مع اقترابِ تنفيذِ خطط الضمّ الإسرائيلية، حانَت ساعةُ القرارِ في الأردن

بقلم بروس ريدل*

يواجه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني ما قد يُثبت أنه القرار الأكثر تَبَعيّة وأهمية خلال سنواته الـ22 على العرش: كيف ينبغي الرد على الضم الإسرائيلي لغور الأردن المُحتل؟ سيواجه ضغوطاً هائلة من الشعب الأردني للمعارضة بحزم ورفض قرار إسرائيل، كما عليه أن يتعامل مع حماس إدارة دونالد ترامب للضمّ ودعمها الفاتر له.

يعتقد الأردنيون والفلسطينيون أن الضمَّ سيؤدي إلى إغلاق الباب نهائياً أمام دولة فلسطينية مستقبلية قابلة للحياة، وهو في الواقع نهاية حلم حلّ الدولتين لإنهاء عقود من الصراع. لقد رفض الملك عبدالله وأمته بشدة ما يُدعى ب”صفقة القرن” التي اقترحها ترامب. وقد تم تجاهل الملك إلى حد كبير في صياغتها – للأسف، هي قاعدة مألوفة تماماً لدى الأميركيين الذين يُطوّرون خطط سلام للصراع.

لا يوجد إجماعٌ في المؤسسة الأردنية على كيفية الردّ على الضم. دعا بعضهم إلى إلغاء معاهدة السلام لعام 1994 مع إسرائيل بالكامل. ويقول أحد مؤيدي الفكرة، وهو جنرالٌ سابق في سلاح الجو الملكي الأردني، إن “الأردن ليس لديه خيار سوى إلغاء معاهدة السلام (التي) تعني إلغاء الإتفاقات الأمنية والعسكرية والإقتصادية”.

يتوق البعض بشكل خاص إلى إبرام صفقة غاز طبيعي بقيمة 10 مليارات دولار مع إسرائيل، والتي لم تكن شعبية أبداً. إذا تم المضي في الضم، سيكون هناك صرخة عالية جداً لإلغاء صفقة الغاز. وكان البرلمان صوّت بالفعل لإلغاء الصفقة، إلّا أن المحاكم قضت بأنه يفتقر إلى السلطة القانونية للقيام بذلك. لكن الأردن يستفيد من صفقة الغاز أكثر من إسرائيل، وهو أمرٌ يعرفه الملك جيداً. إن التخلّي عن صفقة الغاز سيضرّ الأردن وسيكون من الصعب استبدالها.

آخرون يؤيّدون خطوة أكثر رمزية، مثل سحب السفير الأردني من تل أبيب، أو اتخاذ خطوات أخرى لخفض مستوى العلاقات الديبلوماسية، ولكن ليس قطعها بالكامل. وقد حصل ذلك خلال أزمات أخرى في العلاقات، وسوف يُنظر إليها على أنها ليست أكثر من الشيء عينه.

لا يزال هناك خطُّ تفكيرٍ آخر يدعم استجابة ديبلوماسية حادة تهدف إلى حشد المعارضة ضد الضمّ عبر العالم الإسلامي وأوروبا وأماكن أخرى. في الولايات المتحدة، سيسعى الأردن إلى إقناع الجمهوريين والديموقراطيين في مجلسَي الكونغرس لمعارضة عملية الضم. بالطبع، ستستخدم إدارة ترامب حق النقض (الفيتو) ضد أي إدانة خطيرة وجدية للضم في الكونغرس أو في مجلس الأمن الدولي. الواقع أن الديبلوماسية تستغرق وقتاً طويلاً وتفتقر إلى ردّ دراماتيكي على الضم.

من ناحية أخرى، تُعقّد جائحة “كوفيد-19” خيارات عَمّان. إتخذ الملك إجراءات سريعة لإغلاق البلاد وإقفال حدودها. لكن السياحة جفّت جراء ذلك، مما كلّف الإقتصاد الضعيف كثيراً. كما انخفضت تحويلات العمال الأردنيين في دول الخليج. لا يُمكن للأردن المخاطرة بتعريض المساعدات الخارجية للخطر وسط الوباء والأزمة الاقتصادية المرتبطة به. تلقت عمّان مساعدات بقيمة 1.3 مليار دولار من الولايات المتحدة في العام 2019.

لقد كان الملك واضحاً في العلن. وقال للمجلة الألمانية “دير شبيغل” الشهر الماضي أنه “إذا ضمّت إسرائيل الضفة الغربية فعلاً في تموز (يوليو)، فإن ذلك سيؤدي إلى صراعٍ واسع النطاق مع المملكة الأردنية الهاشمية”. ولم يذكر بشكل واضح أن إلغاء معاهدة السلام كان مطروحاً كخيار. وبدلاً من ذلك ، قال إنه يدرس “كل الخيارات”.

رفض الملك تلقّي مكالمات هاتفية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو مقابلته في السنوات الأخيرة. ورفض طلب اجتماع في آب (أغسطس) الماضي. ويعتقد عبد الله، مثل والده حسين، أن نتنياهو غير جدير بالثقة.

أحد الطرق الذي يمكن للأردن أن يشير إلى أنه لا ينبغي لإسرائيل ضم الغور ستكون في التعاون الأمني. لعقود، كانت وكالتا المخابرات في البلدين شريكتين وثيقتين في مكافحة الإرهاب. كان هذا الإرتباط عموماً مُحصَّناً من القضايا السياسية، حتى أنه نجا من محاولة اغتيال فاشلة أمر بها نتنياهو في وسط عمّان في العام 1997 لمسؤول من “حماس”. إن قطع الإتصال السرّي بشكل كبير سيكون له تأثير. لكن بالطبع بحكم التعريف، قطع العلاقة السرية ليس عاماً، مما يترك عبد الله في حاجة إلى رد دراماتيكي.

إذا نفّذ الفلسطينيون تحذيرهم بأنهم سيقطعون العلاقات الأمنية مع إسرائيل إذا نفّذت الضم، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من الضغط على الأردن لفعل الشيء نفسه. الأردنيون لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم متعاونون في احتلال الفلسطينيين.

لم تتعافَ معاهدة السلام من محاولة الإغتيال في العام 1997. لقد أصبحت باردة نتيجة لتهور نتنياهو. في العام الفائت، لم يفعل الأردن شيئاً للإحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين على توقبعها. وهي لا تحظى بشعبية عالية لدى الأردنيين، كما أظهرت استطلاعات الرأي لسنوات. من دون أدنى شك سيتم الترحيب بإنهائها في الشارع.

لقد عَرَفتُ الملك عبد الله منذ العام 1995، عندما كان قائداً لقوات النخبة الخاصة في الأردن ولم يتوقّع أبداً أن يُصبح ملكاً في يوم من الأيام. خلال 22 سنة من توليه السلطة، قاد الأردن بحذر شديد. كان يعتقد أن حرب جورج دبليو بوش على العراق كانت خطأ فادحاً، لكنه كان حذراً بشأن انتقاداته. لم يَدَع شكوكه بشأن الحرب تُسمّم علاقته بواشنطن كما فعل والده في العام 1990 بسبب الأزمة الكويتية. لقد أدهشته تصرفات الرئيس ترامب المُتهوّرة تجاه الفلسطينيين، لكنه مرة أخرى كان حذراً في تصريحاته وانتقاداته.

كما تعلّم أيضاً أن العمل الحازم سيُكافَأ. لقد حارب الملك ضد تنظيمي “القاعدة” و “داعش” بمهارة وذكاء. وسيتصرّف في تموز (يوليو) ويتخذ قراره بشأن قضية الضم، إذا تم دفعه إلى الزاوية. ستكون مأساة إذا ألغى الضم واحدة من معاهدتَي السلام فقط بين إسرائيل وجيرانها. سيكون ذلك حقاً صفقةً للقرن – سيئة بشكل واضح وملحوظ.

  • بروس ريدل هو زميل كبير ومدير مشروع الإستخبارات في معهد بروكنز، وهو جزء من مركز بروكنز لأمن واستخبارات القرن الحادي والعشرين.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى