مستقبلُ لبنان والإتفاق مع صندوق النقد مُعلّقان على مَن سيفوز في الإنتخابات الأميركية

بقلم مايكل يونغ*

بينما يُحذّر خبراء الإقتصاد من أن لبنان على بُعدِ أسابيع فقط من الإنهيار التام لنظامه الإقتصادي، تُشير جميع الدلائل إلى أن السياسيين والأحزاب اللبنانية، وحتى الولايات المتحدة، يجرون حساباتهم في إطارٍ زمني أطول.

حتى الإنتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، من غير المُرجّح أن يوافق “حزب الله”، المُهيمن في لبنان، على إقالة حكومة رئيس الوزراء حسّان دياب. ويُفضّل الحزب انتظار نتيجة الإنتخابات من أجل تحديد نوع الحكومة التي يجب أن تحل محلها، حتى لو كان يُدرك وبعرف أن دياب لديه هامش ضئيل لإحداث تغييرٍ حقيقي حتى ذلك الوقت.

ومن المفارقات أن التقارير تُشير إلى أن واشنطن هي في إطارٍ ذهني ليس مُختلفاً تماماً. إن المسؤولين الأميركيين أنفسهم غير مُتأكّدين من أن الرئيس دونالد ترامب سيفوز في إعادة انتخابه، لذا فهم مترددون إلى حد ما في الضغط بقوة على الجبهة اللبنانية. وجزئياً، يُقال إنهم لا يريدون رؤية انهيار اقتصادي كامل للبلاد، مع كل المخاطر التي قد تترتب على ذلك.

في هذا السياق، يواصل لبنان التفاوض مع صندوق النقد الدولي من أجل خطة إنقاذ يُمكن أن تساعد على إنعاش موارده المالية. لكن المُحادثات لم تُحرز تقدّماً لأن اللبنانيين أنفسهم مُنقَسِمون.

وقد طعن حاكم بنك لبنان، رياض سلامة، وجمعية المصارف اللبنانية في أرقام تقديرات الحكومة لخسائر البنك المركزي والقطاع المصرفي، حيث يُجادلون بأن الأرقام أقل بكثير.

هناك العديد من الأسباب التي تجعل البنوك تُريد التقليل من الخسائر. من خلال تخفيضها، تأمل المصارف في دفع مبلغ أقل لتسهيل انتعاش لبنان المالي. وبالنسبة إلى هذا الأمر لديهم دعم السياسيين البارزين، الذين لا يُريدون فقدان مبلغ كبير من أموالهم في أي برنامج يُفرَض للإنقاذ.

وترتبط البنوك مع السياسيين برابطٍ قوي، لكن العيب الرئيس لديهما هو أن أرقام صندوق النقد الدولي أقرب كثيراً إلى أرقام الحكومة.

مع ذلك، فإن المشكلة الأوسع التي تُواجهها حكومة دياب هي أكثر جوهرية. ليست لدى الحكومة سوى مساحة صغيرة لإصلاح الوضع المالي والإقتصادي في لبنان لأنها لا تملك الدعم السياسي للقيام بذلك.

في حين أن الطبقة السياسية تُدرك جيداً الحاجة إلى التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، والذي بدونه سينهار النظام الذي ترأسه، إلّا أن لديها شروطاً مُعيَّنة لذلك.

الأول هو أنهم ينظرون إلى أي صفقة مع صندوق النقد الدولي على أنها أداة يجب أن تُديم سيطرتهم على النظام السياسي. يُدرك السياسيون أن اللبنانيين يريدون مثل هذا الإتفاق باعتباره شريان الحياة للخروج من مأزقهم الحالي، ولهذا السبب تسعى الطبقة السياسية إلى تسليمه بنفسها وعدم السماح لحكومة دياب القيام بذلك.

وبعيداً من مقاومة صفقة صندوق النقد الدولي، كما تكهّن البعض، فإنهم يريدون الإستفادة منها لإحياء وتعزيز سلطتهم السياسية.

ثانياً، صفقة صندوق النقد الدولي هي آلية تُتيح للسياسيين تعزيز مزاياهم الإقتصادية والإستفادة لتحقيق مكاسب سياسية فردية. على سبيل المثال، من القضايا المركزية التي تحتاج إلى معالجة في برنامج الإصلاح هو قطاع الكهرباء المبذّر والمُهترئ والفاسد للغاية.

الشخص الذي يسيطر على هذا القطاع، جبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحر، يأمل في أن يخلف والد زوجته ميشال عون رئيساً. لذلك فهو في وضع مثالي لتقديم تنازلات في قطاع الكهرباء كوسيلة لضمان الدعم السياسي لترشيحه.

تنطبق حسابات مُماثلة على الجميع أيضاً. بالنسبة إلى السياسيين، تُمثّل صفقة صندوق النقد الدولي مرحلة رئيسة في المفاوضات في ما بينهم، وسوف تساعد على تحديد كيفية خروج كلّ منهم من الكارثة الإقتصادية في لبنان. هذا هو السبب في أن ما يُعيق الإصلاح ليس أن الطبقة السياسية ترفض قبول مثل هذا المسار، ولكن السياسيين يريدون أن يضعوا العناصر المتنوعة لبقائهم السياسي في أي اتفاق مستقبلي.

الشرط الثالث مرئي وواضح أيضاً. السياسيون لا يريدون أن يدفعوا ثمناً باهظاً لإحياء لبنان. كان خلاف البنوك مع الحكومة بشأن خسائرها أحد أبعاد هذا النهج. ولكن بشكل عام، يريد السياسيون والأحزاب في السلطة نقل عبء أي انتعاش إلى الشعب.

وهذا لن يُفيدهم شخصياً فقط بتخفيض الفاتورة التي سيتعيّن عليهم دفعها لسنوات من الفساد؛ فهو سيسمح لهم التعامل مع الإستياء الشعبي لصالحهم، وبالتالي تعزيز قوتهم.

منذ تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، كان الطموح الرئيس لكبار السياسيين والأحزاب في لبنان هو إعادة تأكيد سلطتهم على مجتمع رفضهم على أنهم غير شرعيين خلال انتفاضة تشرين الأول (أكتوبر) 2019.

هذا التهديد أخافهم، لكنهم قاموا بتحييده بثبات من خلال السماح للأزمة المالية بالنمو، وتحويل حكومة دياب إلى كبش فداء لجميع العلل اللبنانية. بهذه الطريقة، ومع ارتفاع المعاناة الجماعية، قدم السياسيون أنفسهم على أنهم الوحيدون القادرون على حلّ مشاكل لبنان.

لكي تؤتي هذه العملية ثمارها، وحتى يشعر “حزب الله” بالراحة عند تغيير حكومة دياب، هناك حاجة إلى مزيد من الوقت، ربما حتى نهاية العام إذا كان بإمكان الاقتصاد أن يستمر طويلاً.

في غضون ذلك، سيظل اللبنانيون يواجهون أزمة اقتصادية رهيبة، ولكن أيضاً أزمة سيبقى فيها الوضع تحت السيطرة. إن اسم اللعبة بالنسبة إلى السياسيين في لبنان هو البقاء، وليس منح الإرتياح والطمأنينة لمواطنيهم الفقراء.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مدونة برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، في بيروت. يُمكن متابعته على تويتر: @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرَّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى