إقالة رياض سلامة.. إن حَصَلت!

بقلم فيوليت غزال البلعة*

كيفَ يرتفعُ دولار لبنان بنحو 50% في يومين فقط؟ هل من أسبابٍ مُوجبة تُبرّر هذا الكمّ والحجم من فقدان الثقة بسعر صرف الليرة اللبنانية؟

ولِمَ تحرّك الشارع ليلاً تحت شعار المطالبة بإسقاط حاكم مصرف لبنان وحده؟ علماً أن الشعارات تَمَحوَرَت حول سياسات الإفقار والتجويع والمُحاصرة؟

أسئلة مشروعة يُتيحها تسرّب ما تحمله مساعٍ عبر معابر غير شرعية لتحميل رياض سلامة مسؤولية ما ليس من فعله أو ما لا يَدخُلُ فعلاً ضمن مسؤولياته.

في ساعات قليلة، اهتاج الشارع احتجاجاً… وهو مُحِقّ، لأن ارتفاع سعر الدولار من 4 آلاف ليرة الى 6 و7 آلاف، غير مُبرَّر بهذا الحجم، إلّا إذا أُريد للحق أن يَصيرَ باطلاً…

وفي ساعات قليلة، نشطت الكواليس السياسية بحثاً عن مُتَنفّس.. قيل إن رئيس الحكومة حسّان دياب “سارع” الى إلغاء مواعيده اليوم، بغية تخصيص وقته لجلسة طارئة لمجلس الوزراء، ستبدأ صباحاً في السراي بعد اجتماع مع نقابة الصرّافين (!)، وتُستَكمل فصول قراراتها في شأن الأوضاع النقدية في قصر بعبدا… وفي ذلك ما يوحي أن البحثَ عن “كبش محرقة” تقرّر أن يكون هو الضالة: إقالة رياض سلامة بدل إستقالة الحكومة… في محاولة لاسترضاءِ شارعٍ لا يدري فعلاً مُسبّبات ما دفعته الى هذه الحال المزرية، معيشياً واجتماعياً وسياسياً.

تناغم أهل السلطة لمنع سقوط الحكومة، باستثناء بعض الإستثناءات العاقلة والمُتعقّلة، عبّرت عنه صحيفة “الاخبار” بكل صراحة اليوم، مُبرّرة ضرورات إقالة سلامة وفقاً لأحكام قانون النقد والتسليف! ولم يتوانَ “التيار الوطني الحر”، وعبر “أوساط مُقرّبة”، من التأكيد أن إقالة رياض سلامة على طاولة مجلس الوزراء، في إيحاء مباشر بأن مفتاح الحل يكمن في هذا البند. فيما كشفت “مصادر وزارية” ان دياب ليس بوارد الإستقالة، وأن ما يجري يُذكّره بالتظاهرات التي رافقت تكليفه بتشكيل الحكومة.

هي تنفيسة يُراد منها باطل لا حق. تطيير رياض سلامة لن يُقدّم أو يُؤخّر. فالمُسبّبات والعلل في مكان آخر. وأيّ بديل – قد يكون حاضراً بقوة طالما أن القرار مدروس منذ زمن، ومُدَوزَن على مقياس افتعال تأجيج حجم الأزمة – لن يفلح في كبح جماح السلطة السياسية في تغيير هوية لبنان وطبيعة اقتصاده، لتضعه في مثلث “دول العقوبات” بفضل سياسات العناد والتعنّت التي أغرقت البلاد في وحول العداء للمجتمع الدولي والعربي، وفي مقدمه الولايات المتحدة.

أي بديل لرياض سلامة، لن يفلح في وقف عمليات تهريب الدولارات والمواد الأساس المدعومة من مصرف لبنان، أي من أموال اللبنانيين، من بيروت الى دمشق الواقفة عند باب “قانون قيصر”. واي بديل لن يُقنع لا اللبنانيين كما السوريين، بان الآتي من الأيام سيكون افضل. فكيف تُفسّر الحكومة بيع الدولار في سوق بيروت السوداء بنحو 5 آلاف ليرة، لتُنقَل الدولارات الى البقاع اللبناني حيث تُباع لوسطاء بـ7 آلاف، ومن هناك تُنقل بحسب الطلب، الى الداخل السوري، لُتُباع بأعلى من ذلك؟

تظنّ الحكومة بان “الفيتو” الأميركي على إقالة رياض سلامة قد سقط، بعد ضربة قاضية وجهتها التعيينات المالية، حين استبعدت “الوديعة” محمد بعاصيري من مصرف لبنان.

تظنّ الحكومة بانها قادرة على الإستمرار في المراوغة ما بين رفض “تمنيات” واشنطن من جهة عبر عزل محمد بعاصيري وتجاهل سلّة العقوبات، وبين تقرّبها من حضن صندوق النقد الدولي الذي تُساهم واشنطن بـ17% من تمويلاته، لتحصّل 10 مليارات دولار عبر استرضائه بمعادلة 100% للدين العام من الناتج المحلي، وإن كانت الخسائر على حساب القطاع المالي، متغاضية عن مخاطر إفلاس مصرف لبنان والمصارف والمودعين.

تقول معلومات ان الحكومة مُتّجهة اليوم لإقالة سلامة… لكن، وفق موقع “ليبانون ديبايت”، فان الإستبعاد مُرَجّحٌ بقوة “باعتبار أن أي خطوة من هذا النوع تحتاج إلى توافق، و”البوانتاج” الحكومي الراهن لا يُؤمّن هذه الخطوة بدليل انقسامه بين فريقين، واحد مؤيد وآخر يجد أن أي خطوة من هذا النوع تُتّخذُ راهنا قد تؤدي الى مزيد من المخاطر على النقد”.

هي مغامرة جديدة لحكومة حسان دياب التي اعتادت على اتخاذ قرارات من دون ان تدرس مخاطرها وكلفتها وجدواها. خطوة في المجهول ستقود البلاد حتما نحو فوضى مالية من نوع آخر مُستورَد، من سوريا وإيران وفنزويلا، حيث الجوع يتهدّد المجتمعات، والفقر يسود بقوة القمع، والعقوبات تحاصر الإقتصادات وتُوقعها في ركودٍ عميق.

مسؤولية رياض سلامة ليست مُتطابقة مع مواصفات نوايا أهل السلطة ورغبات بعضهم وحساباته الضيقة. فهو وإن كان مسؤولاً عن جزء من أزمة النقد، فإنه ليس مُسلَّحاً بما يكفي من عتادِ المواجهة: التدخّل في السوق، ودعم المواد الأساس (المحروقات، القمح، والدواء وبعض المواد الطبية والصناعية)، الإستقرار السياسي القادر على تعزيز الثقة المحلية والخارجية، والقدرة الأمنية على ضبط التهريب الشامل عبر المعابر غير الشرعية.

تظنّ الحكومة أنها ستربح الحرب إن أقالت رياض سلامة. لكنها حتماً، ستكون الخاسرة الأكبر، وستجرّ خسارتها ويلاتٍ أكبر على اللبنانيين، لأن المناخ المُضطرب والعابق بمخططات تدميرية دوّنتها في خططها ومخططاتها والتي تسعى إلى إرسائها عنواناً لسياساتها، لن يُوفّر النمو الإقتصادي الكفيل بتوفير فرص عمل جديدة، ولن يُخفّض حجم الواقعين من اللبنانيين في دائرة الفقر بعدما شارفت الـ60%، ولن يُهدِّئ جنون سقوط الليرة في مجاهل حالات “عدم اليقين” التي تفرض نفسها.

قرار إقالة رياض سلامة إن اتُّخذ باعتباطية “حكومة المُستشارين”، سيكون حتماً بداية السقوط الحتمي للبنان السياسي والشعبي…

  • فيوليت غزال البلعة هي صحافية وباحثة إقتصادية لبنانية.يُمكن متابعتها على الموقع الإلكتروني التالي والذي يُنشَر عليه في الوقت نفسه هذا المقال: arabeconomicnews.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى