ما هي نهاية اللعبة التي تقود العقوبات الأميركية؟

بقلم مايكل يونغ*

في الأسبوع الفائت، أصدرت مجموعة من الأعضاء الجمهوريين المحافظين في مجلس النواب الأميركي تقريراً مليئاً بالتوصيات عن السياسة الخارجية للبلاد. في القسم الخاص بالشرق الأوسط، تم تقديم مُقترَحات لأول مرة لمُعاقبةِ دولٍ مثل لبنان والعراق، وهما بلدان لا يُعتبرُ أيّ منهما عدواً للولايات المتحدة، كجزء من حملةٍ لاحتواء إيران إقليمياً.

التقرير، الذي أعدّه أعضاء لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري، لا يزال يواجه عقبات قبل أن يُصبح سياسة. الجمهوريون هم أقلية في مجلس النواب، وبالتالي لديهم قدرة محدودة على تحويل توصياتهم إلى تشريعات، لا سيما في سنة انتخابية إستقطابية. هناك أيضًا مُقاومة من داخل إدارة دونالد ترامب لعددٍ مُعَيَّنٍ من المُقترَحات.

مع ذلك، من الجدير الملاحظة أيضاً أن التوصيات وُضِعَت في وثيقة رسمية للحزب الجمهوري. حتى إذا لم يتم تنفيذها الآن، فهي دليلٌ على ما قد يقوم به الجمهوريون المحافظون في المستقبل. لفَهم ما يحدث بالضبط، يجب على المرء أن يعود إلى سنوات إدارة أوباما.

إن نقد المُحافظين للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما هو أنه سعى إلى استخدام خطة العمل الشاملة المشتركة – الإتفاقية النووية الدولية مع إيران – كوسيلة للإعتراف بحصة طهران في المنطقة. بالنسبة إلى أوباما، إذا أمكن إنشاء تسوية موَقتة بين الدول الرئيسة في الشرق الأوسط، فإن ذلك سيخلق الإستقرار اللازم للسماح للولايات المتحدة بالإنسحاب من المنطقة.

لقد أوضح أوباما نواياه في مقابلة مشهورة جداً أدلى بها للصحافي جيفري غولدبيرغ في مجلة “ذي أطلنتيك” (The Atlantic) في نيسان (إبريل) 2016. لقد أعلن الرئيس السابق: “المُنافسة بين السعوديين والإيرانيين – والتي ساعدت على تغذية الحروب بالوكالة والفوضى في سوريا والعراق واليمن – تتطلّب منا أن نقول لأصدقائنا وكذلك للإيرانيين إنهم بحاجة إلى إيجاد طريقة فعّالة للعيش معاً والمشاركة في المنطقة وإرساء نوعٍ من السلام البارد”.

سرعان ما شعر الإسرائيليون بأن الرئيس الأميركي السابق يُريدُ إعادة تنظيم نهج بلاده تجاه الشرق الأوسط بطريقة جذرية. من خلال الإعتراف بمصالح إيران على أنها مشروعة، وباستخدام الإتفاق النووي كآلية من شأنها تشجيع إيران على تحديد دور إقليمي جديد لها، كان أوباما يشير – من دون أن يقول ذلك – إلى أن إسرائيل وأمنها لم يَعُدا مصدرَ قلقٍ رئيساً في واشنطن .

والأسوأ من وجهة النظر الإسرائيلية أن خطة العمل الشاملة المشتركة تضمّنت إغلاق البرنامج النووي الإيراني لفترة مُحدَّدة فقط. بعد ذلك، ستتمكن طهران من استئناف تخصيب اليورانيوم، وفي نهاية المطاف، بناء أسلحة نووية بالأموال التي تأتي من التطبيع الاقتصادي. ومن شأن هذا أن يُنهي احتكار إسرائيل للأسلحة النووية في الشرق الأوسط.

منذ تلك اللحظة، ركّزت إسرائيل وحلفاؤها في واشنطن على شيئين: الضغط من أجل انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، وتوسيع الإجراءات الأميركية ضد حلفاء إيران – بشكل أساس في العراق ولبنان واليمن – من أجل كسر الشبكة الإقليمية للجمهورية الإسلامية. بهذه الطريقة، حتى لو عادت إدارةٌ ديموقراطية إلى السلطة في أميركا، فستجد أنه من المستحيل تقريباً إحياء سياسة أوباما.

عندما يقرأ المرء الأقسام المتعلقة بالشرق الأوسط في تقرير لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري، يشعر من دون شك في أنها كُتِبَت من قبل خبراء في مؤسسات فكرية بحثية للمساعدة على دفع الجهود الإسرائيلية لقلب خطة العمل الشاملة المشتركة واستهداف الدول التي يُعتَقَد أنها تسيطر وتُهيمن عليها إيران. بعض هؤلاء الأفراد أُعلِنَت أسماؤه.

لأن تفسير إسرائيل للأحداث الإقليمية له مكانة عالية في واشنطن دونالد ترامب، فإنه سببٌ مهم في أنه يجب أخذ تقرير لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري على محمل الجد. بعد كل شيء، نجح أعداء خطة العمل الشاملة المشتركة في إقناع ترامب بالتخلّي عن الإتفاق النووي. لكن حتى الديموقراطيين المُعارضين للرئيس ليسوا ضد الجهود الرامية إلى احتواء وكلاء إيران. إن التهديد الذي تُشكّله صواريخ “حزب الله” على إسرائيل ليس بالشيء الذي من المُحتمل أن يختلف عليه الجمهوريون والديموقراطيون.

ومع ذلك، هناك سؤال آخر: أين تنتهي اللعبة الإسرائيلية في كل هذا؟ إذا استمر تشديد العقوبات الأميركية على مجموعة واسعة من الدول في المنطقة، ومعظمها يُعاني ومُعرَّضٌ أصلاً لضعف شديد، فمن الممكن أن تكون النتيجة سلسلة من انهيار الأنظمة الإجتماعية والإقتصادية، ما سيؤدي إلى عدم استقرارٍ إقليمي أوسع نطاقاً. هل هذا هو هدف اسرائيل؟

لبنان مثالٌ جيد. يطلب تقرير لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري ألّا تذهب أموال دافعي الضرائب الأميركية لتمويل خطة إنقاذ صندوق النقد الدولي له. إذا تم رفض مثل هذه المساعدة، فستُمثّل مُذكّرة وفاة البلاد، لأن لبنان يعتمد بشكل كبير على الواردات من أجل الغذاء والوقود والأدوية. بدون عملة صعبة لتمويل مثل هذه الواردات، ستكون الدولة فقيرة ويُمكن أن تذوب وتتلاشى في حالة من الفوضى، مع تداعيات لها تأثير خطير في المنطقة.

يُجادل مُنظِّرو المؤامرة بأن إسرائيل ستُرحّب ببلقنة الشرق الأوسط التي ستُغرِق إيران ووكلاءها في عدد لا يحصى من الحروب الصغيرة بينما يقوم الإسرائيليون بتعزيز أنفسهم وضمّ أراضٍ في الضفة الغربية. في الوقت الحالي، يُمكن للمرء أن يتكهّن فقط حول نوايا إسرائيل، ولكنه مؤشّرٌ إلى المكان الموجودة فيه المنطقة اليوم، حيث لا يوجد كثيرون من الناس يستبعدون أو يرفضون بسهولة مثل هذا السيناريو.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت. يُمكن متابعته على تويتر: @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى