال أن الإنفجار الكبير نجم عن تخزين مفرقعات أولاد أو تخزين مواد متفجرة (نيترات الأمونيوم) للترانزيت، وقد يتم اختيار كبش فداء او أكثر لتغطية الحقيقة، ولكن من يُتابع أحداث لبنان يُصدم بعدد المؤامرات التي تعرّض لها منذ أكثر من قرن. ويُفجَع بوحشية المُتصارعين على أرضه من كل حدب وصوب الذين استضعفوه فركبوه، وتقاتلوا على جثث أطفاله فخرّبوا البلاد، وشرّدوا العباد، وهاجر كل من وجد سبيلاً للهروب واللجوء الى الخارج.

قد يكون الإنفجار مُجرّد حدث من الأحداث، ولكن كل إنسان يُدرك تماماً الخلفيات والأبعاد ضمن سلسلة نكبات وانهيارات بسبب الفساد والحروب ونهب الأموال والأنانيات، والتصميم على جعل لبنان كبش فداءٍ للغرب والأطراف العربية والاقليمية، وتحويله الى مركز للندب واختصار ما خلّفته الحروب، واستقبال ملايين اللاجئين والنازحين.

وها نحن نجد الآن رئيساً ضعيفاً وحكومة عاجزة تعيش على النكابات وادعاء الإنجازات الوهمية، والندب، ورمي المسؤولية على الآخرين الذين كانوا يحكمون على مدى عشر سنين، برمي فشله على “هنن”، ويعد بكهرباء ٢٤على ٢٤، فنصل الى انقطاع ٢٤على ٢٤.

ومهما قيل عن الإهمال والفساد والمسؤول عن الحدث الجلل، فإني أضمّ صوتي الى أصوات ملايين اللبنانين الذين انتفضوا وحوربوا واتُّهِموا بشتى التهم لأنهم هتفوا ضد النهب وعجز السياسيين والنواب “كلهن يعني كلهن”.

وكما نشارك بيروت في استغاثاتها وصرختها المدوية … كفى كفى حروباً وصراعات ونزاعات وفساد، وكفى استباحه لبنان للمطامع الخارجية وجرّه الى ميدان الحروب. رحم الله الشهداء رحمة واسعة، وأعان اللبنانيين على محنتهم على النهوض والتحليق من جديد كطائر الفينيق الأسطوري.

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي، ومُحلّل سياسي عربي. كان رئيساً لتحرير صحيفة الشرق الأوسط السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى