الدَربُ الطويل

بقلم راشد فايد*

لا شيء يدعو إلى الفخر في جمهورية الزمن التافه، سوى سباق الأوهام بين المُتناحرين سياسياً الذين لا يرون أبعد من أرنبات أنوفهم: تُغرقهم جملة، وتَرفعهم لفظة. يُقلقهم طُفَيلي، ويُهدّئهم مُدلّس. لا قرار لهم، ولا رؤية. فتيانٌ في أجسادِ عمالقة، وكبارٌ بعقول عصافير. يُقال كما تكونون يُوَلّى عليكم. ويُقال كل مَن (وما) على بابه يُشابه أصحابه، وباب بعبدا شاهد على الركيك والهزيل، في الأقوال والأفعال، منذ 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2016، وليس أدل على ذلك من أن حكومة رئيس الجمهورية التي صنعها له “حزب الله” على صورته ومثاله، لمّا تزل تتخبّط في خليط الأرقام المالية، وتتهجّأ معرفة الإصلاحات التي تنصح بها مجموعة الدعم الدولية، وغيرها من حكومات ومؤسسات.

تفوحُ رائحة الفساد والرشى في كل ما يُوضع من قوانين ويُذاع من دعوات إلى تغييرات، من الكهرباء إلى السدود فالوضع المالي، والتهليل لإقفال المعابر مع سوريا، وغير ذلك مما تزخر به اللائحة “الخلّبية”، لكأنما لبنان بات في حاجة إلى وصيّ يُدير شؤونه من فوق رأس الطبقة السياسية، فلا رؤية ولا أفق ولا جدية، وكله غارق في الآنية واللحظوية. وهل أدلّ على ذلك من وعود جبران باسيل، وخلفائه في وزارة الطاقة، منذ 10 سنين، إن لم يكن أكثر، بكهرباء 24/24، ثم يأتيك منهم مَن يقول، برغم “كتيبة” نوابه ووزرائه وجنراله الرئيس، “ما تركونا نشتغل”.

هل تأتلف هذه “اللوحة” الوطنية الراهنة مع دعوة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي إلى حياد لبنان؟ بالطبع لا، لأن من شروط حياد دولة أن تكون قوية، بجيشها وبنيتها الدستورية والقانونية ووحدة قرارها الوطني، فيما صورة لبنان عنوانها ضعف الدولة، وعجزها عن فرض احترام قوانينها، وصَون سيادتها، على ناسها وأراضيها، ما أتاح للدويلة قضمها والإنتقال من دور الشريك في القرار، في مرحلة سابقة، إلى صاحب القرار. فمن شروط الحياد أن تكون الدولة التي تتبنّاه قادرة على حماية حدودها، ولا تتدخّل في شؤون غيرها من الدول القريبة والبعيدة، وهو ما يُسمى النأي بالنفس الذي تبنّاه لبنان، وخرقته الدويلة المُتحكّمة بقراره، وتحوّلت إلى قوة إقليمية مُسلّحة، قرارها في طهران ومداها حيث تستطيع تقديم خدماتها.

طرحُ حياد لبنان اليوم رسالة وطنية تقول إن الأمور لم تَعُد تُحتَمل، ومُقتضيات تحققه مسؤولية الداخل والخارج، وهو، نظرياً منفذ يؤدي بـ”حزب الله” إلى إشهار لبنانيته بلا التباس، وهذا ما يستحيل عليه وما يُموّهه بتأبيد “المقاومة” لفظياً، واستخدامها يافطة في كلّ صغيرة وكبيرة، في عملية استلاب جماهيري تستهدف طائفة بعينها، ومنحها شعوراً بفائض قوة، لا يخجلها من تبعية مغلفة بغطاء ولاية الفقيه.

دربُ الحياد طويل ضد ”نظام” المقاومة المزعوم من سنة 2000 ووثائق “الترتيبات” المواكبة للإنسحاب الإسرائيلي حينها. ومن حينها “الأمن” مُستتب على الحدود لولا بعض الإستعراضات، لزوم تاكيد الرواق”.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني:  rached.fayed@annahar.com.lb
  • يصدر هذا المقال أيضاً في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى