التنافس الإماراتي – التركي يؤجج الصراع الإقليمي في ليبيا وسوريا

تنغمس الإمارات العربية المتحدة وتركيا في صراع قوة إقليمي ألهب الصراع في ليبيا وقد يُشعل تجدد القتال في سوريا. إنه صراعٌ، مثل الصراع بين السعودية وإيران، يُهدّد بإبقاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على حافة الهاوية.

 

الرئيس فلاديمير بوتين: في أي سلة يضع بيضاته؟

أنقرة – محمد سليم

قد يكون النزاع السعودي – الإيراني مُسيطراً على عناوين الأخبار، لكن التنافس المماثل بين تركيا والإمارات العربية المتحدة يعيث دماراً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

في حين أن المملكة العربية السعودية قد تكون لديها بعض النواحي المُتقدِّمة والمتميزة على إيران ، فإن تركيا والإمارات العربية المتحدة هما في حالة تعادلٍ إفتراضي.

في ليبيا، دفعت قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة من تركيا (وقطر)، ومقرّها طرابلس، المُتمرّدين المدعومين من الإمارات بقيادة الجنرال خليفة حفتر إلى خارج غرب ليبيا. كما يتمتع حفتر بدعم من السعودية ومصر اللتين لا تربطهما علاقات جيدة مع تركيا.

على عكس ليبيا، تكتشف تركيا أن الإحتمالات في سوريا مُكَدّسة ضدها، حتى لو كانت أهدافها في البلاد محدودة أكثر.

إذا كان الدعم التركي لحكومة الوفاق الوطني الليبي في ليبيا يرقى إلى جهدٍ لتحديد مَن يُسيطر على الجماهيرية السابقة، وكذلك على المياه الغنية بالطاقة الهيدروكربونية في شرق البحر الأبيض المتوسط؛ فإن تركيا في سوريا مُصممة على منع القوات القومية الكردية السورية من إقامة وجود دائم وهادف على حدودها، والسيطرة على القوات الجهادية في إدلب، آخر معقل كبير للمتمردين السوريين.

إن تخلّي الولايات المتحدة عن تحالفها مع الأكراد في الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” دفع الأكراد نحو التعاون مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حيث يتوقع الأكراد أن يحميهم هذا التعاون من الجهود التركية لإخراجهم من المناطق الحدودية.

في الوقت عينه، تركيا، التي تستقبل فعلياً 3.6 ملايين لاجئ سوري – أكبر تجمع فردي للسوريين الفارين من وطنهم المتداعي الذي مزقته الحرب — تُريد أيضاً إعاقة ومنع تدفّقٍ جديد مُحتمَل لعدد أكبر بكثير إذا ومتى سقطت إدلب في أيدي القوات الحكومية المدعومة من روسيا.

التنافس الإماراتي-التركي – المُتجذّر في معركة هيمنة القوة الدينية الإسلامية العالمية الناعمة؛ والمنافسة الجيوسياسية عبر العالم الإسلامي، بما في ذلك الشرق الأوسط والقرن الأفريقي؛ وتعارض مواقفهما بشكل أساسي من الإسلام السياسي – رفع حدّة المواجهات العسكرية وعقّد، إن لم يُعطّل، جهود حل النزاعات في ليبيا وسوريا.

تعادل في النقاط

تركيا لديها حتى الآن اليد الأطول في ليبيا.

في سوريا، مع ذلك، يُشكّك معظم الخبراء في أن تستطيع تركيا ضمان وتأمين مصالحها مع الأسد، المدعوم ليس فقط من روسيا وإيران ولكن أيضاً من الإمارات.

وبحسب ما ورد من معلومات متطابقة في الأسابيع الفائتة، فقد وعد ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد الرئيس الأسد في 3 نيسان (إبريل) بمبلغ 3 مليارات دولار أميركي؛ وقد تم دفع 250 مليون دولار مُقَدَّماً، لكسر وقف إطلاق النار في إدلب المفروض على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من قبل نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

ولكن يبدو أن روسيا قد نجحت في إحباط خطوة الشيخ محمد حتى الآن.

كان ولي عهد أبو ظبي يأمل في إغراق تركيا في القتال في سوريا، الأمر الذي سيُعقّد الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا. ومن المحتمل أن فشل الأسد في تنفيذ العرض ساهم في قدرة تركيا على التركيز بنجاح على ليبيا في الأسابيع الأخيرة.

ومع ذلك، تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بميزة استراتيجية. إن سمعة تركيا في واشنطن، مثلها مثل المملكة العربية السعودية، مُشَوّهة وسيئة للغاية. وقد تجنّبت الإمارات حتى الآن بمهارة مصيراً مُماثلاً، حيث تتمتع ليس فقط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة ولكن أيضاً مع روسيا.

الواقع أن العلاقات التركية-الأميركية مُتوتّرة بشأن قضايا مُتعدّدة، بما فيها استحواذ تركيا على نظام الدفاع المضاد للصواريخ “أس -400” (S-400) الروسي المشهور، وتعاونها الوثيق مع روسيا وإيران، واستمرار وجود فتح الله غولن، الداعية التركي في الولايات المتحدة، الذي يتهمه اردوغان بتنظيم المحاولة العسكرية الفاشلة في العام 2016 لطرده من الحكم.

ومع ذلك، أعطت إدارة دونالد ترامب تركيا ذخائر لاستخدامها في العمليات العسكرية في شمال شرق سوريا بالإضافة إلى المساعدة الإنسانية في محاولة يائسة لإقناع أنقرة بإبعاد وردع القوات الإيرانية في البلاد.

في خطوة مفاجئة في الأسبوع  الفائت، قام أردوغان بتخفيض رتبة الأدميرال البحري جيهات يايسي، مهندس تدخل تركيا في ليبيا والموقف العدواني في شرق البحر الأبيض المتوسط، ثم قبل استقالته. ويُعتقد أن يايسي معادٍ للغرب في أوراسيا ويُدافع عن علاقات تركية أوثق مع روسيا والصين.

العلاقات التركية-الروسية مُعقّدة

في حين أن تركيا وروسيا تدعمان طرفين متعارضين ومتضادين في ليبيا، فقد تمكنتا حتى الآن من موازنة مصالحهما في سوريا التي تتلاقى أحياناً وتتباين أحياناً، ما أدّى في وقت سابق من هذا العام إلى اشتباكات بين القوات التركية والسورية.

في ليبيا، كانت الطائرات بدون طيار التركية هي التي زُعم أنها دمرت نظام “بانتسير” الروسي الصنع للدفاع الجوي، على الرغم من أن مئات المرتزقة الروس الذين يعملون في مجموعة “فاغنر”، الذين تربطهم علاقات وثيقة بالكرملين، يدعمون قوات حفتر.

إذا كان دعم حفتر تستغله روسيا فرصة لإشعال نار، فإن دعم الإمارات العربية المتحدة هو جزء من تصميم الشيخ محمد على مواجهة الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

“لقد انخرطت تركيا والإمارات في صراع قوة إقليمي. وهما يُدركان إلى أنها لعبة محصلتها صفر، حيث لا توجد طريقة لكلا الجانبين للفوز. إذا انتصر أحدهما، يخسر الآخر”، قال سينان أولجن، وهو ديبلوماسي تركي سابق ورئيس مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية “إيدام” (EDAM) الذي يتخذ من إسطنبول مقراً له.

إنها لعبة محصلتها صفر يتم لعبها في ساحات المعارك بالوكالة والتي تبشر بالسوء لا بالخير لأولئك الذين انغمسوا فيها.

  • شارك في التقرير من أبو ظبي عمّار الحلاق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى