العشائر السورية تستعيد العادات التي فقدتها في ظل حكم البعث… في الأردن

على الرغم من المعاناة التي عاشتها مع اندلاع الثورة والحرب الأهلية في 2011، وجدت العشائر السورية التي لجأت إلى الأردن أن عادات وتقاليد فقدتها في ظل حكم البعث موجودة لدى العشائر الأردنية، الأمر الذي ساعدها على استعادة دورها والصمود.

الملك عبدالله الثاني مع العشائر الأردنية: إنها أساس ملكه

بقلم أرميناك توكماجيان ووليد النوفل*

ما زالت الطبيعة الإجتماعية على طرفي الحدود السورية-الأردنية مُتشابهة إلى حد بعيد على الرغم من مرور أكثر من مئة عام على معاهدة سايكس-بيكو التي قسّمت المنطقة بين الإنتدابين البريطاني والفرنسي. فالعلاقات العائلية والعشائرية، إلى جانب العادات والتقاليد، والزيجات العابرة للحدود كلها عوامل تربط المجتمعات التي تقطن على طرفي هذه الحدود. لكن هذا “الخط المرسوم على الرمال” كانت له –رغم ذلك– فعاليته، فعلى سبيل المثال: علاقة الدولة والعشائر تُمثل أحد أوجه الإختلاف؛ إذ تختلف من شمال الأردن إلى جنوب سوريا، سواء من حيث دور العشائر في عملية بناء الدولة، والحيّز المُتاح لوجهاء العشائر في ممارسة سلطاتهم التقليدية في مجتمعاتهم.

لجأ الكثير من السورين، وبخاصة من محافظة درعا الحدودية مع بدايات الثورة السورية في العام ٢٠١١ وارتفاع مستوى العنف، إلى الأردن. و تُورد إحصائيات مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكبر وجود للاجئين السوريين هناك هو في محافظة عمّان التي تُعتبر المركز الاقتصادي للبلاد. أما ثاني أكبر تمركز فهو في شمال-غرب المملكة وتحديداً المنطقة الممتدة بين ريف المفرق وريف إربد المحاذية للحدود السورية حيث تُشبه هذه المناطق نظيرتها السورية من الناحية المناخية والجغرافية وحتى المعمارية. لكن اللافت أن البيئة الاجتماعية ليست مُشابهة فحسب لنظيرتها السورية، بل تجمع علاقات النسب والقرابة والمعرفة المُسبقة الكثير من العائلات السورية والأردنية في إطار هذه البيئة، ما عزّز من اندماجهم في المجتمع المحلي.

بعد استقرارهم في الأردن، سرعان ما لاحظ اللاجئون السوريون أن علاقة الدولة الأردنية مع العشائر في هذه المناطق وفي المملكة بشكل عام مبنية على أسس مختلفة عما اعتادوا عليه في بلدهم حيث عملت الدولة السورية على مدار عقود حكم حزب البعث على إضعاف سلطة العشائر في المجتمع. هذه السياسات التي طُبقت لنصف قرن قبل الثورة السورية، وتبدل أنماط الحياة مع مضي الزمن، قلّصت سلطة وجهاء العشائر في المجتمع السوري بشكل تدريجي. كما أخضعت الدولة ما بقي من سلطة لقيادات العشائر، إلى إرادة السلطة المركزية من خلال ضمّهم إلى مؤسسات الدولة وإعطائهم مناصب فيها. فعلى سبيل المثال لا الحصر، وظّفت الدولة سلطة الوجهاء لاحتواء وحلّ النزاعات العشائرية الكبيرة وبالتالي الحفاظ على استقرار المناطق الطرفية الريفية في البلاد.

أما في المملكة الأردنية الهاشمية فالعشائر ليست مُحارَبَة أو محلّ تضييق كمثيلتها السورية، بل تتمتع بسلطةٍ ونفوذٍ كبيرين في الدولة والمجتمع حيث تُعدّ إحدى ركائز السلطة المركزية في البلاد. الطابع العشائري يغلب على المجتمع الأردني، في حين تسود العادات والتقاليد العشائرية بالرغم من تزايد الأصوات المحلية التي تُطالب بدولة مدنية. حتى يومنا هذا، يستمد الملك جزءاً من شرعيته من كونه شيخ مشايخ العشائر، وهذا إرثٌ تاريخي يرجع الى أول أيام تشكيل المملكة.  ورغم التشنّجات النادرة في العلاقة بين الدولة والعشائر، لأسباب اقتصادية بشكل خاص، إلّا أن هذه العلاقة بقيت محورية في استقرار الحكم الهاشمي في البلاد.

يدفع الواقع الجديد الذي يعيشه وجهاء العشائر السوريون في الأردن بعضهم إلى القول: “يوجد احترام للعشائر هنا” على عكس الحالة في سوريا، فاحترام الدولة للهوية العشائرية واعتمادها عليها ظاهر وواضح المعالم. ما زالت العادات والتقاليد والأعراف العشائرية المشابهة لنظيرتها المعتمدة في الجانب السوري، نافذة ومُطَبّقة بشكل أقوى، وتستمر في تعزيز سلطة الوجيه في مجتمعه من خلال منحه سلطات قيادية وقضائية عرفية، وحتى سياسية (كوسيط بين جماعته والدولة) أكبر مقارنةً مع سوريا.

أدت الثورة في سوريا والحرب التي لحقتها إلى تحوّلات عميقة في علاقة الدولة بالمجتمع، ومن ضمنه الوجهاء. دفعت إهانة العميد عاطف نجيب، المسؤول عن فرع الأمن السياسي في درعا، بعض وجهاء حوران الذين ذهبوا إليه مطالبين بالإفراج عن أولادهم، إلى أن يخرجوا عن الدور الاعتيادي الذي لعبوه طوال السنين الفائتة، وأن يتصدّروا مشهد الحركة الشعبية في درعا.

إستمرت هذه التحولات خلال الحرب، في حين تصدّر العسكر المشهد. بقيت العادات والتقاليد وربما قويت خلال فترة غياب مؤسسات الدولة، إلا أن تغيّرات كثيرة طرأت على طبقة الوجهاء وعلاقتهم بالسلطة. إستطاع بعضهم في درعا أن يحوّل الأزمة إلى فرصة للصعود كوجه اجتماعي في منطقته أو عشيرته، كوسيط جديد بين السلطة المركزية والمجتمع، بينما خسر بعضهم الآخر مكانته القيادية لأسباب عديدة. هذه التحوّلات لم تنتهِ كما لم تتضح ملامح الدور السياسي للوجهاء في المجتمع بشكل كامل. يبدو أن دورهم اليوم إما تراجع أو أنهم أصبحوا خصوم السلطة ومحل استهداف منها.

يختلف الواقع الذي يعيشه وجهاء العشائر السوريين في الأردن، عما اعتادوا عليه في سوريا قبل الثورة أو عما يعيشه السوريون في محافظة درعا في الوقت الحالي. الكثير منهم يعانون بطبيعة الحال بسبب اللجوء ولا يتمتعون بكل الميزات التي يتمتع بها وجهاء العشائر الأردنية. رغم أنهم يعيشون خارج بلدهم إلا أن الحالة السياسية والمجتمعية في المملكة جعلت بعضهم يعيش في بيئة اجتماعية ليست غريبة؛ بل وأصبحوا ينعمون ببيئة تسمح لهم بممارسة سلطتهم التقليدية في مجتمعهم أكثر مما اعتادوا عليه في بلادهم دون أن يتوجّسوا من محاربة السلطة المركزية لهم ولدورهم.

  • أرميناك توكماجيان باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث تتركّز أبحاثه على قضايا الحدود والصراع، واللاجئين السوريين، والوسطاء المحليين في سوريا. ووليد النوفل صحافي سوري من محافظة درعا جنوب سوريا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى