هل هناك مستقبل للنقد بعد جائحة “كوفيد-19″؟

مع تدابير احتواء الفيروس التاجي التي وفّرت دفعاً كبيراً للمدفوعات عبر الإنترنت والتجارة الإلكترونية في جميع أنحاء العالم، يبدو أن الوباء يُسرّع التحوّل نحو المعاملات غير النقدية في الأسواق الناشئة.

 

التسويق عبر الإنترنِت: عزّزته جائحة “كورونا”

لندن – باسم رحال

أدّت المخاوف من انتشار فيروس “كورونا” المُستجد، إلى جانب تنفيذ إجراءات الإغلاق، إلى زيادة عالمية كبيرة في المدفوعات غير النقدية خلال الأشهر القليلة الأولى من هذا العام.

في إندونيسيا، على سبيل المثال، إرتفعت المعاملات الرقمية بنسبة 102.5٪ على أساس سنوي في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2020، وفقاً لبنك إندونيسيا المركزي.

في الإمارات العربية المتحدة، وجدت أرقامٌ من مركز الأبحاث “كين” (Ken Research) أن طلبات البقالة عبر الإنترنت قد زادت بنسبة 80-100٪ في الأشهر القليلة الأولى من العام بسبب الفيروس، بينما شهد بعض تجار التجزئة عبر الإنترنت في المملكة العربية السعودية زيادة بنسبة 200٪ في متوسط المبيعات في المراحل الأولى من انتشار الوباء.

وفي الوقت عينه، في كينيا، واحدة من الدول الرائدة في المدفوعات الرقمية في أفريقيا، نصحت الحكومة الناس باستخدام طرق الإنترنت أو الهاتف المحمول بدلاً من النقد كإجراء وقائي ضد الفيروس.

للمساعدة على تسهيل ذلك، أعلنت “سافاريكوم” (Safaricom)، أكبر شركة اتصالات في البلاد ومالكة منصة “أم-بيزا” (M-Pesa) الرائدة في السوق بالنسبة إلى دفع الأموال عبر الهاتف المحمول، في منتصف آذار (مارس) أنها ستلغي رسوماً على جميع المعاملات التي تتم لأقل من 1000 شِلنغ كيني (9.42 دولارات أميركية)، بينما زادت حدّ المعاملات اليومية للشركات الصغيرة والمتوسطة من 70,000 شلنغ (659 دولاراً) إلى 150,000 شلنغ (1410 دولارات).

بالنظر إلى هذه الاتجاهات، قدّرت شركة برمجيات التحليلات “ستاتيسكا” (Statistica) أنه على الرغم من إمكانية حدوث ركود عالمي، فإن المدفوعات الرقمية العالمية ستزيد بنسبة 14.2٪ هذا العام.

الشركات تتكيّف

التحوّل في طرق الدفع أجبر تجار التجزئة ومراكز التسوق أيضاً على تحسين عروضهم عبر الإنترنت.

على سبيل المثال، إتّجه عددٌ من مراكز التسوّق الكبرى (المولات) في دبي نحو منصّات الإنترنت لتحفيز نشاط البيع بالتجزئة أثناء عمليات الإغلاق وإقفال المراكز التجارية.

في منتصف نيسان (إبريل)، أطلق “دبي مول”، أكبر مساحة للبيع بالتجزئة في الإمارات العربية المتحدة، متجراً افتراضياً خاصاً به على منصة التجارة الإلكترونية الخليجية “noon.com”. كما أنشأ “مول الإمارات”، ثاني أكبر مركز تسوّق في دبي، منصته الخاصة عبر الإنترنت، والتي تسمى “Trends at Your Doorstep”، في حين قامت سلسلة متاجر “كارفور” الإماراتية بترقية بوابتها إلى سوق إلكترونية واسعة النطاق.

حتى بالنسبة إلى الشركات ذات منصّات التجارة الإلكترونية المتطورة، كانت التعديلات ضرورية للإستفادة من التغييرات في الطلب.

“كان علينا أن نتكيّف من منصّةٍ حيث يُمكن للمُستهلكين في أي وقت شراء ما يريدون إلى منصّةٍ تضمن في المقام الأول أن المُستهلكين يُمكنهم الوصول إلى المواد الأساسية، مثل الطعام والأدوات الصحية ومنتجات النظافة الشخصية”، تقول جولييت أنامه، رئيسة سوق “جوميا نيجيريا” الإلكترونية.

إستجابة للطلب المتزايد على الإنترنت، إضطرت منصات التجارة الإلكترونية أيضاً إلى تحسين أو توسيع خدمات التوصيل والدفع.

وقالت أنامه: “من المجالات التي تأثرت بشكل ملحوظ المدفوعات، حيث كان هناك قلق بشأن نظافة المعاملات النقدية وسلامتها. ولمعالجة هذا الأمر، إنتقلنا إلى عمليات التسليم بدون تلامس، وتأكدنا من أن عمال التسليم لديهم مُطهِّر لليدين، ويرتدون أقنعة وقاية، ويضعون المُشتربات عند الأبواب الأمامية للزبائن”.

استراتيجيات غير نقدية

في حين أنها تأثرت بالوباء ، فإن الزيادة في المدفوعات الرقمية تتوافق أيضاً مع عدد من السياسات الحكومية الطويلة الأمد في الأسواق الناشئة المُصمَّمة لتشجيع النمو غير النقدي.

في العام 2014، أطلق البنك المركزي في أندونيسيا “الحركة الوطنية غير النقدية” في البلاد، والتي تسعى إلى الحدّ من المعاملات النقدية من خلال تعزيز طُرق الدفع البديلة.

تم دعم ذلك في العام 2017 من خلال حظر المدفوعات النقدية لرسوم الطرق وإدخال تشريعٍ للحدّ من المدفوعات النقدية إلى مستوى أقصى قدره 100 مليون روبية (7190 دولاراً)، والذي كان يهدف إلى الحدّ من الرشوة وغسل الأموال.

إرتفعت قيمة المعاملات الرقمية في البلاد بشكل كبير من حوالي 11.8 تريليون روبية (847.2 مليون دولار) في العام 2017 إلى 145.2 تريليون روبية (10.4 مليارات دولار) في العام الماضي، ومن المتوقع أن تشهد نمواً مستمراً وسط جائحة “كوفيد-19”.

في أماكن أخرى، يهدف برنامج تطوير القطاع المالي في المملكة العربية السعودية إلى زيادة نسبة المدفوعات الإلكترونية في المملكة إلى 70٪ بحلول العام 2030، إرتفاعاً من 36٪ في العام 2019.

ولدعم هذه الاستراتيجية، نفّذت الحكومة السعودية في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، قانون التجارة الإلكترونية، المُصمَّم لتنظيم المدفوعات الرقمية وتحسين الشفافية، في حين اعتمدت وزارة التجارة في 31 كانون الثاني (يناير) القوانين التنفيذية لقانون التجارة الإلكترونية، والتي عززت الرقابة في مجالات مثل حماية البيانات الشخصية وحقوق المستهلك والتزامات الإفشاء.

وينبغي أن يساعد هذا النهج أيضاً على تعزيز الشمول المالي، الذي يكون بشكل عام أقل في الأسواق الناشئة منه في الأسواق المُتقدمّة.

في حين أن النسبة العالمية للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 15 عاماً والذين لديهم حساب مصرفي بلغت 68.5٪ في العام 2017، وفقاً لأحدث مؤشر للشمول المالي العالمي للبنك الدولي، فإن الرقم كان 34.9٪ فقط في البلدان منخفضة الدخل.

التحوّل في المدى الطويل

لا شك أن الوباء سرّع من استيعاب وسائل الدفع البديلة وساعد على تطبيع استخدامها في الأسواق الناشئة. ومع ذلك، تعتقد “أنامه” أن هناك عدداً من العوامل التي يُمكن أن تُحدِّد ما إذا كان مثل هذا التحوّل سيستمر في المدى الطويل.

وقالت: “إن جائحة “كوفيد-19″ ستُشجّع المزيد من الناس على الإبتعاد من المعاملات النقدية إلى الحدّ الذي لديهم فيه خيار”. مضيفةً أنه “في الواقع، لقد رأينا أخيراً أن العديد من عملائنا في نيجيريا لا يريدون استخدام النقود إن أمكن. يعتمد هذا الإختيار على عوامل متعددة، مثل الوصول إلى الأجهزة ذات المدفوعات الرقمية، وتكلفة المعاملة والدفع. ومن المهم تفصيل كل هذه العناصر للتأكد من أن تكلفة المعاملات الرقمية مُنخفضة بما يكفي لتشجيع المزيد من الأشخاص على التحوّل إلى الرقمية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى