“حزب الله” أضعف بكثير مما يبدو!

بقلم مايكل يونغ*

قد يقول البعض إنه نظراً إلى الأزمة التي يواجهها لبنان راهناً، فإن مشروع “حزب الله” للبلاد قد انتهى ومات. ومع ذلك، فإن مثل هذا الكلام يذهب بعيداً من الواقع إلى حد ما.

مع وجود آلاف الرجال تحت السلاح وترسانة صاروخية ودعمٍ إيراني وتأييدٍ كبيرٍ من الطائفة الشيعية، يبقى “حزب الله” قوةً فاعلة في المجتمع اللبناني. لكن الصحيح أيضاً أن قدرته للعمل كرادع لإيران قد تعرّضت لخطرٍ شديد بسبب الوضع الداخلي في لبنان، وقد لا ينتهي هذا الأمر قريباً.

ما هي خطة “حزب الله”؟ من حيث المبدأ، تحويل البلاد إلى ما يُسمّى “دولة مقاومة” تعمل كقاعدة مُتقَدّمة للنفوذ الإيراني، وقوة عسكرية موازنة أخرى لإسرائيل والولايات المتحدة. الإفتراض الشائع هو أن الحزب العسكري المُتشدّد نجح في ذلك الجهد.

ولكن هل هذأ صحيح؟

لا شك أن “حزب الله” يتمتع بسلطة وسطوة على الدولة اللبنانية، لكن هيمنته هذه ساعدت أيضاً على إفلاس لبنان وتقويضه، ما أثّر سلباً في قدراته.

هناك أسبابٌ عدة لذلك. في حمايته لطبقة سياسية فاسدة والسماح لها بمواصلة نهبها للدولة، كان “حزب الله” مسؤولاً جزئياً عن انهيار النظام المالي في لبنان في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت. في ذلك الوقت، أدرك الأمين العام للحزب، السيد حسن نصر الله، وفهم مخاطر الإحتجاجات الشعبية ضد الطبقة السائدة فحاول تحييد الغضب الشعبي، لكنه فشل.

سعى “حزب الله” لأسابيع إلى الإحتفاظ ببعض السيطرة على نظامٍ فَقَدَ كل شرعيته، وفي كانون الثاني (يناير) ظنَّ أنه نجح عندما وصلت حكومة شكّلها الحزب وحلفاؤه إلى السلطة.

لكن شيئاً ما كُسِرَ بالتأكيد. بات لبنان بلداً مُعَسَّراً عاجزاً عن دفع التزاماته، وصار مئات الآلاف من الناس عاطلين من العمل، الأمر الذي أُجبِرَ جميع الأحزاب السياسية على إعادة حساباتها.

هذا الوضع أفقد “حزب الله” إثنين من الشروط الأساسية اللازمة لشنّ حربٍ ضدّ إسرائيل، إذا اضطر أو طلبت إيران منه ذلك. الأول هو قدرة لبنان على استيعاب الإنتقام الإسرائيلي وإعادة البناء، كما حدث في العام 2006. والثاني هو الحدّ الأدنى من الإجماع على الصعيد الوطني وراء أجندة “المقاومة” الخاصة ب”حزب الله”.

إن إفلاس لبنان يعني أنه إذا كانت هناك حرب ضد إسرائيل، فالبلاد لن تكون قادرة على إزالة الدمار الذي سيُسبّبه الإسرائيليون وإعادة البناء. والأسوأ من ذلك، أنه بسبب “حزب الله” عزل لبنان نفسه عن معظم الدول العربية التي ربما كانت على استعداد لتمويل إعادة إعماره، لذا فإن الضرر سيكون هذه المرة دائماً إذا وقع.

ولا يُمكن لبيروت أن تطلب من إيران، راعية الحزب المخنوقة اقتصادياً، المساعدة لأنها تفتقر ببساطة إلى الوسائل والقدرة المادية للقيام بذلك. كما أن الإنقسامات في الطبقة السياسية نتيجة لحركة الاحتجاج الشعبية تعني أنه لا يوجد إجماعٌ واضح لدعم “حزب الله” في خوض الحرب.

اليوم، تأتي أشدّ الإنتقادات للحزب من حلفائه السابقين في الحركة العونية، الفصيل المسيحي الذي يقوده وزير الخارجية السابق جبران باسيل. قد تكون انتقاداتهم مرتبطة بخلافات داخلية، لكن عندما يُعلن النائب العوني البارز، زياد أسود، أن لبنان “لا يمكنه الاستمرار في حمل البندقية عندما يكون شعبه جائعاً”، يُعبّر عن وجهة نظر واسعة النطاق.

بدون الدعم المحلي، فإن قدرة “حزب الله” على شنّ الحرب سوف تتعطّل إلى حدّ كبير. سوف يُلام الحزب على التضحية بلبنان من أجل إيران. وسيَتعيَّن على مئات الآلاف من النازحين الشيعة أن يجدوا ملجأ في مناطق مُعادية للحزب، مما يزيد من تأجيج الإنقسامات ويؤدي إلى نزاع. هذا سيناريو كابوس ل”حزب الله”، لأنه قد يُغرقه في صراعٍ أهلي لا يمكنه أن يأمل في كسبه، مما يُخفض من أهميته الإقليمية ويُبطل فائدته لإيران.

ومع ذلك فإن هذه الفائدة أو المنفعة مشكوك فيها حتى اليوم. لقد افترض “حزب الله” على نحو مُتغَطرس أن موقع لبنان موجود بقوة في المعسكر الإيراني. قد تكون قيادته للدولة مضمونة إلى حد ما، لكن قيادته للمجتمع ليست كذلك. وحتى في حينه، فإن مؤسسات مُتقدّمة رئيسة للدولة، مثل المؤسسة العسكرية، قد تلعب فقط مع “حزب الله” لكنها تظل مستقلة وستُناور بعيداً من الحزب إذا تحوّل ميزان القوى.

عاملٌ آخر أساس في تحديد مدى وحرية العمل ل”حزب الله” للإنخراط في حربٍ مع إسرائيل هو الوضع في سوريا. حتى بداية الحرب الأهلية في سوريا في العام 2011، كانت دمشق تُوفّر ل”حزب الله” عمقاً استراتيجياً مُحتمَلاً في أيّ حرب. يُمكن نقل الأسلحة والرجال عبر الأراضي السورية لتعزيز ودعم الحزب في لبنان. لكن اليوم، تُسيطر روسيا وإسرائيل على معظم المجال الجوي السوري، وكلاهما يعارض، علناً أو سراً، تحوّل سوريا إلى قاعدة أمامية إيرانية.

تتضمن استراتيجية إيران الإقليمية التغلب على نقاط ضعف المؤسسات في العديد من البلدان العربية لتعزيز مصالحها الخاصة. لبنان والعراق واليمن وسوريا دفعت جميعها ثمناً باهظاً من أجل ذلك. في كلٍّ منها، أنشأت طهران مجموعات مسلحة مستقلة تُوازن هياكل الدولة، ما أدّى إلى تآكل الدولة. والواقع أن إيران تكتسب نفوذاً من خلال تدمير مُضيفها.

واليوم، أصبحت قدرة “حزب الله” على حمل الدولة والمجتمع اللبناني في اتجاه تفضيلاته الإقليمية، وليّ ذراع طوائف لبنان القوية للموافقة على أفعاله وتأمين شرعيته من قادة البلاد، مُعطّلة. لا يزال الحزب قوياً، لكن الأسس التي بنى عليها نظامه في لبنان انهارت. ربما كانت هذه هي المشكلة في نهج إيران: فهي تترك البلدان ضعيفة للغاية بحيث ينتهي وكلاؤها في نهاية المطاف بالتحكّم في قلاع رملية مُتقلّبة وضعيفة.

حين تنظر إيران إلى لبنان، ماذا ترى؟  إنها تُشاهد حليفها المحلي “يترأس” دولة مُدَمَّرة، حيث سكانها غاضبون ويرفضون المعاناة من أجل طهران. ولا يُمكن ل”حزب الله” خوض حرب ضد إسرائيل من دون أن يُدمّر مكانته المحلية. كل هذا الوضع لن يجعل الإيرانيين يُغيّرون استراتيجيتهم، لكنه يثير أسئلة حقيقية حول قيمة تلك الاستراتيجية اليوم.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي للشرق الأوسط، في بيروت. يُمكن متابعته على تويتر: @BeirutCalling
  • كُتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى