صندوق النقد الدولي حلٌّ للبنان، لكنه ليس كافياً

بقلم كابي طبراني

قبل أيام، صرّحَ وزير الإقتصاد اللبناني، راوول نعمة، لـصحيفة خليجية بأن الحكومة ستكون عاجزة عن مواجهة الفقر “الكارثي” الآتي. إن استخدام هذا المُصطلح ليس بالضرورة مبالغة، فوفقاً للبنك الدولي، سيتم تصنيف 60 في المئة من اللبنانيين على أنهم فقراء بحلول العام 2021، مع تفاقم الأزمات المصرفية والمالية المستمرة بسبب الإنكماش الإقتصادي الناجم عن جائحة “كوفيد-19”.

وفقاً لشركة الأبحاث اللبنانية “إنفوبرو” (Infopro)، فإن ما يقرب من 220,000 شخص فقدوا عملهم بين تشرين الأول (أكتوبر) 2019 وكانون الثاني (يناير) 2020 في دولة يبلغ عدد سكانها (مع اللاجئين والنازحين) حوالي ستة ملايين نسمة. في غضون ذلك، إنخفضت قيمة الليرة اللبنانية في السوق السوداء، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار بنسبة تصل إلى 70 في المئة، وفقاً لنعمة.

في الأوقات العصيبة، يلجأ الناس عادة إلى قادتهم من أجل الحلول والحماية. لكن يبدو أن الدولة اللبنانية اعترفت فعلياً بالهزيمة، وقد تهرّب قادتها الذين حكموها على مدى سنوات طويلة من المسؤولية عن “الكارثة” الوشيكة. في أوائل آذار (مارس) الفائت، بعد ما يقرب من خمسة أشهر من الإحتجاجات المُناهِضة للحكومة، تخلّفت بيروت عن سداد ديونها الخارجية لأول مرة في تاريخها، وهو أدنى مستوى على الإطلاق وصلت إليه البلاد حيث لم تتمكن حتى 15 سنة من الحرب الأهلية من تحقيقه.

بدلاً من تقييم إخفاقاتها، إستمرّت النخبة الحاكمة في فترة ما بعد الحرب في إنكار مسؤوليتها وصرف الإنتباه. هاجم “حزب الله” وأصدقاؤه حاكم مصرف لبنان (المركزي)، رياض سلامة – الذي أعاد حليفهم الرئيس ميشال عون تعيينه في 2017 – واتّهموا الحكومات السابقة بأنها المشكلة.

لا يُمكن للطبقة السياسية التي تقود البلاد منذ نهاية الحرب الأهلية أن تتهرّب من المسؤولية عن عواقب ثلاثة عقود من سوء الإدارة والفساد. لا يوجد سببٌ لماذا يجب التضحية بثروات 60 في المئة من جميع اللبنانيين لإبقاء القادة الفاسدين وغير الأكفاء في السلطة. لكن يبدو أن هذه هي استراتيجية الساسة في البلاد. في حديثه في مؤتمر معهد بيروت قبل أسبوعين، تنبأ الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بأن يذهب كل واحد من القادة الطائفيين في مسار، مما يُقوّض الجهود المبذولة للتوصّل إلى صفقة جيدة مع صندوق النقد الدولي.

أعرب الكثيرون عن أملهم في أن تتوصل المفاوضات بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي إلى خطة إنقاذ تحلّ مشاكل البلاد. ولكن لا يوجد سببٌ للإعتقاد بأن الأشخاص أنفسهم الذين تسبّبوا في اليأس لأمتهم سيكونون هم من ينقذونها.

الواقع أن صفقة صندوق النقد الدولي ليست علاجاً سحرياً لمعاناة لبنان القديمة، وربما تأتي مع إجراءات تقشّفية لا يُمكن للنظام الحالي أن يدعمها.

لا يجب استخدام المفاوضات كعملية إلهاء من قبل “حزب الله” وحلفائه. منذ بداية الإحتجاجات في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، لوَّح السياسيون بحلول سحرية للتعامل مع مشاكل البلاد من دون المساس بحكمهم، بما في ذلك الأمل في أن يصبح لبنان مصدراً ثرياً بالنفط، وهو ادعاء مُبالَغٌ فيه لم يتحوّل إلى حقيقة بعد.

لقد فشلت حكومة ما يُسمى بالخبراء، المدعومة من “حزب الله”، خلال ستة أشهر في إحداث أي تغيير حقيقي. يُمكن أن يكون مسار صندوق النقد الدولي أفضل حلّ للبلد للوقوف على قدميه مرة أخرى، ولكن إذا تمّت إدارته من قبل النخبة عينها، فإن ذلك لن يكون سوى الإضافة إلى ويلات أمة تتجه نحو كارثة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى