مَجدُ 7 أيار الذَميم

بقلم راشد فايد*

ما يعيشُه لبنان اليوم ليس إلّا من تردّدات 7 أيار (مايو) 2008، ومن ينظر إلى ذلك اليوم، من هذه الزاوية، يفهم قول الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصرالله، إنه يومٌ مجيد، وحرصه على ترسيخ ذلك في ذهن الخصم والحليف على السواء، على المستوى المحلي، بالطبع، لكن، والأهم، على المستوى الإقليمي. لِمَ؟ لأن ما حدث كان اغتيالاً لما ترمز إليه بيروت من اعتدالٍ وانفتاحٍ على الغرب والعرب في آن، وتَوق إلى البقاء حاضنة للأصالة العربية، ومُتقبّلة لكلّ جديد، من أفكار وأنماط. وفوق كل ذلك، هي المدينة السنّية، التي لم ترفع سوى علم العروبة من ناصرية وبعثية ويسارية، وعلم المقاومة الفلسطينية، وتضامنت مع كل حركة ثورية في العالم من الجزائر إلى سلفادور أليندي في تشيلي.

لم يكن 7 أيار سوى استكمالاً للهدف المبيّت من اغتيال الشهيد رفيق الحريري يوم 14 شباط (فبراير) 2005، وهو فتح الباب واسعاً لهَيمنة مشروع الهلال الفارسي على المنطقة. لذا لم تكن التسمية زلّة لسان، بل تعبيرٌ صادقٌ من صاحبها يعكس المغزى الحقيقي لأهداف الإنقلاب على السلم الأهلي، الذي كان اللبنانيون افترضوا نهائيته في “اتفاق الطائف”، وعزّز الشهيد الحريري، بمشروع النهوض، إيمانهم باستقراره.

كذلك، لم يكن 7 أيار إعتراضاً مُفاجئاً على قرارٍ مُفاجئ من مجلس الوزراء برفض شبكة اتصالات “حزب الله”، وكاميراته لمراقبة المطار، فالحزب إياه، جاهر بأن ميليشياته أجرت تدريبات من دون سلاح على “احتلال” بيروت في ليلة واحدة، قبل ذلك بأيام. ولأن الحزب يريد “تأديب” وليد جنبلاط لوقوفه خلف قرارَي مجلس الوزراء، كان ل ابد من “غزو” الجبل إلى جانب بيروت. وغزو هي الكلمة الألطف لوصف هَمَجية ما جرى.

كشف اليوم المذكور تضاد عقليتين، واحدة تؤمن بالدولة والمسار الديموقراطي، والثانية جاهزة لاستعمال قوتها الميليشياوية، في كل لحظة، حمايةً لمشروع الولي الفقيه، ومنه فرض الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، بعد تعطيل الحياة الدستورية لعامٍ ونصف العام، وفرض اعتبار الإرغام والإذعان من دروب الديموقراطية. وفي الضفة المقابلة، لا يُحسن “السياديون” النصر ولا يُتقنون استيعاب الهزيمة: يوم انتصروا بالتفاف الناس من كل لبنان حولهم، إثر اغتيال رفيق الحريري، تاهوا في الثروة الشعبية المفاجئة وغرقوا في المكاسب السياسية الذاتية، ونسوا أهمية اللحظة الإستراتيجية لبناء الدولة، فيما كان خصومهم يتلطّون خوفاً منهم، كما اعترف بذلك أحدهم عبر شاشة إحدى القنوات التلفزيونية، ويوم 7 أيار سارعوا إلى رفع الأيدي استسلاماً، بدل أن يُظهروا ثقتهم برصيد “14 آذار” الوطني ويدعوا إلى عصيان مدني عام، يُفرِغُ احتلال بيروت من مغزاه. منذ ذلك الحين، يستمر استنزاف القوى السيادية وتشرذمها واستلحاق نفسها بالإنجرار وراء خصمها، وما اتفاق الدوحة وانقلاب “الممانعة” عليه إلّا نهجٌ يتكرّر، وأيّ تسوية جديدة لن تكون سوى محطة جديدة لاستسلام جديد كقبول زعم كون المعابر الحدودية بنداً رئيساً في أمن المقاومة، بينما يُهَرَّب عبرها كل شيء، حتى السيادة الوطنية وامن لبنان الغذائي.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb
  • يُنشر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى