الإقتصاد غير الرسمي الضخم في مصر يُعقِّد استجابتها للوباء

بقلم ميريت ف. مبروك*

إن محاولة تقييم وقياس آثار وباء “كوفيد-19” على الإقتصاد المصري يُشبه مشاهدة أنبوبٍ يُقطّر ماءً ببطء على السقف. ليست لديك طريقة لمعرفة مدى سوء الأمر، ولكن يُمكنك القول بأنه خبرٌ سيّئ ويتفاقم يوماً بعد يوم.

مصر ليست وحدها في هذا الوضع، بالطبع – كل بلد تلوَ الآخر في العالم يتلقى اقتصاده ضربة قوية. والواقع أن مصر لديها عوامل ربما خفّفت من وقعها أكثر من الاقتصادات الناشئة الأخرى في البداية. في محاولة للتغلب على العاصفة، حاولت الحكومة الموازنة بدقّة بين الإنفاق الذي سيُمكّنها من الحفاظ على تصنيفها الإئتماني كي تتمكن من الإقتراض بشروط مواتية، والتدابير لتخفيف الضرر على مواطنيها. وقامت بتدعيم احتياطاتها من العملات الأجنبية، مما وفّر وسادة وحاجزاً مكّنها من تنفيذ إجراءاتٍ لحماية الفئات الأكثر ضعفاً في البلاد، بما فيها حزمة تحفيز بقيمة 100 مليار جنيه مصري. بالإضافة إلى ذلك، قام البنك المركزي على الفور بتخفيض أسعار الفائدة بثلاث نقاط مئوية، وإعفاء القروض المُتعثّرة والمدفوعات المتأخرة من الغرامات، وإلغاء رسوم السحب من أجهزة الصراف الآلي لمدة ستة أشهر، وطَلَبَ من البنوك توفير خطوط ائتمان للشركات لتمويل الرواتب ورأس المال. وفي محاولةٍ لحماية السكان الذين ترتفع لديهم معدلات الفقر، مدّد فترة استتثناء الغطاء النقدي لبعض المواد الغذائية لمدة 12 شهراً. وقد حصلت صناعة السياحة، التي تُوظّف حوالي عُشر السكان، على دعمٍ خاص، على السواء، لأصحاب العمل، في شكل تسهيلات ائتمانية لمدة عامين، وللموظفين، في شكل مرسوم يُحظّر فصل أي موظف خلال الأزمة.

ومع ذلك، كان الإقتصاد غير الرسمي الكبير في مصر من أكثر العوامل تعقيداً في المعادلة. يضم هذا الإقتصاد حوالي 63٪ من إجمالي العمالة المصرية. فهو يُمثّل ما يقرب من 50 في المئة من جميع العمالة غير الزراعية ونسبة مذهلة تقدر ب 30-40 في المئة من اقتصاد البلاد. هذا الرقم هو أعلى من مثيله في الاقتصادات الإقليمية الأخرى، وهو رقمٌ يميل إلى التفاعل مع التغيير الإجتماعي-السياسي والإضطراب. على وجه التحديد، نما حجم هذا القطاع خلال تنفيذ برنامج الإصلاح الإقتصادي والتنمية في تسعينات القرن الفائت، ومرة ​​أخرى بعد الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008، ومرة ​ثالثة بعد الإنتفاضات العربية في العام 2011. وفي الحالتين الأخيرتين، دعم القطاع نظيره “الرسمي”. كان القطاع غير الرسمي، الذي لم يكن مُثقلاً بالقيود البيروقراطية التي غالباً ما تخنق اقتصاد الدولة، أكثر مرونة واستجابة وتحفيزاً بشكل ملحوظ. وغالباً ما اعتمد عليه القطاع الرسمي في شكل تعاقد من الباطن وتقديم السلع والخدمات. واستوعب أيضاً 1.6 مليون عامل خلال هاتين الأزمتين.

ومع ذلك، هناك تكاليف ومخاطر كبيرة مُرتبطة بالمرونة التي تأتي مع العمل خارج القطاع الرسمي. إن عدم وجود أي ضمان أو تأمين يعني أنه حتى في ظل الظروف المستقرة، كان على هؤلاء العمال قضاء ساعات أطول لتقليص العائدات وهم عرضة للغاية للتهديدات الخارجية. إن حجم السوق يعني أنه يُمكن أن يوفّر إحباطاً باهظ الثمن للقطاع الرسمي ولكنه يتضمّن أيضاً انخفاضاً كبيراً في استقرار الوظائف، نظراً إلى أن الأعداد الكبيرة تعني انخفاض الطلب والمنافسة الداخلية الشديدة. إذا كان العامل لا يدير أعماله الخاصة، فإن الميل عندها يكون بالتوجه إلى العمالة غير الرسمية كوسيلة لكسب الرزق إلى أن يأتي العمل الرسمي الذي غالباً ما يُعيق التقدّم الإجتماعي.

في ضوء ما سبق، فإن شروط الإغلاق، المفروضة في محاولة لمنع انتشار الفيروس، تعني أن الطلب على خدمات عمّال السوق غير الرسميين قد انخفض، مما تركهم بدون وسيلةٍ لكسب العيش أو شكلٍ من أشكال الضمان والأمان أو المدّخرات التي يُمكن الاعتماد عليها. وقد أثر هذا على الفور في قدرتهم على دفع الإيجار، ما زاد من تعقيد التركيبة السكانية لسوق الإيجار في مصر. كثيرٌ من أفقر هؤلاء العمال في المناطق الفقيرة يستأجرون من مالكين ليسوا أفضل حالاً منهم، الأمر الذي يخلق دوامة هابطة من الدخل المفقود. في حين أعلنت الحكومة عن 500 جنيه شهرياً للعامل غير الرسمي في بداية الوباء، وهو ما يُمثّل حوالي نصف متوسط ​​راتب هؤلاء العمال، فقد تم تطبيقه فقط على أولئك الذين تم تسجيلهم قبلاً لدى الحكومة. مرة أخرى، بينما تم إنشاء خطوط ساخنة ومواقع عبر الإنترنت على الفور لمحاولة مساعدة الأشخاص على التسجيل، فعادة ما يكون الفقر متناسباً عكسياً مع التعليم وليس من الواضح كم من المُستَهدَفين في السوق كان بإمكانهم الإستفادة.

في ظل هذه الظروف، من المرجح أن تلغي الحاجة إلى العمل الحاجة إلى الملجأ لتجنّب الفيروس. إذا لم يتمكن المرء من إطعام الأسرة، فمن غير المرجح أن تكون الصحّة مصدر القلق الرئيس. وهذا بدوره من المرجح أن يعوق بشكل خطير جهود مصر لمحاربة الوباء.

  • ميريت ف. مبروك زميلة كبيرة ومديرة برنامج مصر في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. يمكن متابعتها على تويتر: mmabrouk@. الآراء الواردة في هذه المقالة هي خاصة بها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى