هل الرعاة الأجانب للحرب الليبية مُستَعِدّون لإنهائها؟

بعد النكسة التي مُنيت بها القوات العسكرية التابعة للجنرال خليفة حفتر في طرابلس، توقّع بعض الخبراء بأن يكون الرعاة الأجانب للحرب الليبية قد أدركوا الآن بأن الحلّ الوحيد لإنهائها ينبغي أن يكون سياسياً.

 

رجب طيّب أردوغان: ما زال يُعارض التسوية السياسية رغم دعمه لوقف إطلاق النار

بقلم جوناثان م. وينر*

في غيابِ تصعيدٍ عسكريٍّ كبير من قبل رُعاته الأجانب، خسر الجنرال خليفة حفتر الآن الحرب التي بدأها ضد حكومة “الوفاق الوطني” الليبية المُعتَرف بها دولياً في طرابلس. ومع ذلك، يبقى السؤال حول كيفية إنهاء الحرب بالوكالة في ليبيا واستئناف العملية السياسية اللازمة لتحقيق السلام المُستدام.

لم يُمثّل الإستيلاء على قاعدة وطيّة الجوية في 18 أيار (مايو) من قبل مقاتلين مُتحالفين مع حكومة “الوفاق الوطني”، التي يرأسها فايز السراج، من “الجيش الوطني الليبي”، خسارة استراتيجية عميقة لحفتر فحسب، بل أيضاً إنهياراً واضحاً لجهوده في احتلال طرابلس وإرساء حكمه الشخصي على كل ليبيا.

إنعكاساً وتعبيراً عن حجم الخسائر وسط انسحاب قوات حفتر من خطوط الجبهة الجنوبية لطرابلس، دعا راعيان رئيسان من القوى المتحاربة، روسيا وتركيا، مرة أخرى إلى وقف إطلاق النار واستئناف المحادثات السياسية. يبدو أن موسكو ذهبت إلى أبعد من ذلك – حيث قامت بإجلاء مرتزقتها من طرابلس إلى مكان لم يُكشَف عنه – ربما إلى قاعدة الجفرة الجوية في وسط ليبيا، والتي ذكرت أخبار متطابقة أن روسيا أرسلت إليها ست مقاتلات من طراز “ميغ-29” (MiG-29) وطائرتين من طراز “سو-24” (Su-24).

في هذه الأثناء، بدأت الدولتان الرئيستان المؤيّدتان لحفتر في الشرق الأوسط، مصر والإمارات، التصريح بشكل هادىء بأن دعم حرب حفتر كان رهاناً سيئاً لن تقوما به مرة أخرى أبداً.

وسط هزيمة حفتر المُذلّة، جدّد رعاته الأجانب التواصل الديبلوماسي مع عقيلة صالح عيسى، رئيس مجلس النواب الليبي ومقره طبرق. في 27 نيسان (إبريل)، أعلن حفتر أن الإتفاق السياسي الليبي الذي توسطّت فيه الأمم المتحدة لإنشاء حكومة “الوفاق الوطني” صار “لاغياً وباطلاً”، وأعلن نفسه حاكماً لجميع الأراضي الليبية. رداً على ذلك، ذكر عقيلة أنه منذ خسر حفتر معركة طرابلس، لم تتوقف روسيا عن دعمه كما توقع كثيرون.

ماذا حدث بعد ذلك؟

في 19 أيار (مايو)، رسمت السيناريوهات الرئيسة لليبيا للمدى القريب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، ستيفاني ويليامز، في إحاطة شديدة القسوة أمام مجلس الأمن الدولي. وقد تضمّنت احتمال قيام آخر جهود حربية من قبل حفتر، والتي وعد بها قائد القوات الجوية لديه بأنها ستكون “أكبر حملة جوية في التاريخ الليبي” ضد أهداف تركية في البلاد. في 26 أيار (مايو)، حذّرت القيادة الأميركية لأفريقيا “أفريكوم” علناً من أن الطائرات العسكرية الروسية التي وصلت حديثاً يُمكن أن تُقدّم دعماً جوياً لذلك – أو تستعد للإستيلاء على قواعد على الساحل الليبي، مما يُهدّد الأمن الجوي في جنوب أوروبا في المدى الطويل.

تماشياً مع دعوتها العامة لوقف إطلاق النار، يُمكن لروسيا والإمارات العربية المتحدة ومصر وفرنسا لصالح “الجيش الوطني الليبي”، وتركيا لصالح حكومة “الوفاق الوطني”، أن تُوقف الهجمات الجوية من كلا الجانبين من خلال التوقّف عن توفير المعلومات الإستخباراتية والتوجيهية اللازمة لجعلها فعّالة. وقد أيّدت كلٌّ من هذه الدول مراراً وقف إطلاق النار منذ قمة برلين في 19 كانون الثاني (يناير) برعاية المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، حتى عندما انخرطت هذه الدول في إعادة تسليح عملائها الليبيين وشاركت في مهاجمة خصومها الليبيين. ولكن على الرغم من عمليات الإنتشار الروسية، فإن الدول الغربية تعتبر تركيا حالياً على أنها العائق الأجنبي الرئيس لوقف إطلاق النار، رغم موقفها العلني، لأسباب واضحة: الفريق الذي تؤيده تركيا يفوز الآن ويمكنه استعادة سيطرته على أراضٍ ليبية إضافية إذا استمرت أنقرة في توفير الدعم الجوي (والمرتزقة من سوريا) لفترة أطول قليلاً. في 21 أيار (مايو)، طلبت ألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا من تركيا الإنسحاب. وجدّد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الرسالة إلى رئيس الوزراء الليبي فايز السراج في اليوم التالي. بعد ذلك، أشار الرئيس دونالد ترامب إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى النقطة عينها في 24 أيار (مايو).

إن إنهاء الحرب بالوكالة بشكل مُستدام يجب أن يُعالِج شحنات الأسلحة براً من طريق مصر والسودان التي تشمل روسيا و/ أو الإمارات، وكذلك الشحنات التركية من طريق البحر، ونقل المواد العسكرية جواً من قبل الرعاة الرئيسيين للحرب. كما سيتعيّن عليها معالجة المصالح الإقتصادية المؤكدة للطرفين في ليبيا، بما في ذلك تراجع تركيا عن خططها لبدء التنقيب عن النفط في شرق البحر الأبيض المتوسط في تعدٍ واضح على مصالح دول أخرى – وبخاصة اليونان.

يجب أن تتضمن أي صفقة لوقف إطلاق النار استئناف تصدير النفط الليبي، الذي أغلقه حفتر في كانون الثاني (يناير) لتكثيف الضغط على حكومة “الوفاق الوطني”. سيوفّر استئناف هذه الصادرات عملة صعبة مُتجدّدة للبلاد لشراء المواد الغذائية واللوازم الطبية والواردات الحيوية الأخرى.

إن وقف الحرب بالوكالة سيساعد على مواجهة الأزمة الإنسانية المتزايدة التي ولّدتها جائحة “كوفيد-19″، التي تفاقمت بسبب الهجمات الصاروخية على المستشفيات حيث قتلت أطباءً وألحقت الضرر بقدرة البلاد على الإستجابة للوباء.

العودة إلى خارطة الطريق الأممية

لا تزال خارطة الطريق السياسية التي وضعتها الأمم المتحدة لليبيا هي المسار الواقعي الوحيد لاستعادة الجدوى الإقتصادية والإستقرار السياسي والأمن المادي ضد الإرهابيين والمجرمين والصراع المدني. يُمكن لأي صفقة قصيرة الأجل أن تُمكّن ليبيا من توليد إيرادات كافية لتوفير الأساسيات لشعبها. يُمكن للإستقرار السياسي حتى في المدى المتوسط ​​وضع الأموال في جيوب الليبيين العاديين، وتمكين الجهود لإعادة بناء المؤسسات الوطنية، وتوزيع الإيرادات على الإدارات لتقديم الخدمات محلياً، مما يمنح كل ليبي حصة في مستقبل البلاد.

لا شيء من هذا يُمكن حدوثه إلى أن تقبل الأطراف الأجنبية، الراعية للحرب بالوكالة، بأن ليبيا دولة مستقلة ذات سيادة ولها مصالحها الوطنية الخاصة، بدلاً من معاملتها كملعب لطموحاتها المتنافسة.

يُمكن للولايات المتحدة أن تلعب دوراً مهمّاً في تحقيق اتفاقٍ لتعزيز عمليّة الأمم المتحدة ومكافحة التدخّل العسكري الأجنبي في الشؤون الليبية الداخلية من خلال تدابير تبني الثقة لطمأنة الرعاة الأجانب بأن حكومةً ليبيةً مُوَحَّدة لن تُسيطر عليها أي دولة أجنبية أخرى. من غير المؤكد أن تقبل روسيا وتركيا ومصر والإمارات هذه النتيجة بدلاً من النتيجة التي تحتفظ بها بالمنافسة في مناطق النفوذ، إذا كانت غير مستقرة بطبيعتها. ولكن يُمكن للمرء أن يتخيّل على الأقل قبولها لبعض الصفقات طالما أن خصومها لا “يفوزون” وهي لا “تخسر”.

بالنظر إلى شخصيته وتاريخه ونواياه، سيفعل حفتر ما بوسعه لتحويل أي وقف لإطلاق النار إلى فرصةٍ لإعادة الإمداد واستئناف الحرب حسبما تسمح الظروف. وكان حفتر أعلن نفسه لأول مرة  أنه حاكم ليبيا في شباط (فبراير) 2014. وقد ارتكبت قواته جرائم حرب واضحة. بالنسبة إلى حفتر، لا توجد خطة ب. حتى عندما يفقد الدعم بين الليبيين، يبقى السؤال عما يجب فعله معه. في السابق، قضى حفتر عقوداً في المنفى في الولايات المتحدة. إذا كان رعاته الأجانب يرغبون في رؤية استقرار ليبيا، واختيار قبول الحلول التعددية بدلاً من أن يأخذ الفائز كل شيء، فربما يستطيع أحدهم القيام بالإشارة الإنسانية لتوفير منزل له في مجتمع مُسوَّر هادئ في مكان ما في الخليج.

  • جوناثان م. وينر باحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. كان المبعوث الأميركي الخاص لليبيا، ونائب مساعد وزير الخارجية لإنفاذ القانون الدولي، ومستشار وزير الخارجية والسناتور الأميركي السابق جون كيري. الآراء الواردة في هذا المقال هي خاصة به.
  • كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى