فلسطين لا تَنقُصُها المياه بل يَنقُصُها الحق في استخدامها

بقلم شدّاد عطيلي*

كانت سيطرة إسرائيل على الموارد الطبيعية للأراضي التي تحتلّها – سواء في الجولان السوري أو في فلسطين – أحد أهم العناصر التي توجّه سياساتها، بما في ذلك بناء جدار الضم غير القانوني أو إعلان مناطق شاسعة في غور الأردن كمناطق عسكرية مُغلَقة.

يجب أن تأخذ أي خطة سلام في الإعتبار الحقوق الفلسطينية السيادية على هذه الموارد. ومع ذلك، فإن ما يُسمّى بالخطة و”الرؤية” التي قدّمتها الولايات المتحدة لا تتجاهل هذه الحقوق فحسب، خصوصاً في ما يتعلق بالمياه، ولكنها تؤيد أيضاً رؤية السرقة الإسرائيلية ورفض التعاون الهادف.

وفقاً للمفاوضات الثنائية التي جرت منذ فترة طويلة بين إسرائيل وفلسطين، تُعتبَر المياه “قضية وضع دائم”، ما يعني أنها أساسية لحلٍّ مُستدام. بينما اعتمدت إسرائيل على الفوائد التي تجنيها من السيطرة على الموارد الطبيعية الفلسطينية حتى الآن، فإن هذا لا يتوافق مع فكرة دولة فلسطينية ذات سيادة.

من أجل تصميم استراتيجية قانونية وسياسية متماسكة، إنخرطنا في الجانب الفلسطيني مع بعض خبراء المياه الأكثر احتراماً في العالم، بمَن فيهم البروفسور ستيفن ماكافري، مهندس إتفاقية الأمم المتحدة لقانون الإستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية العابرة للحدود لعام 1997، المرجع القانوني الدولي الرئيس لمثل هذه الأمور.

إن شرح الموقف الفلسطيني بالنسبة إلى هذا الأمر ليس مُعقّداً: نحن نطالب بما هو حقّ لنا.

تشترك فلسطين وإسرائيل في ثلاثة أحواض للمياه الجوفية تمرّ عبر الضفة الغربية، بالإضافة إلى طبقة مائية ساحلية تحت غزة. كما نتشارك حوض نهر الأردن مع الأردن وسوريا ولبنان. والدول العربية الأربع التي لها حقوق على الحوض، بما في ذلك فلسطين، مُوقِّعة على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997.

يجب أن يتماشى أيّ حلّ مع مبدأٍ أساسي: ما يُمكن تَقاسُمه يجب تَقاسُمه، وينبغي تحديد الحصص لكل دولة على أساس القواعد التي تُشكّل المبادئ الأساسية للعلاقات السلمية بين الدول.

لقد كان احتكار إسرائيل شبه التام لموارد المياه الفلسطينية كارثياً على اقتصادنا بشكل عام وشعبنا بشكل خاص. قليلون يُدرِكون أننا بحاجة إلى إذنٍ إسرائيلي لحفرِ بئرِ مياهٍ جديدة أو حتى إعادة تأهيل بئرٍ موجودة. وقد أدى ذلك إلى حالة صار فيها الفلسطينيون أقل استهلاكاً للفرد من المياه في المنطقة.

علاوة على ذلك، فإن المياه المُتاحة لنا في غزة ليست صالحة للإستهلاك البشري. تم توثيق ذلك بشكل جيد في تقرير للأمم المتحدة بعنوان “غزة 2020: مكانٌ صالحٌ للعيش؟”. إن الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي حقّ من حقوق الإنسان – وهو بالتأكيد أمرٌ لا خلاف عليه.

إن الفريق في واشنطن الذي كان وراء اقتراح الولايات المتحدة يُمكنه الوصول إلى كل هذه المعلومات، لكن هدفه لم يكن التوصل إلى خطة سلام. بل كانت رؤيةٌ أو خطة لتطبيع سيطرة إسرائيل على الشعب الفلسطيني وأراضيه وموارده الطبيعية من خلال الضمّ.

على الرغم من أنني فهمتُ بأن واشنطن كانت مُصرّة إيديولوجياً على منح إسرائيل كل القدس ومستوطناتها غير القانونية، فإنني لم أكن أتوقع أن ترفض تماماً حقوق الفلسطينيين في المياه بموجب القانون الدولي.

لا ينبغي اعتبار ضم غور الأردن والجزء الفلسطيني من نهر الأردن مجرد “إجراء أمني”، بل ضربة قاتلة لحقوق فلسطين المائية وإمكانية الوصول إلى كامل إمكاناتنا، الأمر الذي يتطلب سيطرة سيادية على جميع جوانب اقتصادنا.

المياه، كما هو مُوَضَّح في عملية التفاوض، هي قضية تستدعي التعاون الإسرائيلي-الفلسطيني والعربي.

في الكثير من المنتديات المُتعدّدة الأطراف، بما فيها المفاوضات حول مشروع نقل مياه البحر الأحمر والبحر الميت، وهي مبادرة دولية لمنع تقلص البحر الميت، تمكّن المفاوضون الفلسطينيون من تأمين حقوقنا المائية في حوض نهر الأردن والبحر الميت. كان مطلوباً من إسرائيل الإعتراف بها من أجل أن تُصبح جزءاً من المشروع.

اليوم، تُخبرنا خطة ترامب: “إنسَ الأمر”.

تنص الخطة على أنه يجب على كل طرف أن يعترف بحق الطرف الآخر في “المياه المُتبقية”. ولكن حتى لو كانت حدود فلسطين البحرية تحت السيطرة الإسرائيلية ، فما هي المياه المُتبقّية لنا؟ علاوة على ذلك، تُملي الخطة بأن على إسرائيل وفلسطين إستكشاف تحلية ومعالجة مياه الصرف الصحي – في هذه الأثناء، ستستهلك إسرائيل مواردنا المائية المشروعة.

تتجاهل خطة ترامب أهمية نهر الأردن لأي نموذج اقتصادي فلسطيني، بما في ذلك أي قدرة على الإستفادة من مواقعنا التراثية. إنها تحرمنا من المغطس – موقع حج مسيحي مهم – وكذلك من البحر الميت ومعادنه.

من المقرر أن تصبح الإتفاقية بين الأردن وإسرائيل وفلسطين التي ناقشتُها شخصياً ووقّعت عليها في كانون الأول (ديسمبر) 2013 بشأن مشروع البحر الأحمر-البحر الميت، وفقاً لرؤية ترامب، إتفاقيةٍ ثنائية محكوماً عليها بالفشل.

إن تحقيق الحقوق المائية لفلسطين هو مطلبٌ أساس لسلام عادل ودائم. كمُوقِّعين على اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997، نعتقد أن الخطوط العريضة الرئيسة لاتفاقية السلام بين إسرائيل وفلسطين يجب ألّا تكون، كما قدّمتها إدارة ترامب، تشريعاً للسرقة، بل توزيعاً عادلاً ومعقولاً لموارد المياه. هل ما نطلبه كثير؟

  • شدّاد عطيلي هو وزير المياه السابق في حكومة السلطة الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى