الجريدة البيضاء

بقلم الدكتور جورج كلاس*

إحتراماً للأصدقاءِ و القُرَّاءِ و لِكُلّ كَلِمَةٍ أَنشُرُها، رَأياً أوْ مَوقِفاً أوْ مَعلومَةً أوْ واقِعَةً أَوْ تَذَكُّراً أَوْ مَرْوِيَّةً أَوْ نَقداً أوْ تَقويمَاً أوْ إبداعاً أوْ وِجدانَاً أَوْ تفاعُلاً أوْ نِقاشاً، أُعْلِنُ إنشاءَ “الجريدة البيضاء” يومَ الخميس في 28 أَيَّار (مايو) 2020 .

وهي صفحة تواصُلٍ إلكترونيَّة، تَصدُرُ كُلَّ نهارِ خَميس، مُنفتِحةٌ على الحوارِ العقلي والتلاقي الإنساني، وتهتَمُّ بِإبرازِ كُلِّ أَبيَضٍ، في القوْلِ والفِعلِ والفِكْرِ والصَمْتِ، والإسهامِ بُصناعَةِ الجَمالِ وإِشاعَةِ أَنوارِ المَحٍبَّةِ وأَشِعَّةِ الخَيْرِ وتَوزِيعِ البَسْمَةِ على الوُجوهِ، و زَرْعِ الهَناءَةِ في القُلوب..!

 ناموسُ الجريدَةِ البَيضاء

بَعْدَما أَصبَحَ الإعلامُ المفتوحُ، مَشاعاتٍ أَدغالُيَّةً قَتَلَ العُشْبُ فيها النباتَ، وجُروداً مُوَهَّدَةً و مُتَلَّلَةً صَخَّرَها القَحْلُ؛
وبعدَما تَعَثَّرَتِ المنابِرُ و إِنْفتَحَتِ الأفْواهُ و تَبَلْبَلَتِ الأَلسُنُ وكَثُرَ التَنظيرُ وقَلَّتِ الدِرايَةُ وفُقِدَتِ الهِدايَةُ؛
و بَعْدَ أَنْ إِنكَسَرَت إِبرَةُ البوصلَةِ وضُلَّتِ الطَريقُ و تَشابَكَتِ المَتاهاتُ؛
و بَعْدَ أَنْ نَدُرُ الخُبْزُ وكَثُرَ “الفَرَّانونَ” وعَزَّ “الخَبَّازونَ” وقَلَّ الذَّوَّاقونَ و ماتَتِ الخَميرَةُ في العَجين؛
وحِرصاً على كرامَةِ الكلمة، أُحَدِّدُ ناموسَ صَفحتي بالمبادئ هذِهِ :
١- نَشْرُ الكلامِ الأبيضِ، مهْما إِدْلَهَمَّتِ الظُلمَةُ؛
٢-أَنْ أعرِفَ: ماذا أنشُرُ؟، ومتى أنشُرُ؟، ولماذا أَنشُرُ؟. و الأَهَمُّ أَنْ أعرِفَ: ماذا لا أنشُرُ؟، ولماذا لا أَنشُرُ؟؛
٣-إحترامُ خُصوصيَّاتِ الناسِ و كراماتِهم و مقاماتِهم و حِمايتِهم من أَخطارِ حُرِّيَّةِ القَوْلِ والرأي، وعدمِ نشرِ صُوَرٍ أوْ أخبارٍ خاصة بهم؛
٤-أّنْ أَقرأَ تَدوينتي بعينِ القارئِ الآخر، فَأُوازِنُ مَضمونَها بلا تَسَرُّعٍ ، حِفْظاً لرصيدي واحتراماً لِصِدقِيَّتي؛
٥-عَدَمُ نَقْلِ أيِّ كلامٍ ونشرِهِ مُذَيَّلاً بعبارة منقول ،أو، كما وصلني، إِبعاداً لمسؤولية النشر، لأنني أعتبرُ أن ناقلَ الكُفرِ هو كَافِرٌ وأَكثَر؛
٦-ألحَرَمُ الإعلامي هو بمَثَابٍةِ الحَرَمِ المنزليِّ والحَرمِ الجامعي والحَرَمِ الديبلوماسي، مَمْنوعٌ إنتهاكُهُ، وواجِبٌ احترامُهُ والتَقَيُّدُ بأَدبيَّاتِ التخاطُبِ والتَحاوُرِ الراقي؛
٧-إحترامُ مَصدَرِيَّةِ الخَبَرِ، ومَرْجَعِيَّةِ الرأيِ، ودِقَّةِ نَقلِ البياناتِ ومَسؤوليَّةِ التعامُلِ مع الأرقامِ والأعدادِ والنِسَبِ، من حيثُ أَنَّها حقائِقٌ صَلبَةٌ لا يَصُحُّ فيها الرأيُ؛
٨-الحِرصُ على إستخدامِ الألقابِ العلميةِ والسياسية والدينية والعسكرية والديبلوماسية والمُتخصصة، في مجالِاتها المحدَّدةِ، مَنْعاً لأيِ استهدافٍ أوْ استغلالٍ لإغداقِ ألقابٍ لغيرِ مُستَحِقِّيها؛
٩-أَعتبِرُ أَنَّ كُلَّ تَدوينةٍ أَنشُرُها، إِمّا أَنْ تكونَ حُكْماً لي..أوْ أنْ تكونَ حُكماً عَلَيَّ؛!
١٠-أَحْرَصُ على تِقنيَّةِ الإستعلامِ للإعلام، فأَسْتَفهِمُ لأَفهَمَ قَبلَ أَنْ أُفْهِمَ..تلكَ هي قاعِدَةُ النشرِ الأبيض؛
١١-أَمْتَنِعُ عن نَشرِ أَوْ فَضْحِ أَيِّ خَبرٍ شخصيٍّ، إلتزاماً بِمبدأِ مِيثاقِيٍّ، أَنَّ المجالسَ بالأمانات، وأنَّ كلمةَ الشرف والوَعدَ بعدمِ النشر، هي ميزانُ العدالةِ الإعلامية؛
١٢-صَفحَاتُ جريدتي البَيضاء، لَنْ تكونَ مِنَصَّةً لإطلاقِ مواقفَ مُسيئَةٍ لأَحَدٍ، أَوْ لِلتَهَجُّمِ على أَيٍّ كان؛
١٣-نَشْرُ كُلُّ كلامٍ رَصينٍ يليقُ بالقرَّاءِ و المُتَصَفِّحين، بَعيداً من الخَدْشِ، واحترامِ مَنسوبِ الغَمْزِ بلا تَشهير واللَّمزِ بلا تَحقير؛
١٤-إحترامُ التَنَوُّعِ المُجْتَمعِيِّ و التَعَدُّدِ الحَضاريِّ، و إعتبارِ لبنانَ مُجتَمعاً تكامليّاً، تتَكامَلُ فيهِ الطوائِفُ والمذاهِبُ والثقافات، وليسَ مُجتَمعاً تَعَدُّدِيّاً دائِمَ التَشَظّي وساحَةَ لِلنزاعاتِ؛
١٥-الإبتعادُ عن الكلام الأصفَرِ القاتِلِ والكلامِ الأحمرِ المقتولِ؛.
١٦-نَشرُ الوَعيِ و بِناءُ رَكائِز الإعلام الإنسانِي، و تَدعيمُ قِيَمِ التلاقي والتفاعُلِ و مُحارَبَةِ التَعَصُّبِ و العُنصُرِيَّة؛
١٧-إعتبارُ الإعلام بِكُلِّ فنونِهِ و أنواعِهِ خِدْمَةً و ليسَ سُلطَة؛
١٨-التَأْكيدُ على تَشبُّهِ الإعلامِ الأبيضِ والمَسؤولِ بالقضاءِ، بوَظيفَتَيْهِ :
أ- الإعلام الواقف، تَمَثُلاً بالنيابةِ العامّةِ التي تَدَّعي باسمِ الحَقِّ العام؛ و مِثالُهُ التحقيقاتُ الإستقصائيَّةُ والتغطياتُ الميدانيَّةُ والإخباراتُ المُوَثَّقةُ؛
ب-الإعلام الجالس، تَمَنِّياً أنْ يكونَ على قَدْرِ مَسؤوليَّةِ إصدارِ الأحكامِ من على القَوسِ باسمِ الشعب؛ ومثالُهُ، مَقالُ الرَأيِ والإفتتاحياتِ و ترويساتِ الموادِ وتِقنيَّةِ العَنْوَنَة، معَ فارِقٍ بُنيَوِيٍّ ، أنَّ القضاءَ يَلفُظُ الأحكامَ جَهراً باسمِ الشَعبِ…وأن الاعلام يُقَدِّمُ المعلومَةَ مُدَعَّمَةً بالأسانيد والبَرهناتِ، بحيثُ يتَمَكَّنُ القارئُ مِن تكوينِ رَأيِهِ و إطلاقِ الحُكْمِ بِنَفسِهِ، خارِجَ أَيِّ تأثيراتٍ أَو إملاءاتٍ وضَواغِطَ مَعْرِفِيَّة؛
١٩-إنَ مسؤوليةَ حَجبِ المعلوماتِ، في زمنِ الأزماتِ، تكونُ بِحجمِ كَشفِها، وأَهَمَّ من استثمارها أحياناً؛
٢٠-إعلامُ التدوين، يُوائِمُ بينَ إعلامِ النُخبَةِ والإعلامِ الإستهلاكي، و يحتَرِمُ الحقائِقَ و يُحَصِّنُها؛
٢١-السَعيُ الى تَقعيدِ إعلامِ الصَمْتِ واعتِمادِ ضَمانِ الجودَةِ في عَمَليّةِ التوازنِ بينَ أَنْ يكونَ الإعلاميُّ “إبنَ السلطةِ” أوْ أَنْ يكونَ “إبنَ الحُرِّيَّة”؛.
٢٢-الإبتِعادُ عن السَبْقِيّةِ، والتَوَجُّهُ الى تِقنيّةِ الفرادَةِ، وعَدَمُ ادِّعاءِ المَعرِفَةِ، والفصلِ بينَ جوازِ التَوَقُّعِ و عِلْمِيَّةِ  الإرتِقابِ و الإبتِعادِ عنِ التَنَبُّؤِ. مع ضرورةكِ التَنَبُّهِ الى أنَّ الاعلاميَّ المُدَوِّنَ هو مِثلَ خبيرِ المُتَفَجِّراتِ…يُخْطِئُ مَرَّةً واحدةً فقط لا غَيْر..!
٢٣-رَصْدُ مَنْ يَهتَمُّ بما أَنشُرُ؟ وإختيارُ اللَّحظَةِ الأنْسَبِ للنَشرِ … وأنْ أَعرِفَ متى أُسدِلُ السِتارةَ على المشْهَدِ، في ذُروَةِ الإنجِذابِ الجُمهورِيِّ؛
٢٤-فَنُّ استخدامِ المُصطَلَحاتِ في أماكِنها الأنْسَب؛
٢٥-مُمارَسةُ الرقابةِ الشخصيَّة على ما أَكتُبُ، فأُعيدُ القراءَةَ والكتابةَ قبلَ النَشر؛
٢٦-معرفةُ قواعِدِ التَذكيرِ والإستِرجاعِ والتَذَكُّرِ، وإعادةِ نشرِ المُختاراتِ؛
٢٧_عَدَمُ الإغراقِ في ظُلْمَةِ الأخبارِ والشائعاتِ التَضليلِيَّةِ، على حِسابِ المعلومات؛
٢٨-الحِرصُ على تحويلِ المَجهولات الى معلومات، والتأكيدُ على حمايةِ الملكية الإعلامِيَّةِ والفكريَّةِ والفَنّيَةِ، و حِمايةِ المُسْتَعلِم.

  • الدكتور جورج كلاس هو أكاديمي وكاتب لبناني، كان عميداً لكلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى