هل سيَتَمَكّن مصرف لبنان من ضبطِ ارتفاعِ سعر صرف الدولار الأميركي؟

بقلم الدكتور مروان القطب*

تُعاني سوق تداول العملات الأجنبية في لبنان من تعدد أسعار صرف الدولار الأميركي، ومن أهمّها:

  • 1500 ليرة لبنانية (ل. ل.) سعر الصرف المُعتَمَد من قبل مصرف لبنان في التعاملات مع المصارف. وهذا السعر يُعتَمَد لتأمين المواد الأساسية من محروقات وقمح وأدوية بنسبة 85%، وتأمين المُستلزمات الطبية بنسبة 50%. ويقوم مصرف لبنان بتأمين الحاجة من الدولار الأميركي من طريق استعمال الإحتياطي بالعملات الأجنبية المتوفر لديه؛
  • 3200 ل. ل. السعر المُلزَمة به محلات الصَيرفة من قبل مصرف لبنان. كما أنه أيضاً السعر المُلزَمة به شركات تحويل الأموال بصورة إلكترونية عند دفع الحوالات  بالدولار الأميركي المُحَوَّلة الى الداخل اللبناني؛
  • 3000 ل.ل السعر المُعتَمَد من قبل المصارف لإعادة قسمٍ من الودائع بالدولار الأميركي إلى العُملاء؛
  • 4200 ل.ل الحدّ الذي وصل اليه سعر الدولار الاميركي في السوق السوداء وهو مُتحرّك من يوم الى آخر، ويُعتمَد لشراء الدولار من قبل المواطنين لا سيما مستوردي السلع والمواد من الخارج.

وعلى الرغم من تحديد سعر الدولار عند حدود 3200 ليرة من قبل مصرف لبنان وإلزام الصيارفة به، إلّا أن ارتفاع قيمة الدولار استمرت في التصاعد، وأدّى ذلك الى انتعاش السوق السوداء، وأصبحت هي السوق الموازية الأساسية.

إن الطلب الكبير والأساسي على الدولار مصدره التجار الذين يرغبون في استيراد السلع والمواد الأوّلية من الخارج، خصوصاً المواد الأخرى غير القمح والمحروقات والأدوية والمستلزمات الطبية. فهؤلاء التجار لا يستطيعون تحويل الأموال من حساباتهم المفتوحة قبل 17 تشرين الاول (أكتوبر) 2020، وإنّما بمقدورهم تحويل الأموال الجديدة ( Fresh money) التي يحصلون عليها من السوق الموازية وبسعر السوق المرتفع الذي بلغ حد 4200 ليرة، وهذا الوضع ادّى الى النتائج التالية:

1-  زيادة الطلب على الدولار من السوق الموازية لتداول العملات، وبالتالي الضغط على قيمة الليرة اللبنانية، واستمرار تدهور قيمتها؛

2-  إرتفاع أسعار السلع الغذائية المُستورَدة والسلع المُصَنَّعة في لبنان نتيجة ارتفاع سعر الدولار الأميركي؛

3-  خروج العملات الأجنبية من الإقتصاد اللبناني من دون دخول عملات أجنبية مقابلها خصوصاً عند إجراء عمليات التصدير.

لذلك تقوم حالياً المصارف بدعوة العملاء الى تحويل أموالٍ جديدة من الخارج، وإعطائهم إمكانية سحبها بالدولار الأميركي، تعزيزاً للتدفقات النقدية بالعملات الأجنبية من الخارج الى الإقتصاد اللبناني.

إزاء هذا الواقع الناتج من الطلب على الدولار لتأمين المواد الغذائية الأساسية والمواد الأوّلية الصناعية، وارتفاع سعر الدولار من دون ضوابط، كان لا بدّ من تدخّل مصرف لبنان.

لذلك أصدر مصرف لبنان تعميمَين تحت الرقمين 556 و557 بتاريخ 27 أيار (مايو) 2020، ويتعلّقان بالتسهيلات التي يُمكن أن يمنحها مصرف لبنان الى المصارف، ورد فيهما أنه يُمكن للمصارف العاملة في لبنان الطلب من المصرف المركزي تأمين العملات الأجنبية لحاجات مستوردي ومُصنّعي المواد الغذائية الأساسية بنسبة 90%  من قيمة هذه المواد بالعملات الأجنبية ضمن حدودٍ مُعيَّنة.

ولوضع هذه الآلية موضع التنفيذ، لا بدّ من صدور قرارات عن وزيري الإقتصاد والصناعة. وبالفعل عقد في اليوم التالي وزير الإقتصاد، راوول نعمه، مؤتمراً صحافياً أعلن فيه السلّة الغذائية التي تستفيد من تطبيق هذه الالية وهي متنوعة، لكنها لا تشمل كل المواد الغذائية التي يحتاج إليها المُستهلك اللبناني. كما تُطبّق الآلية الجديدة من طريق تقديم طلبٍ الى وحدة  التمويل لدى مصرف لبنان بعد موافقة وزارتي الإقتصاد او الصناعة حسب نوعية المواد المستوردة.

ويتولّى مصرف لبنان تحويل المبالغ المطلوبة من حسابات المصارف المَعنية بالعملات الأجنبية المفتوحة لديه.

وألزمت الالية الجديدة المؤسسات الصناعية المُستفيدة تحويل نسبة من العملات الأجنبية الناتجة من عمليات التصدير إلى لبنان تُوازي على الأقل قيمة المواد الأوّلية المُستَورَدة والمُستَعمَلة في تصنيع المنتجات التي قامت بتصديرها.

ولتقييم هذا الآلية وبيان أثرها سنعمد الى إظهار إيجابياتها وسلبياتها .

بالنسبة إلى الإيجابيات فهي متعددة، وأهمّها:

1-  إنخفاضٌ مُتوَقَّع في أسعار المواد الغذائية الأساسية التي يستهلكها المواطنون. ويُقدَّر الإنخفاض في حدود 20%، على اعتبار أن سعر الدولار حالياً في السوق الموازية هو في حدود 4200 ل.ل، في حين أن مصرف لبنان سيحتسبه لتطبيق هذه الالية عند حدود 3200 ل.ل.

2-  تقليص حجم الطلب على الدولار في السوق الموازية وتخفيف الضغط على قيمة الليرة اللبنانية. فالفاتورة الغذائية السنوية تُقدَّر باربعة مليارات دولار، في حين أن قيمة المواد المدعومة تُقدَّر بمليار ونصف المليار دولار، مما يساهم في تراجع الطلب على الدولار لدى محلات الصيرفة وفي السوق السوداء، مما يؤدي الى تراجع سعر صرف الدولار الأميركي.

3-  إخضاعُ قسمٍ مُهم من عمليات الإستيراد لرقابة وزارتي الصناعة والإقتصاد، الأمر الذي يُقلّص حجم فاتورة الإستيراد، خصوصاً أن وزير الإقتصاد كان صرّح بأنه في حال تقدّم إليه طلبان لذات المادة، سيختار المادة الأقل كلفة شرط تقيّدها بالمواصفات القياسية المطلوبة.

أما السلبيات التي يُمكن ان تنتج من هذه الآلية فتكمن في:

1-  إن الدولارات المُحَوَّلة هي من حسابات المصارف بالعملات الأجنبية المفتوحة لدى مصرف لبنان. وهذه الأموال هي في الأصل من ودائع العملاء بالعملات الأجنبية، واستعمالها يعني تراجع قدرة المصارف على ردّها الى المودعين بالعملات الاجنبية التي أُودِعَت بها، ويعني بالتالي أن المصارف ستُعيدها الى العملاء بالليرة اللبنانية وبسعر لا يتجاوز 3200 ل.ل.

2-  سيعمد مصرف لبنان إلى تمويل الآلية الجديدة من الإحتياطي بالعملات الأجنبية المُكوَّن لديه، وقيمة هذا الإحتياطي محدودة، وهي موضع شك بين أرقامٍ يُعلن عنها مصرف لبنان، وتقارير مالية تتحدّث عن أنه أصبح محدوداً جداً، واستنفاده بشكل سريع سيؤدي الى اهتزاز الوضع النقدي في لبنان، خصوصاً في ظل شحّ التدفقات النقدية الداخلة الى الإقتصاد اللبناني.

خُلاصةُ القول، إن أالآلية الجديدة أثرها إيجابي في الأمد القصير، ويُمكن أن تؤدّي الى تخفيض محدود لسعر الدولار الأميركي، إلّا أنه في حال لم يُقابلها على الأمد المتوسط تدفّقات نقدية بالعملات الأجنبية داخلة الى الإقتصاد اللبناني، فإن الأوضاع النقدية ستكون عرضة لمخاطر مؤثرة.

  • الدكتور مروان القطب هو خبير لبناني مُتخصص بالشؤون المالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى